فى الذكرى الخامسة عشرة لوفاة المطربة، سكندرية النشأة، ليلى مراد، وثقت سوزان عابد، الباحثة فى مشروع ذاكرة مصر المعاصرة، لتاريخ الفنانة الراحلة، التى ولدت فى واحد من أشهر أحياء المحافظة فى 17 فبراير عام 1918، وهو حى «محرم بك»، لأسرة تعمل فى مجال الغناء، حيث كان والدها هو الفنان الراحل الفنان زكى مراد، واسمه الحقيقى إبراهيم زكى موردخاى.
وقالت الباحثة إن زكى مراد والد «ليلى» سافر إلى أمريكا عام 1927 فى رحلة غنائية، باحثًا عن المال والمجد والشهرة، التى حظى بها الراقص «جون كيلى»، وظل فى هذه الرحلة لمدة عام، حيث عاد بعدها إلى مصر ليبدأ رحلته الغنائية مع «ليلى»، لنشر صوتها فى الصعيد، بداية من محافظة بنى سويف وحتى أسوان، وكان معظم ما غنته فى ذلك الوقت «أدوار» من ألحان محمد عثمان، وعبده الحامولى، والخضراوى، والشيخ المسلوب، إلى أن قدمت أول حفل غنائى أمام الجمهور عام 1930 على مسرح رمسيس بالقاهرة، بينما لم يتجاوز عمرها الثانية عشرة.
وصلت «ليلى» بصوتها للإذاعة المصرية عام 1934 بعد أن تعاقدت مع مدحت عاصم، مدير الإذاعة، فى ذلك الوقت، على الغناء فى الثلاثاء من كل أسبوع، مع الشيخ «رفعت» الذى كان يسجل تلاوة القرآن فى نفس اليوم، وغنّت «يوم السفر» عام 1935 لمحمد القصبجى، فى فيلم «الضحايا» بطولة وإنتاج الفنانة بهيجة حافظ، والذى اعتبرته الباحثة أول مشاركة للفنانة الراحلة فى السينما، التى قدمت من خلالها 27 فيلماً.
«يحيا الحب» أمام الفنان والملحن محمد عبدالوهاب، كان انطلاقة «ليلى» إلى عالم السينما، كما وصفت «عابد»، بالرغم من «تردد» المخرج محمد كريم فى تقبلها كممثلة لأدائها التمثيلى «الضعيف»، حيث كانت مازالت فى بدايات تعرفها على كاميرات السينما.
وكان لقاؤها بالمخرج السكندرى النشأة، الإيطالى الأصل، توجو مرزاحى، نقطة تحول فى تاريخها الفنى، فمن خلال شركة «الأفلام المصرية»، التى أسسها «مرزاحى» فى المحافظة، تم اكتشاف موهبة «ليلى» بشكل جديد، حيث قدما معاً ستة أفلام متتالية، هى «ليلة مطيرة» عام 1939، والذى تقاسمت بطولته مع الفنان الكبير يوسف وهبى، تلاه ثلاثة أفلام فى نفس العام 1941 هى «ليلى بنت الريف» و«ليلى بنت الفقراء» و«ليلى بنت المدارس»، أعقبها بفيلم «ليلى» مع الفنان حسين صدقى عام 1942، والمأخوذ عن رواية «غادة الكاميليا»، والذى لاقى نجاحاً كبيراً، واستمر عرضه فى السينمات 16 أسبوعاً، حصل فيه محمد القصبجى على جائزة أجمل لحن ظهر فى هذا العام، وأخيراً «ليلى فى الظلام» عام 1944.
شكلت ليلى مراد مع أنور وجدى أشهر ثنائيات السينما المصرية، حيث تقاسما بطولة ثمانية أفلام، كان أولها فيلم «ليلى بنت الفقراء»عام 1941، حتى جمعهما رباط الزواج المقدس عام 1946، بعد أن قدما معاً فيلمين آخرين، واستمر التعاون بينهما بعد انفصالهما عام 1953، وزواج «ليلى» من وجيه أباظة، ثم من المخرج فطين عبدالوهاب عام 1954، وتزوج أنور وجدى من الفنانة ليلى فوزى عام 1955، ليموت بعدها بأربعة أشهر بعد أن اشتد عليه مرض أصابه فى الكلى.
