x

أيمن الجندي وجه النبى أيمن الجندي الأربعاء 08-06-2016 22:04


شكراً للمهندس أحمد كمال الذى شاركنا هذه الذكرى الجميلة المؤثرة:

«فى ليلة لا تُنسى من ليالى رمضان سنة ١٩٨٢م، كنت فى كلية الضباط الاحتياط لتأهيل المهندسين العسكريين نؤدى الخدمة العسكرية، وكنت حزيناً لأنهم لم يجعلونى جندياً كسائر الزملاء الحافظين للقرآن من المؤهلات العليا، ذلك أن الجندى يتمتع بمدة خدمة أقل، بعكس ضابط الاحتياط الذى ينخرط فى خدمة تقارب السنوات الثلاث يخرج بعدها إلى سوق العمل، وقد نسى كل ما تعلمه فى تخصصه. فوَّضت أمرى إلى الله، وبفضل منه سبحانه كنت أصلى بطلاب كلية الضباط الاحتياط فى المسجد الصلوات الخمس، وأظلنا شهر رمضان فى الشهر الأخير من التدريب، فكنت لا أذوق طعم النوم، وكيف أنام ويومنا يبدأ بعد صلاة الفجر بطابور التمام، ثم طابور اللياقة، ثم طوابير تعليمية تحت شمس الصيف تلفحنا بفحيحها القائظ، وقبيل العصر محاضرات تعليمية، ثم يتنفس جميع الطلاب الصعداء، ويتجه الجميع إلى العنابر يستلقون على الأسرَّة لحين صرف وجبة الإفطار، إلا أنا! لا وقت عندى للراحة، إذ لابد من مراجعة ما أحفظ من القرآن لنصلى القيام (التراويح)، خصوصاً أن المأمومين يريدون سماع جزء كامل من القرآن الكريم كل ليلة، ولم أشأ أن أخذلهم بالرغم من عدم وجود من يساعدنى ويتبادل معى الإمامة.

■ ■ ■

وذاع صيتنا ووصل إلى مسامع القادة فكانوا يأتون للصلاة معنا، وما إن ننتهى من صلاة التراويح حتى نعود إلى العنابر لنأخذ قسطاً من الراحة، إلا أنا، إذ لابد لى من قراءة سريعة للجزء التالى لليوم الجديد الذى يبدأ بعد صلاة الفجر مباشرة.

وهكذا كان وقتى موزعاً بين واجباتى العسكرية وواجباتى الدينية لمدة عشرة أيام متتالية قبل أن نقوم بعطلة قصيرة لنتخرج بعدها برتبة ملازم. وكأن الله لم يشأ لى أن أغادر مكانى قبل أن يمنحنى جائزة الأيام العشرة، فبعد عودتى من صلاة ليلة العاشر من رمضان ذهبت كعادتى لمراجعة الجزء الحادى عشر مراجعة سريعة قبل أن أستلقى على سريرى بالطابق العلوى (كانت الأسرَّة دورين)، وكان يعلو سريرى كشاف فلوروسنت إضاءته بيضاء فضية، فكنت إذا أغمضت عينى بين النائم واليقظان أرى أمامى صفحة بيضاء من أثر الضوء الذى لا يُطفأ لسهر المتسامرين، واستعداداً لوجبة السحور القادمة. وأخذتنى سِنَةٌ من النوم والمصحف على صدرى لا أدرى إن كنت قد أتممت مراجعة الجزء أم لا، وإذا بنور باهر مشفوعاً بصوت يهمس عند أذنى اليمنى: «رسول الله.. رسول الله».

وإذا بى أرى وجهاً باسماً مستديراً كأنه قطعة قمر. لا.. لا.. كأنه الشمس من غير أذى، وجهاً يستعصى على الوصف من ظاهر وضاءته وتلألئه تلألؤ القمر فى ليلة تمامه. وجه أبلج وسيم قسيم جميل لطيف رحيم، يعجز قلمى ولسانى عن وصفه.

■ ■ ■

وصحوت على صوت زميلى يقول: «السحور جاهز يا أحمد. مالك يا أحمد فيه إيه؟ عايز تنام؟ أنا أعذرك تعبت كثيراً هذه الأيام».

قلتُ: «لقد ذهب التعب وعاد النشاط برؤية رسول الله». قال مندهشاً: «هه؟». قلتُ: «رأيت للتو رسول الله، صلى الله عليه وسلم». وذرفت عيناى الدموع وارتجَّ العنبر بالتكبير، وردَّدت باقى العنابر التكبير تباعاً بعدما سمعوا الخبر.

■ ■ ■

كان ذلك منذ أعوام كثيرة. ليلة من ليالى رمضان لا تُنسى، ومازلت يراودنى الأمل كلما جاء رمضان.. لعلّ وعسى.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية