إذا تصور المطالبون بإقالة الدكتور الهلالى الشربينى، وزير التربية والتعليم، أن إقالته سوف تؤدى إلى إصلاح حال التعليم، فأرجوهم.. أرجوهم.. أن يتطلعوا وراءهم قليلاً، ليروا كم وزير ذهب، ثم كم وزير جاء، وكيف أن التعليم فى مدارسنا، رغم ذهاب بعضهم، ومجىء البعض الآخر، قد بقى على حاله، فازداد سوءاً بالتالى!
بل إننى أستطيع أن أزعم أن الحكومة وقفت فى طريق الوزير الشربينى، عندما قرر فى بدء العام الدراسى المنتهى إصلاح ولو جزءاً يسيراً من نظام تعليمى متهالك فى معظمه!
وإذا كان أحد منا قد نسى، فسوف أعيد تذكيره بأن الوزير كان قد قرر ذات يوم، رصد عشر درجات للحضور والالتزام فى فصول الدراسة، وقرر أن يأخذ المسألة بجد، وكالعادة، احتج بعض التلاميذ، وبعض أولياء أمورهم على القرار.. فماذا حدث؟!
حدث أن رئيس الحكومة تخلى عن الوزير، وحدث أن رئيس الحكومة وقف مع أولياء الأمور، ومع تلاميذهم، الذين يريدونها فوضى فى مدارسهم، ولا يريدون حضوراً، فى حده الأدنى، ولا التزاماً، وحدث أن ألغى رئيس الحكومة القرار، بنفسه، وبيده.. ففرح أولياء الأمور، وفرح التلاميذ يومها بأن الحضور لم يعد مطلوباً فى المدرسة، ولا الالتزام، وبقرار مِمَّن؟!.. بقرار من رئيس الحكومة، أى من الدولة، ضد رغبة وزير قرر وقتها أن يبدأ.. فقط يبدأ.. طريقاً طويلاً، وشاقاً، لإصلاح تعليم لن ينصلح حال البلد كله، إلا إذا انصلح حاله هو أولاً.. وعاشراً.. ولا شىء بينهما!
لست أدافع عن الوزير، ولا أنا راغب فى أن أبدو ضد رئيس الحكومة الذى أتصوره يبذل ما يستطيعه فى حدود إمكاناته، وفى حدود ما هو متاح له، وأمامه.. لست مع هذا الرجل ولا ضد ذاك الرجل، لأن القصة ليست أشخاصاً بقدر ما هى قضايا فى الأساس.. قضايا إما أن نكون معها، وداعمين لها، أو نكون العكس، ولا شىء فى المنتصف.
يدهشنى لأقصى درجات الدهشة، أن ينشغل كثيرون منا بحكاية تسريب أسئلة وأجوبة الثانوية العامة، باعتبارها مسألة منفصلة عما سبقها، وعما لابد أن يكون بعدها.. يدهشنى أن أسمع كلاماً من نوعية الإصرار على إقالة الوزير، وتغيير نظام الثانوية العامة، أو تعديل القبول بالجامعات.. يدهشنى ذلك إلى حد الذهول لأننا جربنا هذه الحلول نفسها، من قبل، ولم ينصلح شىء، ومع ذلك نعود إليها هى ذاتها، وكأننا لا نقرأ، ولا أبداً نتعلم!
الثانوية العامة ليست عاماً دراسياً معلقاً فى الهواء، ولكنه عام دراسى له ما قبله من أعوام، ثم إن له ما بعده أيضاً، لأن كل عام من الأعوام الدراسية ممهد لما بعده، وقائم على العام السابق عليه، وعندما نفكر، فى غمرة انفعالنا بالغش هذا العام، فى التعامل مع الثانوية العامة وحدها، فهذا له معنى واحد عندى، هو أننا لسنا جادين فى أخذ التعليم كقضية أكبر، على ما يجب أن يؤخذ عليه، حتى هذه اللحظة.. لسنا جادين!
إذا تصورنا التعليم غابة كبيرة، فعلينا أن نتطلع إلى الأشجار فيها، لا إلى الحشائش الصغيرة التى تنمو تحتها.. علينا أن ننشغل بالأساسيات فيه، لا الفروع، وعلينا أن نفهم أن تجارب الأمم من حولنا تقول إنه إرادة دولة، لا قضية وزير، فالدول التى أخذته هكذا تجاوزتنا بأميال وأميال.. وعلينا أن نفهم أن الانشغال بما إذا كان على الوزير أن يذهب، أو يبقى، هو فى حقيقته محاولة للاختيار بين أن يبقى التعليم سيئاً وبين أن يزداد سوءاً.
التعليم الجيد ليس مجانياً فى أى بلد، وإنما له ثمن يدفعه الطالب، أو تدفعه الدولة عنه، والحاصل أنه لا أحد يملك بيننا شجاعة دفع الثمن!