«عيش حرية عدالة اجتماعية».. هتافات دفع ثمنها عشرات المصريين حياتهم، ونادى بها الملايين في الشوارع أثناء ثورتي 25 يناير و30 يونيو.
لخص الهتاف على بساطته، ما عانى منه المصريين من أزمات خلال 30 سنة من حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وعلى مدار 5 سنوات ونصف، من عمر ثورة يناير، وعد كل من سكنوا قصر الاتحادية وأداروا شؤون البلاد الشعب المصري بالسعي لتحقيق المطالب الثلاث.
الرئيس عبدالفتاح السيسي، فور إعلان فوزه بمنصب الرئاسة، وفي أول خطاب تليفزيوني، تعهد بأن يعمل مع المصريين من أجل «تحقيق الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية».
وشكر المصريين لثقتهم به ولما «قدموه من نموذج ديمقراطي»، ودعاهم إلى العمل مؤكداً أن «المستقبل صفحة بيضاء وفي أيدينا أن نملأها بما شئنا عيشاً وحرية وكرامة إنسانية وعدالة اجتماعية»، في إشارة إلى تبنيه شعارات ثورة 25 يناير 2011 التي أسقطت الرئيس الأسبق حسني مبارك.
وبعد عامين من دخول الرئيس السيسي قصر الاتحادية، تفخر الحكومة الحالية بالإشادات الدولية بمنظومة «دعم الخبز»، وبرامج الحماية الاجتماعية للفقراء «تكافل وكرامة»، في مقابل انتقادات دولية مستمرة في ملف الحريات وحقوق الإنسان.
على صعيد «العيش»، طبقت حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي الأولى برئاسة رئيس الوزراء السابق، إبراهيم محلب، نظاما جديدا مراقبا إلكترونيا يسمح لكل مواطن مستحق للدعم بالحصول على خمسة أرغفة يوميا مقابل خمسة قروش للرغيف الواحد، في حين يحصل البائع على تكلفة الرغيف كاملة، وهي 35 قرشا، عند استلام المستهلك للرغيف، ويتحقق من ذلك عبر بطاقة «التموين» الإلكترونية التي يحصل بها المواطنين على السلع المدعمة.
وتقول الحكومة إن فاتورة دعم الخبز وحده في مصر في 2014 تجاوزت 22 مليار جنيه.
وتخصص المنظومة الجديد 150 رغيفا شهريا للفرد الواحد يحصل عليها بواسطة بطاقة السلع المدعومة التي يستفيد منها قرابة 70 مليون مصري.
وفي يونيو 2015، قال وزير التموين، خالد حنفي، إن مصر نجحت لأول مرة في خفض معدل استيراد القمح من 6.4 ملايين طن إلى 4.6 ملايين طن بواقع 1.8 مليون طن بعد أن تسلمت 5.3 ملايين طن من القمح المحلي.
كما أضاف الوزير أن تطبيق منظومة دعم السلع التموينية الجديدة، بما فيها الخبز، قلص فاتورة دعم السلع التموينية في مصر بشكل عام من 47 مليار جنيه إلى 37 مليار جنيه، وبواقع 10 مليارات جنيه في موازنة 2015-2016.
وتحت شعار «مصر بلا عوز»، استحدثت وزارة التضامن الاجتماعي وبالتعاون مع بعض الوزارات برنامجين هما «تكافل» و«كرامة»، للدعم النقدي بهدف دعم الفئات الأكثر فقرا في قرى صعيد مصر وفي بعض المناطق المتاخمة لمحافظتي القاهرة والجيزة.
المشروع الممول جزء منه بواسطة البنك الدولي بقرض بمبلغ 400 مليون دولار لصالح وزارة التضامن الاجتماعي بالتعاون مع وزارة التخطيط، خصصت له الحكومة بندًا مستقلًا في البيان المالي لمشروع موازنتها للعام المالي الحالي 2015-2016 بقيمة 2 مليار جنيه لتمويل معاشات ومنح لنحو 2 مليون أسرة فقيرة.
وفي الوقت الذي يبدي فيه الرئيس السيسي، اهتمامًا كبيرًا بتوفير السلع الغذائية، وتخفيف العبء عن محدودي الدخل في ظل الارتفاع المستمر لسعر الدولار، تخطو الحكومة المصرية بثبات نحو التخلي عن دعم الخدمات الأساسية من مياه شرب وكهرباء ومنتجات بترولية، وأبرزها الغاز الطبيعي للمنازل.
وكلف السيسي، الحكومة باستيعاب أسعار السلع الأساسية في ظل ارتفاعها بسبب تذبذب الدولار، قبل شهر رمضان، إذ وافقت اللجنة الوزارية الاقتصادية، على تخصيص مبلغ 2.4 مليار جنيه، لزيادة مخصصات الدعم على بطاقات التموين لكل فرد، بنسبة تصل إلى 20% من حجم الدعم المقدم لكل فرد والبالغ نحو 15 جنيهًا، ابتداء من 1 يونيو 2016 بالتزامن مع بداية شهر رمضان.
وخططت الحكومة إلى رفع أسعار عدد من الخدمات الأساسية (دعم الطاقة والمياه والكهرباء)، تمهيدًا إلى التوقف عن دعمهم نهائيًا خلال 5 سنوات.
وبلغ تخفيض دعم المواد البترولية تدريجيًا على مدار آخر 4 موازنات للدولة، مستفيدة من هبوط أسعار النفط من 115 دولارًا للبرميل في يونيو 2014 وصولًا إلى 42 دولارًا للبرميل، بمقدار 109 مليارات جنيه، من 144مليار جنيه في موازنة 2013/2014 إلى نحو 35 مليار جنيه في السنة المالية القادمة 2016/2017.
ورفعت الحكومة أسعار المواد البترولية على المواطنين، في مقابل تخفيض سعر الغاز لمصانع الحديد والصلب، في مارس الماضي، ووافقت على تخفيض سعر الغاز لمصانع الحديد والصلب من 7 دولارات إلى 4.5 دولار لـ «مليون وحدة حرارية»، في حين ارتفعت أسعار البنزين والسولار والغاز الطبيعي في يوليو 2014، بنسب وصلت إلى 78 %، وارتفع سعر لتر البنزين «95» لـ 625 قرشًا بدلا من 585 قرشا ولتر سعر البنزين «92» لـ260 قرشا بدلا من 185 قرشا ولتر البنزين «80» بسعر 160 قرشا بدلا من 90 قرشًا.
وتضمنت قرارات الزيادة الصادرة عن مجلس الوزراء في 4 يوليو 2014، ارتفاع سعر لتر السولار إلى 180 قرشًا بدلا من 110 قرشًا وأن يكون سعر متر الغاز المكعب للسيارات بـ 110 قرشًا بدلا من 40 قرشًا.
ومنذ يناير الماضي، ارتفعت أسعار جميع شرائح مياه الشرب، بداية من الشريحة الاستهلاكية الأدني حتى 10 أمتار مكعبة 7 قروش، لتصل إلى 30 قرشًا.
وزادت الشريحة الثانية نحو 10 قروش، لتصل تكلفتها إلى 70 قرشًا بدلًا من60 لكل متر مكعب، وأوضح رئيس الشركة القابضة، أن غالبية المواطنين يقعون ضمن الشريحتين الأولي والثانية.
وبحسب الشركة القابضة، ارتفع سعر الشريحة الثالثة ليصل لـ105 قروش للمتر، بزيادة نحو 20 قرشًا، فيما زادت الشريحة الأخيرة لـ155 قرشًا بعد أن كانت بـ135 قرشًا فقط.
وقررت الحكومة المصرية رفع الدعم عن الطاقة الكهربائية تدريجيًا، على مدى 5 سنوات بسبب تكبد وزارة الكهرباء أعباء إضافية بسبب تراجع سعر صرف.
وقال وزير الكهرباء محمد شاكر في يوليو الماضي إن خطة رفع أسعار الكهرباء لخفض الدعم تدريجيًا، على مدار 5 سنوات، مستمرة دون تغيير، وارتفعت أسعار شرائح الكهرباء في أغسطس الماضي بقرار من مجلس الوزراء.
وتضمنت الأسعار الجديدة للاستهلاك المنزلي، على محاسبة شريحة الاستهلاك من صفر حتى ٥٠ كيلو وات بسعر ٧.٥ قرش للكيلو بدلا من 5 قروش، ومن ٥١ حتى ١٠٠ بسعر ١٤.٥ قرشا، أن كانت 13 قرشا، ومن 100حتى ٢٠٠ كيلووات بسعر ١٦ قرشا، ومن ٢٠١ حتى ٣٥٠ كيلووات بسعر ٣٠.٥ قرشا، ومن ٣٥١ حتى ٦٥٠ كيلووات بسعر ٤٠.٥ قرشا، ومن ٦٥١ حتى ١٠٠٠ كيلووات بسعر ٧١ قرشا، وأكثر من ألف كيلووات بسعر ٨٤ قرشا.
