لائحة أعمال «حزب الله» السيئة فى لبنان طويلة ونتائجها مأساوية على البلد. إذا توقفنا عندها لرأينا أنها تجر البلد إلى مجهول كارثى، وكأنها ترغب فى انتحار جماعى للوطن. والمصيبة الأولى هى إجبار شريحة من أبناء الطائفة الشيعية على الذهاب للقتال فى سوريا لحماية نظام قمعى يقتل شعبه. أعداد من شباب لبنان يضحون بحياتهم لأن السيد حسن نصر الله أمر بذلك وحوّل المقاومة ضد إسرائيل إلى قتل الشباب، بناء على توجيهات راعيه الإيرانى. وأمهات لبنانيات يبكين أولادهن فى صمت بسبب قرار انتزاعهم لقتال أمثالهم من شباب سوريا فى سبيل حماية نظام استبدادى لن يدوم مهما حاول فلاديمير بوتين وقاسم سليمانى إبقاءه. أما على الصعيد السياسى فى لبنان فقد نجح «حزب الله» باستمرار، منذ عام ٢٠٠٥، فى تحقيق المصاعب والمآسى والاغتيالات، خدمة للنظام الذى يقاتل اليوم من أجله. ومنذ حوالى سنتين، يستمر الحزب فى أخذ لبنان إلى الأخطر، مع إبقائه فى فراغ مؤسساتى.
فلا رئيس جمهورية فى لبنان لأن «حزب الله» يمنع نوابه ومؤيديه من إكمال النصاب لإجراء الانتخاب الرئاسى، طالما الوضع فى سوريا على ما هو. وسياسة الحزب لم تكتف بالتعطيل السياسى، بل اختارت التخريب الاقتصادى. وكلام نصر الله الذى تهجم فيه على دول الخليج، وسيطرة الحزب على مرافق البلد من المطار إلى المرفأ أديا إلى مقاطعة خليجية. والبلد فى حاجة ماسة إلى هذه السياحة الأساسية للبنان، الذى شهد تدهوراً مالياً مؤلماً فى قطاعات السياحة، مع تفاقم البطالة والفقر. واللغة التهجمية التى استخدمها نصر الله أدت إلى طرد عدد من اللبنانيين من دول الخليج وتقليص التحويلات اللبنانية التى كانت تساهم فى زيادة الأموال التى يحتاج إليها البلد. كما أن هذا التهجم والتهديد ومحاولة الهيمنة على جميع القطاعات أدت إلى حرمان الجيش اللبنانى من هبة سعودية بقيمة ٣ بلايين يورو كانت ستزود بها هذه المؤسسة التى لاتزال فعالة وصامدة رغم الظروف الإقليمية بأحدث المعدات العسكرية الفرنسية.
والآن ها هو «حزب الله» يتهجم على أهم وأفضل مؤسسة فى لبنان، وهى البنك المركزى، وعلى حاكمه رياض سلامة، الذى تمكن من الحفاظ على الاستقرار المالى فى لبنان، فى ظل ظروف إقليمية وداخلية متدهورة وخطيرة كادت تأخذ البلد إلى شفير الهاوية لولا سياسة رياض سلامة الحكيمة. وهذه السياسة تحظى باحترام كبير من القطاع المالى والسياسى فى العالم. فحاكم البنك المركزى ليس له خيار آخر سوى تنفيذ القانون الأمريكى لحماية القطاع المصرفى اللبنانى، الذى يمثل العمود الفقرى للبلد. ألم يسمع نصرالله أن بنك «بى إن بى باريبا» BNP Paribas، وهو أحد المصارف الفرنسية العريقة، دفع ٨ بلايين يورو غرامة لأنه خرق القانون الأمريكى فى تعامله مع إيران؟ فإلى أين يريد «حزب الله» أخذ لبنان؟ هل يجمع كل هذه «الإنجازات» لإنهاء البلد على غرار ما يفعله شريكه بشار الأسد فى سوريا؟ إن من مصلحة الشريحة التى يمثلها أن يكون لبنان بلداً منتعشاً فى أسرة دولية تحترمه وتعمل معه بدلاً من عزله. ولكن هل يعى هذه المصلحة، أم أنه يفضل البقاء وكيلاً للمرشد الإيرانى وجماعاته العسكرية؟! وكلما طبّعت الإدارة الأمريكية علاقاتها مع النظام الإيرانى تشدد الضغط على وكيله فى لبنان لمراعاة الشريك الإسرائيلى. ولبنان يدفع الثمن. والسؤال اليوم: كيف يمكن أن يتعافى لبنان فى ظل هيمنة هذا الحزب على مؤسساته ومحاولة فرضها على آخر عنصر صمود واستقرار فى البلد، وهو البنك المركزى وحاكمه وقطاعه المصرفى؟
نقلاً عن صحيفة «الحياة» اللندنية