مرحلة مفصلية أخرى فى حياة «ليلى» بدأت عندما تقابلت مع الفنان الكبير «نجيب الريحانى» عام 1949 فى فيلم «غزل البنات»، الذى قالت عنه الفنانة ليلى مراد، فى أحد لقاءاتها الفنية، إن «الريحانى» طلب منها أن يتقاسما بطولة فيلم قبل أن يموت، ولم يكن يدرى وقتها أن نبوءته ستتحقق ويموت بعد أيام من تصوير الفيلم، الذى لم يحضر عرضه الأول، ويشهد النجاح «الساحق» الذى حققه.
ومن الروايات التى قيلت حول الفيلم، إن العديد من النقاد عارضوا مشاركة الفنان نجيب الريحانى للفنانة ليلى مراد فى غناء «ديالوج» «عينى بترف» و«أبجد هوز»، إلا أن الفنان محمد عبدالوهاب أصر على مشاركة الريحانى لـ«ليلى» فى الغناء، خاصة أن الريحانى قام بأداء العديد من الأغنيات التعبيرية والأداء المنغم بمهارة فى مسرحياته.
وفى عام 1950 قدمت ليلى مراد بطولة فيلم «شاطئ الغرام»، الذى شاركها بطولته حسين صدقى، وحقق نجاحًا كبيرًا بأغنية «بحب اتنين سوا»، كما سميت الصخرة التى جلست عليها «ليلى» فى الفيلم بـ«ضخرة ليلى مراد»، ومازالت موجودة حتى الآن وتعتبر مزاراً سياحياً لكل مصطافى المحافظة، الذين يحرصون على التقاط الصور فوق الصخرة الشهيرة.
«الحبيب المجهول» عام 1955 مع الفنان أحمد سالم كان آخر معرفة «ليلى» بكاميرات السينما وشاشات العرض، حيث اعتزلت التمثيل بوفاة أنور وجدى، وامتنعت عن الظهور فى أى من الوسائل الإعلامية، حتى ظهورها فى جمعية كتاب ونقاد السينما عام 1977، وعلى شاشات التليفزيون عام 1984، حيث اختفت مرة أخرى عن الساحة الإعلامية والجماهيرية.
لم تخلُ حياة ليلى مراد من الشائعات التى لاحقتها فى كل مكان، خاصة بعد أن أشهرت إسلامها عام 1947، وقيل إنها كانت تتلقى دروساً دينية على يد الشيخ محمود أبوالعينين شعيشع والشيخ محمد متولى الشعراوي، وطاردتها الصحف والمجلات، حيث أشاعوا عنها أنها تبرعت بخمسين ألف جنيه لمساندة الجيش الإسرائيلى نظراً لأصولها اليهودية، وهو ما نفته «ليلى» فى تصريحاتها لوكالة «أسوشيتدبرس»، مؤكدة أن هذه الرواية مردها هو «حقد» بعض المشتغلين بشؤون السينما، وإنها «موقنة تماماً من أن الشعب المصرى يعرفها حق المعرفة كذلك الحكومة المصرية، وأنهما لن يصدقا مثل هذه المزاعم الكاذبة»، كما شككوا فى حقيقة إسلامها وقالوا إنها ماتت ودفنت بمقابر اليهود بمنطقة البساتين، فى 21 نوفمبر عام 1995، بينما أكد العدد الغفير أنها ماتت مسلمة ودفنت بمقابر المسلمين، بعد أن قدمت 27 فيلماً للسينما المصرية و1500 أغنية.
تم تكريم ليلى مراد فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى عام ١٩٩٨ بمنحها شهادة تقدير تسلمتها عنها الفنانة ليلى علوى، وعرض مسلسل «أنا قلبى دليلى» فى رمضان عام ٢٠٠٩ لقصة حياتها.