x

نادين عبدالله .. ويستمر مسلسل تسريب الامتحانات! نادين عبدالله الخميس 09-06-2016 22:10


يستمر معنا منذ ما يقرب من أربع سنوات٬ وتعبر عنه صفحة على «الفيسبوك» أطلقت على نفسها اسم «شاومينج» أخذت على عاتقها مهمة تسريب امتحانات الثانوية العامة أو أجزاء منها. والطريف فى الأمر هو أن مهمة التسريب التى تبنتها لم يكن الهدف منها تسهيل الغش للطلاب فحسب، بل الاحتجاج على نظام التعليم فى مصر، خاصة نظام الثانوية العامة. ورغم أن مثل هذا الشكل الاحتجاجى مرفوض شكلاً وموضوعًا لأنه يساعد على انتشار قيم «عدم الأمانة»، بل ويساوى بين من يجتهد ومن لا يفعل، إلا أن استمرار هذه الظاهرة ليس فقط بكاشف عن اختلال بنية المنظومة التعليمية بل أيضًا عن الدعم المجتمعى النسبى الذى تحظى به عمليات الغش هذه. فنحن أمام نظام تعليمى لا يرضى عنه المواطن٬ وهو أمر يتفق مع استطلاع الرأى الذى أعده الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى عام 2014، والذى أعرب فيه 70% من الأهالى عدم رضائهم الكلى أو الجزئى عن مستوى التعليم المقدم لأبنائهم.

وبعيدًا عن «شاومينج» وتسريبه للامتحانات٬ دعنا نتأمل سلسلة المقالات الجادة المنشورة فى جريدة «الشروق» للدكتورة هانيا صبحى، المتخصصة فى شؤون تطوير التعليم٬ ونفكر معًا فى مغزى بعض الإحصائيات الخاصة بالتعليم كى نضع أيدينا على الجرح أو الأزمة. قد تندهش مثلاً حين تعرف أن معدل الإنفاق العام على التعليم ما قبل الجامعى فى مصر كان فى ٢٠١٤ نحو 3.9% من الناتج المحلى الإجمالى فقط٬ وهو بذلك لم يتعد 9% من إجمالى الإنفاق العام للدولة٬ ويعد نسبة صغيرة جدًا لو قورنت بدول عربية أخرى مثل تونس أو المغرب حيث يصل الإنفاق على التعليم إلى حوالى 25% من إجمالى الإنفاق العام بها بما يمثل 7.4% و5.9% من الناتج المحلى الإجمالى لكلا البلدين على التوازى. وبطبيعة الحال ينعكس سوء الإنفاق على التعليم على تردى جودته ومستواه٬ وهو الأمر الذى أكده تقرير الأمم المتحدة للتنمية لعام ٢٠١٤، حيث أشار إلى أن ٣٥% من طلاب المرحلة الإعدادية لا يجيدون القراءة والكتابة. بالطبع٬ يرتبط بهذه الوضعية سوء المناهج التعليمية٬ فهى ليست بعيدة فحسب عن احتياجات سوق العمل، بل أيضًا قائمة على التلقين والحفظ، وليس على الفهم والإبداع، وكأن معيار النجاح فى الحياة وأساس تقدم الدول هو سعة الذاكرة فقط لا غير. أما نظام الثانوية العامة فمشكلته الجوهرية هى أنه يفصل الطالب عما يحب دراسته أو ما يحب عمله، فيخلق إنسانًا مشوهًا ومقهورًا، لأنه ربما أجبر على دخول كلية لا يحبها، فاضطر لأن يمارس طوال حياته عملا يكرهه، فقط لأنه وُلد فى بلد قلما يضع معاييرجادة، وحينما وضع واحدة فكانت غير منطقية.

للأسف، نظام التعليم الحالى برمته غير ملائم للعصر، فيكفى أن تسافر للخارج لفترة وجيزة حتى تدرك أن فرق الساعات فى الجغرافيا، يتحول إلى فرق سنين ضوئية فى العلم والمعرفة. بالتأكيد٬ هناك محاولات حكومية عدة لإصلاح التعليم على غرار إدخال نظام الجودة فى المدارس لضمان مستوى تعليمى أفضل للطلبة٬ إلا أن المشكلة الحقيقية التى تواجه كل هذه المحاولات تكمن فى أنها تطبق على منظومة تعليمية تحتاج إلى إصلاح جذرى وليس إلى «ترقيع»- لذا فهى تفقد جدواها. فإن أرادت الدولة تغييرًا حقيقيًا عليها ببساطة ألا تضع العصير الجديد فى كوب قديم متسخ٬ وإلا فسد العصير أيضًا.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية