x

جدل بين الخبراء حول الجدوى الاقتصادية للمحطة النووية

الأحد 05-06-2016 20:53 | كتب: آيات الحبال, محمود الواقع |
جانب من أرض مشروع «الضبعة» النووى - صورة أرشيفية جانب من أرض مشروع «الضبعة» النووى - صورة أرشيفية تصوير : اخبار

خلال الأسبوع الماضى، أجرى الوفد المصرى لوزارة الكهرباء، برئاسة الوزير محمد شاكر، مجموعة من اللقاءات مع قيادات شركة روساتوم الروسية لوضع اللمسات الأخيرة حول مشروع محطة الضبعة النووية، تمهيداً لانطلاق عملية الإنشاء. فى الوقت نفسه، الذى احتفلت فيه الوزارة، نهاية مايو الماضى، بتركيب أول 4 توربينات غاز طراز «إتش كلاس» لمحطة كهرباء بنى سويف، بقدرة 400 ميجاوات لكل منها، فضلاً عن 6 مولدات تحويل بقدرة 500 كيلوفولت، فى واحدة من الخطوات الأخيرة قبل تشغيل المحطة التى ستصبح فور الانتهاء منها، أكبر محطة كهرباء فى العالم تعمل بنظام الدورة المركبة وتعتمد على الغاز الطبيعى فى تشغيلها المتوقع أن يبدأ بحلول الشتاء المقبل.

الاتجاه لإنشاء محطات الكهرباء التى تعمل بالغاز الطبيعى يأتى متوافقاً مع التطور المتوقع فى حجم إنتاج الغاز الطبيعى لمصر، خاصة مع بدء إنتاج الغاز من حقل ظهر فى البحر المتوسط، الذى تتوقع شركة «إينى» الإيطالية التى تتولى تطويره، أن يصل حجم إنتاج الغاز منه إلى 2.6 مليار قدم مكعب يوميا بحلول عام 2019، فى الوقت الذى بلغ فيه إجمالى إنتاج مصر من الغاز 4.4 مليار متر مكعب عام 2015. بالإضافة إلى ذلك، هناك أيضا الإنتاج المتوقع مع تنمية حقول الغاز فى المياه العميقة والتى تتولاها شركة «بريتش بتروليوم» التى أعلنت عن ضخ استثمارات تصل إلى 12 مليار دولار فى هذا المشروع، وبهدف الوصول لتطوير حقول تصل قدرتها الإنتاجية إلى حوالى 5 تريليونات متر مكعب من الغاز الطبيعى، و55 مليون برميل «متكثفات».

قرار إنشاء المحطة النووية لإنتاج الطاقة، رغم وجود البدائل، أثار الجدل بين الخبراء، خاصة مع حجم التكلفة العالية المتوقعة لإنشاء محطة الضبعة، واعتمادها بالكامل على قرض من روسيا تبلغ قيمته الإجمالية 25 مليار دولار، حيث رصد الكاتب الكبير «صلاح منتصر» هذه المخاوف فى مقاله بالأهرام الأسبوع الماضى. وقال منتصر: «لقد توقفت طويلاً أمام محطة كهرباء بنى سويف العملاقة وسألت السؤال البسيط: إذا كنّا قادرين على أن نبنى فى السنوات الثلاث فقط هذه المحطة بالطريقة التى نعرفها فى إنتاج الكهرباء، فلماذا المخاطرة فى مجال لا نعرفه هو مجال الطاقة النووية ونبنى فى الضبعة محطة نووية بنفس الطاقة (4800 ميجاوات) يستغرق بناؤها ما بين 8 و12 سنة وبتكلفة عشرة أضعاف (تتكلف محطة بنى سويف 2 مليار يورو والضبعة 25 مليار دولار والاثنتان إنتاجهما واحد).. فهل لدينا من السعة فى الدخل والثروة ما يجعلنا ندخل هذه المخاطرة؟

ثم سؤال آخر يتعلق بوقود المحطتين وهو بالنسبة لمحطة بنى سويف سهل ومعروف ولا تحيطه أمور فنية معقدة يصعب توفيرها، بينما فى وقود المحطة النووية يجرى الاعتماد على مصدر واحد من مورد واحد نصبح رهن التزامه، بحيث بدونه يستحيل تشغيل المحطة، وقد تحدث من الأمور التى لا نعرفها ما يهدد التوريد، وأمامنا نموذج رد فعل روسيا على حادث سقوط الطائرة لها فوق سيناء؟

ثم سؤال ثالث حول مخاطر المحطتين الكهربائية والنووية، والمحطتان هدفهما واحد وهو إنتاج الكهرباء، وبطاقة واحدة، ولكن إحداهما مخاطرها معروفة ومألوفة وليست لها نفايات خطيرة، بينما المحطة النووية لها مخاطر لا يمكن تجاهلها فى إدارتها وفى نفاياتها.. فلماذا المخاطرة فى مجال سيتطور عالميا بالتأكيد عندما يبدأ تشغيله؟».

إلا أن وزير الكهرباء الأسبق، على الصعيدى، يرى أنه لا يمكن الحكم على المشروع النووى بهذا المنطق، مشيراً إلى أن حاجة مصر من الطاقة فى ازدياد مستمر، ما يترتب عليه حاجة مستمرة لإضافة قدرات جديدة لمحطات إنتاج الكهرباء، وهو ما يتطلب إنشاء محطات جديدة كل عامين بتكلفة كبيرة، وبعمر افتراضى أقل كثيراً من ذلك الخاص بالمحطات النووية، إذا يتراوح العمر الافتراضى لمحطات إنتاج الطاقة الكهربائية التقليدية ما بين 20 و30 عاماً مقابل 80 عاماً للمحطات النووية.

ويرى الصعيدى أنه لا تعارض بين التعاقد على إنشاء المحطات النووية فى موقع الضبعة بالتوازى مع محطات الكهرباء التقليدية، خاصة أن الأولى تستغرق نحو 10 سنوات للانتهاء من أعمال إنشائها وبدء تشغيلها، ما يتطلب إنشاء محطات تقليدية خلال هذه الفترة لمواجهة مطالب السوق المحلية المتزايد من الطاقة.

أما منير مجاهد، مدير موقع محطة الضبعة النووى الأسبق، فأشار إلى أن الاتفاقية الخاصة بالمشروع النووى هى عبارة عن قرض بفائدة قليلة، ويرى أن بنود العقد جيدة للجانب المصرى وسوف تحقق المستهدف، وأوضح أن متوسط إنشاء المحطات النووية حوالى 8 سنوات. وقال إنه على الرغم من استغراق إنشاء المحطة فترة طويلة نسبياً، إلا أن العائد منها جيد جدا لأن المحطات النووية تنتج طاقة أرخص من المحطات الكهربائية العادية، بالإضافة إلى تكلفة تشغيل المحطة النووية أقل بكثير من تكلفة تشغيل المحطات الكهربائية.

وعن إنشاء محطات كهربائية بالتوازى مع البدء فى الإجراءات التنفيذية للمشروع النووى، قال إنه أمر منطقى لعدم حدوث عجز فى الطاقة قبل دخول المحطة النووية الخدمة، لكنه أشار إلى إنه لا يجب التوسع فى مثل هذا النوع من المشروعات لأن تكلفة تشغيلها عالية وتعتمد على مصادر من الوقود الحفرى مثل الغاز والمازوت وغيرها، بالإضافة إلى تكلفة تشغيلها المرتفعة، ما يؤدى إلى رفع تكلفة الكهرباء المنتجة، على عكس المحطات النووية التى يكفى إنتاجها السوق المحلية ويحقق فائضا بأسعار أقل كثيرا من نظيراتها المعتمدة على الوقود الحفرى.

من جانبه، قال مصدر وثيق الصلة بالمشروع النووى، طلب عدم ذكر اسمه، إنه لا يمكن وقف مشروعات إنتاج الطاقة اعتماداً على المشروع النووى، لأن الأمر يتطلب وقتاً طويلا قبل الاعتماد على الطاقة النووية بشكل كبير فى إنتاج الطاقة. وأضاف: «الحكومة تعمل على تلبية احتياجات السوق المحلية المتزايدة بمشروعات مثل محطة كهرباء بنى سويف، فى الوقت الذى لا سبيل أمامها إلا البدء فى المشروع النووى لتنويع مصادر الطاقة».

كانت الحكومة تعرضت لانتقادات على خلفية الاتفاق بين مصر وروسيا على إنشاء محطة نووية بموقع الضبعة بقرض خارجى يعد الأكبر فى تاريخ مصر بقيمة 25 مليار دولار أمريكى، لإنتاج 4800 ميجاوات من الكهرباء فى 12 عاماً، وهو حجم الطاقة نفسه الذى من المقرر أن تنتجه محطة بنى سويف للكهرباء والتى أنشأت بتكلفة تصل إلى 2 مليار يورو (حوالى 2 مليار و270 مليون دولار)، ومدة زمنية تقدر بـ38 شهراً.

