قال رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون ،إن بلاده تقف الآن في مفترق طرق، إذْ تواجه اختيارا وجوديا، الخميس المقبل، وإن عليها اتخاذ قرار مصيري يتوقف عليه الكثير من الأمور.
وأوضح كاميرون- في مقال نشرته «التلجراف»- أن الاقتصاد البريطاني على المحك، قائلا «المملكة اليوم على الطريق لتمثل إحدى أكبر قصص النجاح على صعيد النمو الاقتصادي في القرن الحادي والعشرين، حيث انها متقدمة في هذا المضمار أكثر من أي دولة في العالم باستثناء أمريكا.. نحن أمة متاجرة منفتحة متفاعلة.. ولا شك أن السوق الموحدة التي نحن جزء منها داخل الاتحاد الأوروبي كانت بشكل عملي اختراعا بريطانيا.. وبديهي أننا لو غادرنا، فإن التجارة ستتضرر وسيعاني الاستثمار في بريطانيا لصعوبة دخول الاستثمار إلى الاتحاد الأوروبي عبر بريطانيا بذات الطريقة، ونتيجة لذلك سيتأثر اقتصادنا بالسلب».
وأضاف قائلا «حتى الآن، شهدنا الكثير من النقاش حول الأثر الدقيق لذلك؛ عما إذا كنا سنعاني ركودا طفيفا فور المغادرة، أم ستكون الصدمة أشد؟.. كما شهدنا مناقشات حول المدى الدقيق لازدياد حجم البطالة، وإلى أي مستوى ستفتقر بريطانيا على المدى الطويل؟ ..وشهدنا كذلك تكهنات بالحجم الحقيقي للحفرة السوداء التي ستتكون في المالية العامة».
وتابع رئيس الوزراء مخاطبا الناخب البريطاني «لكن حاول أن تعثر على صوت واحد ذي مصداقية يتنبأ بأن بريطانيا ستكون بحق أفضل حالا، أو أكثر أمانا اقتصاديا، أو أكثر قدرة على تمويل الخدمات العامة إذا ما غادرت الاتحاد الأوروبي- لن تجد صوتا واحدا، ومن هنا لا مجال للاندهاش من عدم وجود أية محاولة من جانب حملة الخروج للطعن في الحقائق الاقتصادية الأساسية الخاصة بهذا الاستفتاء: وهي أن بريطانيا ستكون أسوأ حالا إذا ما غادرت؛ ولن يكون ثمّ مكسبٌ من وراء الخروج، سوى التكلفة والخسارة، وركود محتمل، وحالة مدمرة من عدم اليقين قد تخيم على البلاد زهاء عقد من الزمان ريثما تتضح الأمور.. فضلا عن ارتفاع في الأسعار وانخفاض في الأجور وقلة في الوظائف وفرص العمل أمام الشباب الصغير.. ستفتقر بريطانيا بكل ما في الكلمة من معنى.. كيف يمكننا أن نصوت لصالح هذا المصير التعس ونحن نعلم؟.. أقول لك أيها الناخب لا تغامر».
ثم تحدث كاميرون بعد الاقتصاد عن مكانة بريطانيا عالميا، قائلا إنها «باتت هي أيضا على المحك في هذا الاستفتاء.. لقد قضيت ستة أعوام في منصبي كرئيس للوزراء، وأستطيع القول أن الممكلة أقوى عالميا وهي تعمل من الداخل كجزء من أكثر المنظمات العالمية أهمية سواء الأمم المتحدة، أم حلف الناتو، أم الاتحاد الأوروبي، لدينا مقعدا مهما نستطيع منه التأثير في إحداث تغيير بالعالم.. سواء لحماية مصالحنا الوطنية أو حماية شعبنا أو تخفيف المعاناة حول العالم.. نستطيع إحداث هذا التأثير على تلك المستويات عبر وجودنا في تلك المنظمات».
وأضاف كاميرون «إذا ما غادرنا الاتحاد الأوروبي، سنجلس معا في منتدى غاية في الأهمية لترتيب أضخم المشاكل المؤثرة على بريطانيا.. الفارق هو إننا لا نريد أن نصل إلى تلك النقطة.. في الحقيقة أول شيء سنفعله حال مغادرتنا الاتحاد الأوروبي هو تأسيس خلية دبلوماسية تستهدف التأثير على دول الاتحاد قبل اجتماعاتها في بروكسل، ثم نقضي الأسابيع بعد ذلك نحاول تخمين ما حدث في الاجتماعات وكيف سيؤثر ذلك علينا».