ويعد ملفي الحريات العامة وحقوق الإنسان، من أكثر الملفات التي واجهت فيها «دولة 30 يوليو» انتقادات دولية واسعة.
وأصدرت حكومات ما بعد ثورة 30 يونيو، سلسلة قوانين، واجهت انتقادات دولية ومحلية، ووصفها مراقبون بـ«المقيدة للحقوق وللحريات».
ويعد قانوني «التظاهر» الذي واجه انتقادات واسعةـ أبرزها من المجلس القومي لحقوق الإنسان للقيود الكبيرة التي فرضها على الحق في التظاهر والتجمع السلمي، «وكذلك «تعديل مدة الحبس الاحتياطي»، الذي يقضي بعدم التقيد بالمدد القانونية اللازمة للحبس الاحتياطي للمحكوم عليهم في أول درجة بالإعدام والمؤبد الصادرين في عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور، أكثرهما إثارة للجدل.
وأقر الرئيس السيسي عدة قوانين أبرزها قانون مكافحة الإرهاب، وتعديلات قانون تنظيم الجامعات التي أعطته حق تعيين رؤساء الجامعات وعمداء الكليات من قبل رئيس الجمهورية.
وحفلت مصر خلال العاميين الماضيين بسجل سيء في المؤشرات الدولية المتعلقة بـ«الحريات»، إذ تحتل مصر تحتل المرتبة الثانية بعد الصين بوصفها البلد الذي يسجن أكبر عدد من الصحفيين في العالم في عام 2015، بحسب لجنة الصحفيين الدوليين.
[quote:1:center]
ويري حسين عبدالرازق، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع، أن الحكومات المتعاقبة بعد ثورة 30 يونيو، تنتهج نفس السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي بدأت منذ عصر الانفتاح عام 1974.
وقال عبدالرازق، في تصريحات لـ«المصري اليوم»، إن جوهر سياسات النظام الحالي في العاميين الماضيين، قائم على انسحاب الدولة من التنمية والإنتاج، وفتح المجال للقطاع الخاص، وهو ما أدى إلى ثورة 25 يناير 2011، مشيرًا إلى أنها أدت إلى زيادة نسب الفقر والبطالة.
وحذر عضو المكتب السياسي لحزب التجمع، من تخلي الحكومة عن برامج «العدالة الاجتماعية».
وأعطى عبدالرازق، الحكومة الحالية والسابقة «صفر» في اهتمامهما بملف العدالة الاجتماعية.
أوضح عبدالرازق أن بعد ثورة 30 يونيو كان هناك أمل على حدوث انفراجة في الحريات العامة، وخاصة بعد إقرار الدستور في يناير 2014، مضيفًا أن التجربة على مدار العاميين أوضحت أن «الدولة البوليسية» عادت كما كانت.
واعتبر عبدالرازق أن نظام 30 يونيو بدء العداء مع «الحريات» بإقرار قانون «التظاهر»، وهو ما أدى إلى وجود عشرات الشباب في السجون، حسب قوله.
ودلل نائب رئيس حزب التجمع الأسبق، على ما أسماه «عودة الأمن للتحكم في الحياة العامة»، بأزمة «اقتحام نقابة الصحفيين»، وفرض قوات الأمن حظرًا للتجوال في الشوارع المؤدية للنقابة خلال اجتماعات الجمعية العمومية.
ويقول الدكتور مصطفي كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن النظام الحالي، امتداد لنظام مبارك في سياسته الاقتصادية حيال التعامل مع مطالب ثورة 25 يناير.
موضحاً أن كل أنظمة الحكم خلال الخمس سنوات الماضية لم تنجح في تحقيق مطالب الثورة، بدءًا من المؤسسة العسكرية التي كان دعمها قاصراً على إفساد ملف التوريث، بجانب أنها أكثر تضييقاً من نظام مُبارك على حريات الرأي والتعبير خلافاً للنظام السابق الذي كان يترك هامشاً للحركة.
وأضاف «السيد» أن جماعة الإخوان المسلمين اعتقدت أن الجماهير تؤيدهم، ومستوي الأداء العام متواضع جداً، موضحاً أن ذلك انعكس على أدائهم في الوزارات والمؤسسات الذي كان متواضعاً، وغير فاعلاً في إصلاح المؤسسات بما يكفل لها تحقيق مطالب الثورة .