كانت موسكو والقاهرة وقعتا فى فبراير 2015، اتفاقاً مبدئياً لإنشاء محطة نووية فى منطقة الضبعة، تضم 4 وحدات تبلغ طاقة كل منها 1200 ميجاوات. وجرى توقيع مذكرة تفاهم محطة كهرباء بنى سويف، خلال المؤتمر الاقتصادى فى مارس 2015، بمدينة شرم الشيخ.

ووافق الرئيس السيسى على تقديم روسيا قرض تصدير حكومى بهدف تمويل الأعمال والخدمات الخاصة بمعدات الإنشاء والتشغيل لوحدات الطاقة الخاصة بمحطة الطاقة النووية بالضبعة، وتستخدم مصر القرض لـ13 عاماً خلال الفترة من 2016 حتى 2028، ويسدد على دفعات. ذكرت الاتفاقية، التى نشرتها الجريدة الرسمية فى 19 مايو الماضى، أن الطرف المصرى يسدد المبالغ المستخدمة من القرض على مدار 22 عاماً بـ43 قسطاً نصف سنوى متساوياً فى 15 إبريل و15 أكتوبر من كل عام شريطة أن يجرى سداد الدفعة الأولى من أصل القرض فى يوم 15 أكتوبر 2029.

وتضمنت الاتفاقية أن تدفع مصر فائدة على أصل القرض بمعدل 3% سنوياً، على أساس يومى بداية من استخدام كل مبلغ من القرض حتى تاريخ السداد النهائى لكل مبلغ من مبالغ أصل القرض، وفى حالة عدم سداد أى من الفوائد المذكورة خلال 10 أيام عمل يُحتسب المبلغ على أنه متأخرات، ويخضع لفائدة قيمتها 150% من معدل الفائدة الأساس.

من جانبه، قال الدكتور عبدالخالق فاروق، رئيس مركز النيل للدراسات الاقتصادية، إن اتفاقية القرض مع روسى، تعكس نمط الإدارة الاقتصادية للرئيس عبدالفتاح السيسى، والتى تعتمد الاقتراض من الخارج لتمويل المشروعات دون الالتفات لخطورته.

ويرى فاروق، فى تصريحات لـ«المصرى اليوم» أن قيمة القرض أكبر بكثير من تكلفة المحطة النووية، موضحاً «نحتاج الدخول مجال الطاقة النووية، ولكن ليس بأى تكلفة». ولفت الخبير الاقتصادى، إلى أن التوسع فى الاقتراض خلال العامين الماضيين أدى إلى ارتفاع حجم الديون الخارجية من 37 مليار دولار إلى قرابة الـ50 مليار دولار، ووصول الديون الداخلية إلى نحو 2.3 تريليون جنيه.

ويرى الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية، أن مصر «محظوظة» باتفاقية قرض المحطة النووية، مشيرا إلى أن الجانب الروسى أعطى امتيازات وتسهيلات كبيرة للجانب المصرى.

وقال عبده، فى تصريحات لـ«المصرى اليوم»، إن روسيا ستنقل التكنولوجيا النووية، وتدرب المهندسين والفنيين المصريين، إلى جانب توفير الوقود النووى للمحطة. وأضاف الخبير الاقتصادى أن الجانب الاقتصادى فى الاتفاقية أعطى مصر فترة سماح فى سداد القرض تصل لـ13 عاماً، موضحاً أن أول دفعة يبدأ سدادها فى عامى «2022- 2023».

ولفت عبده إلى أنه لا خوف من التعثر فى السداد، موضحاً أن خطط الدولة لزيادة مواردها ستتضمن ارتفاع دخل قناة السويس لـ13.4 مليار دولار فى 2023، إضافة إلى إيراد مشروعات محور تنمية القناة، وبدء الإنتاج الاقتصادى من حقل «ظهر» للغاز الطبيعى عام 2018.

ويرى «عبده» أن إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية هى مستقبل التنمية: «رغم أن إنتاج الكهرباء بالطاقة النووية أعلى تكلفة من محطات الغاز، إلا أن مصادر الطاقة التقليدية ستنضب خلال أقل من 40 عاما»، مشيرا إلى أن العمر الافتراضى للمحطة سيتجاوز 80 عاماً.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية