قامت ثورة فى 25 يناير. خرج مبارك من الحكم. حبسنا جمال مبارك. فهل اختفى التوريث؟ لم يحدث. الحقيقة أن البلد كله تم توريثه. الوحيد الذى لم يرث هو جمال مبارك.
التوريث أكبر آفة من آفات المصريين. التوريث وصل للحلقوم. أصبح مشاعاً فى كل مؤسسات الدولة. فى الجامعات. والمؤسسات البحثية، والمستشفيات، والمدارس، وفى كل خرم. التوريث نكسة أكبر من نكسة 67.
أنهك المجتمع وقتل الإبداع والمبدعين. صار الجريمة الكبرى. وأكبر عنوان للفساد.
لم أتعجب من وجود اكتشاف أن ابنة المستشار هشام جنينة فى سلك النيابة. تقدمت باستقالتها أو أقيلت. الله أعلم. لكن المستشار جنينة ليس وحده فى ذلك. هناك الكثير والكثير من الورثة والمورثين.
التوريث فى المجال الخاص مفهوم، بل هو شرعى. لكنه غير ذلك فى المجال العام إلا بضوابط صارمة. كما أن التوريث فى مجالات تتعلق بالإبداع وبمهارات فريدة بالأساس. وفى التفوق العلمى أمر غير مفهوم بالمرة. وهو فى الدول المتقدمة أمر مجرم بالقانون والعرف.
انظر إلى تترات المسلسلات المعروضة حاليا على شاشات التليفزيون. سوف تكتشف أن البطل أبوه بطل مسلسل آخر يذاع على محطة ثانية. وأن السيناريست ابنه أيضا سيناريست. والمخرج ابنه مخرج. ليس هذا فحسب بل العالم فى مصر ابنه عالم. والطبيب ابنه طبيب. والضابط ابنه ضابط. عامل النظافة ابنه عامل نظافة. لا يريد وزير العدل الأسبق محفوظ صابر أن يكون له الحق فى أن يصبح قاضيا. مهما تفوق ومهما حقق، أو حصل من العلم.
فى كتابه عن التوريث السياسى فى الأنظمة العربية المعاصرة. يقول الكاتب والباحث اللبنانى خليل أحمد خليل:
«توريثٌ آخر، أخطر، هو توريث السلطة أو الزعامة، من القبيلة إلى الجمهورية، مروراً بالعائلة أو الأسرة، مع تفريق أساسى بين نظام ملكى أو نظام أميرى قوامه الطبيعى التواصل بالتوريث، ونظام جمهورى أو شعبى قوامه التواصل بالإنتخاب. وفى هذا السّياق، يندرج الاختلاف السياسى حول ظاهرة التوريث، الموسومة بسمة التمييز أو التمايز: علىّ يرث وعلىّ لا يرث! وفى كل حال، التوريث ظاهرة اجتماعية حضارية وعالمية، لا جدال فى ضرورتها؛ ولكنَّ الخلافَ يدور حول أشكالها وشروطها، فى المجتمع وأعرافه، وفى الدولة ودستورها وقوانينها. إنها ظاهرة متصلة جذرياً بحفظ الجنس البشرى، أشبه ما يكون بـ شبكة اجتماعية لا تخلو من تعقيدات؛ لكنّها شبكة ذات خروم، يخرج منها الكثيرون، ويبقى فيها القليلون، هم الوارثون. الخارجون من الشبكة الوراثية يراودهم شعور بالحرمان والظلم والاستبعاد، وفيما الوارثون لا يُخفون امتيازاتهم، بصرف النظر عن مزاياهم وقدراتهم على النجاح أو الفشل فى إدارة الموروث المادى، وتدبير الموروث العلمى أو التقنى أو السياسى».
انتهى كلام الأستاذ خليل. لكن الظاهرة مستمرة لم تنته. ولن يكون فى مصر عدالة اجتماعية إلا إذا وضعنا حداً لهذه الطبقية المقيتة. لن تحقق شقق الإسكان الاجتماعى ولا مقابر الصدقة أى نوع من العدالة الاجتماعية. الأهم أن نكون جميعا كمصريين متاحة أمامنا نفس الفرص. ونشعر أننا سواسية كأسنان المشط. وهذه أقوى دعوة جاء بها الإسلام.. رمضان كريم.