على مشارف الانتخابات البرلمانية التي تستعدّ لها مصر لاختيار أعضاء مجلس الشعب في 28 نوفمبر/تشرين الثاني، يردّد المسؤولون في القاهرة مقولة واحدة لا عودة عنها: لا تحتاج هذه الأمّة الأبيّة إلى رقابة دولية لانتخاباتها التي ستُجرى وفقاً للقوانين والمفاهيم الدستورية الراسخة. لكن المشكلة في هذه المقولة هي ما يُظهره تاريخ الانتخابات السابقة في البلاد التي يشوبها التزوير، والعنف في معظم الأحيان. في الواقع، تدهورت ثقة المصريين بالسياسة الرسمية (والتي لم تكن يوماً ثقة عظيمة) إلى درجة أنّ العديد من الأحزاب المعارضة ستقاطع الانتخابات البرلمانية في حين أنّ الأحزاب التي ستشارك فيها تعاني من تصدّعات داخلية لأنّ عدداً كبيراً من أعضائها لا يريد إضفاء شرعية على المنظومة القائمة.
إذا لم يكن هناك مراقبون دوليون يؤمّنون نافذة نطلّ من خلالها على الانتخابات المصرية ومع تاريخ التزوير والعنف، فكيف سيتمكّن المصريون والعالم الخارجي من تحديد مدى نزاهة الانتخابات؟ لعل أحد أهم المؤشّرات هو إذا كانت اللجنة العليا للانتخابات ستمنح تراخيص لحوالى 14000 ناشط في المجتمع الأهلي المصري يسعون إلى الرقابة على الانتخابات. لقد خضعوا لتدريب مكثَّف ومركَّز منذ تجربتهم المتواضعة جداً في الرقابة عام 2005، ويمارسون ضغوطاً الآن للحصول على ولوج كامل إلى آليتَي التصويت والفرز. في انتخابات مجلس الشورى في 10 يونيو/حزيران الماضي، لم تمنح لجنة الانتخابات تراخيص سوى لنسبة ضئيلة من مراقبي المجتمع الأهلي في اللحظة الأخيرة (وهو عائق كبير في بلد بحجم مصر)، ولم تعطِ العاملين في مراكز الاقتراع تعليمات بالسماح للمراقبين بالدخول. وسواء كان هذا ناجماً عن عدم الكفاءة أو العرقلة المتعمّدة، لن تتمكّن اللجنة العليا للانتخابات من أن تُفلت من جديد بمثل هذه الممارسات نظراً إلى الأضواء الإعلامية المسلَّطة بقوّة على الانتخابات في 28 نوفمبر/تشرين الثاني.
دائماً ما شكل العنف أيضاً عاملاً أساسياً في الانتخابات المصرية السابقة، وسيتكرر الأمر على الأرجح في هذه الانتخابات. لقد ضربت وزارة الداخلية في ما مضى طوقاً أمنياً حول بعض مراكز الاقتراع – حيث كان مرشّح بارز موالٍ للحكومة يواجه منافساً قوياً من المعارضة – ما أسفر عن أعمال عنف لدى محاولة الناخبين دخول المركز. ومارست زمر تعمل لحساب الأجهزة الأمنية أو استخدمها مرشّحون معيّنون، الترهيب واعتدت جسدياً (بما في ذلك جنسياً) على الناخبين والمراقبين والصحافيين فيما كانت الشرطة تشيح بنظرها عمّا يجري. هل ستختلف الأوامر الموجهة للشرطة في هذه الانتخابات؟
كذلك تثير الإجراءات الجديدة، ولا سيما تلك التي تستهدف التنظيم المعارِض الأكبر في مصر، أي جماعة الإخوان المسلمين، شكوكاً حول مدى نزاهة الانتخابات البرلمانية وتنافسيّتها ويتعين من ثم متابعتها. فعلى الرغم من قدرة تنظيم الإخوان المسلمين المحظور قانونا على المشاركة في الانتخابات عبر بوابة المرشحين المستقلين، إلا أن الإخوان في عام 2005 شنّوا حملتهم بصورة علنية مستخدمين شعار "الإسلام هو الحل"، ونافسوا على ثلثَي مقاعد مجلس الشعب تقريباً. أما الآن فقد حظرت الحكومة المصرية الشعار وتستخدم الحظر هذا