ما ورد فى بعض امتحانات نهاية العام، لطلاب المراحل المختلفة، حول جزيرتى تيران وصنافير، والجزم بأنهما سعوديتان، يؤكد أن انهيار التعليم، وانحدار الأخلاق، والنفاق اللامتناهى فى آن واحد، أصبحت جميعها من مكونات الشخصية المصرية الرسمية تحديداً، أى الشخصية التى تتقلد موقعاً رسمياً، كبيراً كان أو صغيراً لا يُهم، المهم أن هذا أو ذاك يرى أن الواجب الوطنى يملى عليه النفاق، الواجب الوظيفى يملى عليه التنازل أخلاقياً، حتى لو كان الأمر يتعلق بمصير بلاده، أو أرض أجداده.
النموذج الصارخ فى هذه القضية تحديداً، هو ما ورد فى امتحان الترجمة لطلبة كلية الإعلام، جامعة الأزهر، جاء فى قطعة الترجمة ما نصه (تؤكد كل الوثائق والمعاهدات والخطابات المتبادلة، بل ومحاضر جلسات الملوك والرؤساء، منذ أيام الملك فاروق، والملك عبدالعزيز، مؤسس المملكة السعودية، بل وكتب التاريخ، أن جزيرتى تيران وصنافير سعودية)، ثم استكملت قطعة الترجمة المزيد من الهراء، لكن لاحظ تعبير (كل) فى أول الفقرة، والتى لا أدرى من أين استمد بها واضع الامتحان هذا التأكيد.
فى البداية، يجب أن نتذكر أن البرلمان فى مصر لم يُقر حتى الآن هذه الاتفاقية، أو هذا التنازل عن الجزيرتين، وهذا فى حد ذاته كان مبرراً كافياً لعدم إقحام الامتحانات الطلابية، أو المناهج الدراسية فى هذا المعترك القانونى، يجب أن نتذكر أيضاً أن ما ورد وما ظهر من وثائق عالمية، سواء فى مكتبة برلين بألمانيا، أو مكتبة الكونجرس بالولايات المتحدة، أو مكتبات الجامعات العالمية عموماً، أو حتى اتفاقية دولة الخلافة العثمانية عام ١٩٠٦، قبل إنشاء الدولة السعودية، واتفاقية دولة الاستعمار «بريطانيا» عام ١٨٩٢، إلى غير ذلك من الوثائق، كل ذلك كان يجب أن يشكل رادعاً أمام أى محاولات من شأنها تزييف الحقيقة سواء لحساب النظام، أو لحساب السعودية على السواء.
لا أعتقد أبداً أن هناك تعليمات رسمية من السلطة السياسية، إلى واضعى الامتحانات، بالابتذال والنزول إلى هذا المنحدر، لا أعتقد أبداً أن مثل هذا السلوك يخدم قضية كهذه، وإلا لما كان رد الفعل الطلابى بهذا الشكل، ولو أن الطلاب لا يخشون على مستقبلهم، ما كانوا أكملوا الامتحانات، حسبما قال لى أحدهم، ولو أن الأمر عادى لما تم تداوله مواقع التواصل الاجتماعى مصحوباً بهذا القدر من الغضب.
لماذا هذا الإصرار على تلقين أبنائنا كل ما هو سيئ وردىء، لماذا لا نحرص على إبعادهم عن كل ما يتعلق بالنفاق والرياء، على أمل خلق أجيال أكثر إحساساً بالمسؤولية، بمنأى عن ذلك الغث الحاصل الآن فى المجتمع، لماذا كان واضعو الامتحانات على هذا القدر من التزلف والرياء، على الرغم من أن مؤسساتنا التربوية متخمة بذوى الضمائر الحية، من الأكفاء المشهود لهم فى كل المناهج.
الكارثة الأكبر، هى أن يكون الأزهر، من خلال جامعته، طرفاً فى هذا النزاع الدائر شعبياً وتنفيذياً، وبهذا القدر من الفجاجة، التى لا يوجد ما يبررها على الإطلاق، أعتقد أن شيخ الأزهر إذا لم يعلن استنكاره لما حدث، كما وزيرى التربية والتعليم، والتعليم العالى، فمن حقنا أن نركن هنا إلى نظرية المؤامرة والتعليمات الفوقية، وهو الأمر الذى كان يجب أن يعترض عليه أيضاً أعضاء البرلمان، على اعتبار أن ذلك يحمل تأثيراً كبيراً على مناقشتهم للقضية، كما هو حال القضاء فى التعامل مع القضايا المنظورة تماماً.
ما لا يدركه قصار النظر، هو أن قضية الجزر، كقضية مياه النيل تماماً، لا يمكن حسمها بسؤال فى الامتحانات، أو الصمت عنها بتصريح لوزير الخارجية مثلاً، أو حتى بالتوقيع على التنازل هنا وهناك، نحن هنا أمام حقوق شعب، وليس حقوق سلطة أو حقوق أشخاص يمكنهم البيع أو الإيجار، أو حتى التنازل وقتما يشاءون، لذا كان على المؤسسات التعليمية أن تبقى على الحياد، لحين حسم القضية تماما، وخاصة حينما يتعلق الأمر بأبنائنا الطلاب، ويكفى هنا التذكير بأن طلاب وتلاميذ المراحل المختلفة فى المملكة العربية السعودية، كانوا يدرسون فى مناهجهم طوال الوقت مصرية الجزيرتين، لكن يبدو أن التحول قد حدث بين ليلة وضحاها على الجانبين أيضاً.
على أى حال، الامتحانات فى بلادنا بالتأكيد، ما هى إلا امتداد لمناهج عفا عليها الزمن، وامتداد لمنظومة تعليمية لم تعد تصلح مع التطور الحاصل الآن فى العالم، وهو ما يتطلب إعادة نظر شاملة من كل الوجوه، سواء فيما يتعلق بالتعليم العام، أو التعليم الأزهرى، الذى طالما دافعنا عنه بقوة، إلا أن الأمر بدا واضحاً أنه يتعلق بأشخاص هنا وهناك، اعتادوا النفاق والرياء، وآثروا أن يوَرّثوه للأجيال المقبلة، والله خير الماكرين.