وحذر كاميرون قائلا: «ربما يحدث الخروج على نحو سريع وعابر، لكن أثره السلبي على موقفنا عالميا لن يكون عابرا؛ سيكون تعاسة وخضوعا بالاختيار لدولة مهمة كبريطانيا.. لهذا كل حلفائنا يريدون منا البقاء في الاتحاد؛ فقط خصومنا هم من يريدوننا أن نغادر.. وأنا أقول لكم: نحن لسنا مجرد رقم بين الـ 28 من دول الاتحاد الأوروبي؛ إنما نحن دولة مهمة جدا، نحن لاعب عالمي مؤثر.. وهذا بالضبط ما ينبغي علينا الحفاظ عليه».
ومضى رئيس الوزراء قائلا للناخب البريطاني: «أخيرا، إليك هذا السؤال عن نوع الدولة التي نريد أن نكونها، إنني فخور ببريطانيا البلد المنفتح المتسامح الكبير القلب، لكنني أعتقد أن هذا الاستفتاء بات الآن نقطة تحول لبلادنا، وأننا بصدد اتخاذ قرار مصيري يوم الخميس، فهل سنختار رؤية نايجل فرج (زعيم حزب الاستقلال البريطاني) التي تأخذ بريطانيا إلى الوراء؛ حيث تعمل هذه الرؤية على التفريق أكثر مما توحد؛ والتي ترتاب في دوافع كل من يتخذ وجهة نظر مختلفة؟.. أم أننا، في المقابل، سنختار بريطانيا متسامحة ليبرالية؛ دولة لا تلقي بمشكلاتها على كاهل الآخرين؛ دولة لا تضيع وقتها بالنظر إلى الوراء وإنما تتطلع إلى المستقبل يحدوها الأمل والتفاؤل والثقة؟.. أعتقد أن الإجابة ستحدد ما ستكون عليه بريطانيا لفترة طويلة جدا».
واستطرد رئيس الوزراء «بالطبع، الاتحاد الأوروبي ليس مثاليا.. ولكن عضويتنا، بطريقة ما، هي التعبير الأساسي عن كوننا بريطانيين من حيث نظرتنا للعام الخارجي وتفاعلنا مع هذا العالم، وعن تشككنا أيضا في بعض الأحيان.. أمور كثيرة على المحك يوم الخميس في الاستفتاء.. ونادرا ما سنكون بصدد اتخاذ قرار بهذا الحجم.. وإليكم حقيقة في هذا الصدد: إن هذا القرار هو نهائي لا رجعة فيه؛ لا التفات إذا ما نحن غادرنا.. إذا ما اخترنا الخروج من الاتحاد الأوروبي، فسنخرج بكل تبعات الاختيار على الجميع في بريطانيا.. وإذا ما خرجنا وتبين بسرعة أننا ارتكبنا خطأ كبيرا، فلن نجد طريقة لتغيير رأينا واتخاذ مسار آخر.. هذا هو الأمر».
واختتم كاميرون قائلا للناخب البريطاني: «وعليه إسأل نفسك: هل سمعتُ أي شيء على الإطلاق من شأنه إقناعي بأن مغادرة الاتحاد سيكون أفضل شيء من أجل الأمان الاقتصادي لعائلتي؟ هل الخروج من الاتحاد يتماشى مع ما اعتادت عليه بريطانيا من أهمية ونفوذ عالميا؟ هل الخروج من الاتحاد من شأنه بناء الدولة المنفتحة والمتفاعلة التي أرجو لأبنائي وأحفادي أن يعيشوا فيها؟ إذا لم تكن مقتنعا بنسبة مائة بالمائة، فثمة خانة واحدة يمكنك أن تضع علامة اختيارك بها في الاستفتاء.. أما إذا كنت لا تعلم، فلا تغامر، وصوّت بدلا من ذلك، لصالح البقاء في استفتاء 23 يونيو الجاري».