للتضييق على حملات مرشحي الإخوان واعتقال أنصارهم بصورة منهجية، ومنعت اللجنة العليا للانتخابات ربع المرشّحين الذين اقترحهم الإخوان المسلمون (135) من تسجيل ترشيحهم. بيد أنّ الحكومة سجّلت كل الطامحين إلى دخول مجلس الشعب المنتمين إلى الأحزاب المعارضة العلمانية الضعيفة أو المستوعَبة من النظام، في حين أنّ الأحزاب العلمانية الأحدث عهداً والأكثر استقلالية (مثل حزب الغد الليبرالي وحزب الجبهة الديمقراطية) تقاطع الانتخابات. تضع هذه المعطيات الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم أمام معضلة: فهو من جهة يحتاج إلى الفوز بثلثَي المقاعد على الأقل في مجلس الشعب، لكنّه يريد أيضاً أن يوحي بأنّ هناك منافسة حقيقية. إلا أنّه مع التضييق المستمر على مشاركة الإخوان المسلمين في الانتخابات ومقاطعة بعض الأحزاب العلمانية لها، من شأن تحقيق أحزاب ضعيفة أو رهينة لدى النظام أداء قوياً في الانتخابات أن يشكّل مؤشّراً أكيداً على التلاعب المنظم من قبل نخبة الحكم والحزب الوطني في العملية الانتخابية وهندستها.
أيضاً تشكل الحريات الإعلامية والتغطية الإعلامية للانتخابات مسألة أساسية أخرى تستحق المتابعة في ضوء الإجراءات التضييقية التي اتّخذتها الحكومة مؤخّراً مثل فرض حصول المحطات التلفزيونية الفضائية على إذن رسمي قبل بث تقارير مباشرة من أيّ مكان في مصر، وفرضها حصول مزوِّدي الهواتف الخلوية على إذن مماثل لإرسال رسائل نصّية موحَّدة إلى المستخدمين، وهي تقنية تلجأ إليها المعارضة أكثر فأكثر لتعبئة الأنصار والتواصل مع الرأي العام. وعلى الرغم من تنوّع المشهد الإعلامي في مصر الذي تتوزّع فيه ملكية المؤسسات الإعلامية بين القطاعَين العام والخاص، أشارت التقارير الأولى الصادرة عن المنظّمات المصرية غير الحكومية حول التغطية والتقارير الإعلامية في مرحلة الحملات الانتخابية، إلى تحيّز واضح للحزب الحاكم ومرشّحيه.
ومما يستأهل الرصد في 28 نوفمبر/تشرين الثاني كذلك ردّ الفعل الأمريكي على الانتخابات المصرية. لقد حاولت واشنطن عبثاً إقناع الرئيس مبارك بالموافقة على الرقابة الدولية على الانتخابات وإلغاء قانون الطوارئ الذي يحكم مصر منذ ثلاثة عقود. وعلى الإدارة الأمريكية أن تُبقي نصب عينَيها حقيقة أنّ إظهار الدعم الأمريكي للإصلاح السياسي وحقوق الإنسان في مصر يرتدي قيمة مهمّة حتى لو استمرت نخبة الحكم في عرقلة هذه الجهود. يتابع الرأي العام المصري باهتمام بالغ كل كلمة تصدر عن واشنطن، في محاولة لاستشفاف موقع أوباما. كما أنّ خلَف مبارك في الرئاسة، الذي لم تُعرَف بعد هويّته على الأرجح، يترقّب ويصغي بلا شك إلى كل كلمة، في محاولة لمعرفة إذا كان الفاعلون الخارجيون يدعمون بالفعل مطالب قطاع واسع من المصريين بشأن التغيير الديمقراطي، وإلى أيّ حد سيكون عليه التعاطي بإيجابية مع هذه المطالب.
ميشيل دن كبيرة الباحثين في معهد كارنيغي للسلام الدولي، وعمرو حمزاوي مدير الأبحاث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت.
ينشرهذا المقال باتفاق مع مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، جميع حقوق الطبع محفوظة.(http://egyptelections.carnegieendowment.org/ar/)