x

عبد الناصر سلامة محمد على (كلاى) عبد الناصر سلامة الإثنين 06-06-2016 21:12


لم تكن أسطورة الملاكمة هى التناول الأهم لوكالات الأنباء، والصحف العالمية، فى وفاة محمد على، «كلاى سابقاً»، قبل إشهار إسلامه، على الرغم من حصوله على بطولة العالم ثلاث مرات، واعتباره الملاكم الأعظم، وهو اللقب الذى رفضه عندما علم بتعارضه مع التعاليم الدينية، على اعتبار أن العظمة لله وحده.

بدا واضحاً التركيز عالمياً على محمد على الإنسان، حيث جهوده فى الأعمال الخيرية التى قضى فيها معظم حياته، بدا واضحاً التركيز على مواقفه السياسية، والأخلاقية، والدينية، التى كانت حديث الناس وقتها، وعاشت معهم حتى لحظة الوفاة، وستظل تمثل النقطة المضيئة الأهم فى حياة الرجل، ربما كان أبرزها موقفه الرافض لحرب فيتنام، وقد ترجمت الجنازة المهيبة للراحل كل هذه المواقف، لتضاف هى الأخرى إلى سجل حافل بكل ما هو إيجابى ومعطاء.

هذا التناول لتاريخ أسطورة الملاكمة جاء بمثابة رسالة قوية ومهمة، إلى كل الرياضيين، ليس ذلك فقط، بل والفنانين، والشخصيات العامة ككل، الرسالة تؤكد المقولة الشهيرة: ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط، كثيرون بيننا من الرياضيين وغيرهم من آثروا العيش لأنفسهم فقط، إما لأنهم اعتادوها هكذا، إما اتقاءً لشرور الآخرين، إما تخاذلاً وخوفاً، إما لأنهم لم يؤمنوا بما آمن به الملاكم الأسطورة: خير الناس أنفعهم للناس.

أعمال محمد على الخيرية لم تتوقف فقط عند حدود الأراضى الأمريكية، امتدت إلى قارات أخرى، فى أفريقيا وآسيا تحديداً، معارضته لفكرة الحرب أو غزو الآخرين تسببت فى سحب لقب البطل منه، حوكم وحُكِم عليه بالسجن، قبل العفو عنه وإعادة رخصة الملاكمة إليه بعد سحبها لمدة خمس سنوات، لم تتزحزح عزيمة الرجل فى الدفاع عن مبادئه، لم يتراجع عنها يوماً، ظل اسمه قريناً لأعمال الخير، والمواقف الصلبة حتى يوم وفاته، بعد صراع مع المرض، استمر سنوات طويلة، نتيجة قسوة اللعبة.

كان من السهل اقتران اسم محمد على بالرؤساء والسياسيين عموماً، كل منهم سوف يكون سعيد الحظ إذا وجد دعماً من بطل العالم فى الملاكمة، كانوا هم الذين يسعون إلى التقرب إليه، وليس العكس، كان بطلاً، والبطل لا يسعى إلى أحد بالتأكيد، الآخرون أياً كانوا هم الذين يسعون إليه، لم ينافق، لم يزايد، لم يطأطئ الرأس، لم ينحن، على عكس الذين يبالغون فى الانحناء والنفاق والمزايدة، من رياضيين، وفنانين، وإعلاميين، وسياسيين، وغيرهم.

هذا هو الفارق بين محمد على «كلاى» وغيره من أمثال هؤلاء، الذين لن تجد لهم أى ذِكْر طيّب، لا فى الحياة ولا فى الموت، فى الحالة الأولى نحن أمام رجل نال احترام العالم، كل العالم، شرقه وغربه، بكل طوائفه، بكل دياناته، فى الحالة الثانية نحن أمام نجوم اللحظة، نجوم الحالة، يختفون من حياتنا بمجرد انتهاء المشاهدة، ما بالنا بانتهاء الحياة، لن يتذكرهم أحد أبداً، إذا كان لابد فسوف يأتى ذكرهم بكل ما هو مشين.

حياة محمد على يجب أن تكون نبراساً لكل المشاهير، كل فى مجاله، احترام الذات، احترام الآخر، المشاركة الإيجابية فى الحياة، عدم الهروب من المسؤولية، إعلان الرأى وقتما كان ذلك مهماً، أياً كانت التكلفة، المشاركة المجتمعية فى فعل الخير، كل ذلك فى النهاية، يستتبعه حب الناس، الحب الحقيقى ليس حب المنتديات والحفلات والأحضان والقبلات، والمواقف التمثيلية بصفة عامة.

أعتقد أن رسالة محمد على إلى الرياضيين وغيرهم، فى المجتمع الأمريكى، كانت واضحة تماماً منذ اللحظة الأولى، كثيرون هم الذين حذوا حذوه، سواء فى أوساط الرياضيين، أو الفنانين، أو حتى رجال الأعمال، هذه الأوساط تعج بالعديد ممن اعتادوا المساهمة فى خدمة مجتمعهم، ممن اعتادوا التبرعات للملاجئ، بل وكفالة الأيتام، هناك أيضا من بين الرياضيين من أشهروا إسلامهم على خُطاه، ربما لم تصل رسالة الرجل إلى مجتمعاتنا فقط، يبدو أن الأمر لدينا يحتاج إلى جهد كبير.

ربما يستدعى الأمر فى هذه الأيام المباركة وقفة مهمة فى هذا المجال، هناك بيننا من يئنون من ارتفاع الأسعار، هناك بيننا من يعانون الفقر، من يصارعون المرض، فى الوقت نفسه تنشر الصحف تباعاً أرقاماً خيالية، تبدأ من ٤٠ مليون جنيه، أو ٣٠ مليوناً، أو ٢٠ مليوناً، يحصل عليها هذا الفنان أو ذاك، مقابل القيام بدور البطولة فى هذا المسلسل، أو ذلك الفيلم، بالتأكيد هى أزمة عدالة يعيشها المجتمع على كل المستويات، إلا أننا سوف ننتظر من هؤلاء وغيرهم قراءة سيرة محمد على، قراءة سيرة أنجيلينا چولى، قراءة سيرة بيل جيتس.

كان من المهم فى هذا الشهر الكريم أن ننصح بالتكافل والتراحم والتعاضد من منطلقات إيمانية، من الحديث الشريف «ما نقص مال من صدقة»، كان من المهم أن نؤكد قول الله سبحانه «وما تُنفِقُوا من خير فى سبيل الله يُوَف إليكم»، كان من المهم أن نؤكد أهمية «كلمة الحق عند سلطان جائر»، إلا أننا سوف نتوقف عند سيرة ذلك الرجل، علها تمثل بادرة فى مجتمعاتنا، ينطلق من خلالها أقرانه.. تغمده الله برحمته، وأسكنه فسيح جناته.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية