على بعد عدة أمتار من أحد المولات الشهيرة بحى مدينة نصر، وقف محمود الشاب الثلاثينى، يحتسى كوبا من الشاى، يضع فوطة صفراء على إحدى كتفيه ويُعلق صافرة فى رقبته، ويتابع عن كثب جميع السيارات الملاكى والمارة فى الشارع المزدحم بالسيارات، ويُلوح بيده اليمنى لأصحابها عارضا عليهم توفير مكان لركن سياراتهم صفا أول.
من رحم الزحام اليومى الذى تعيشه جميع شوارع وميادين مصر، والخوف من المخالفات المرورية للسيارات التى تقف صفا أول وثانيا، وُلد «السايس» ذلك الشخص الذى يبدو لك لطيفا فى أول تعارف معه إلا أنه يُكشر عن أنيابه لحظة خروجك بسيارتك دون أن تضع يدك فى أحد جيوبك لتحصيل ثمن وقفتك فى الشارع مقابل التعريفة التى يرتضيها، ليتحول «السايس» إلى ظاهرة تُسيطر على شوارع وميادين مصر بالكامل خاصة بعد ثورة 25 يناير.
فى الساعة السادسة صباحا يوميا، اعتاد محمد الشاب العشرينى صاحب أحد محال البقالة بشارع المبتديان بمنطقة السيدة زينب، وضع حواجز خشبية وأسمنتية بطول الرصيف الممتد على الجانبين لمنع قائدى السيارات من ركن سياراتهم بدون مقابل، الأمر الذى يجبر أصحاب السيارات على دفع 10 جنيهات يوميا مقابل ركن سياراتهم صفا أول.
«لا يمر يوم دون اشتباكات بين قائدى السيارات وسايس المنطقة».. هذا ما أكده أحمد خليل أحد الأهالى بمنطقة السدة زينب، وقال: «نستيقظ كل يوم على اشتباكات يومية بين أصحاب السيارات وسايس المنطقة، والتى تمتد إلى الاشتباك بالأيدى خاصة بعد أن وصل ثمن الركنة 15 جنيها، يرفض الدفع يكون جزاؤه التعدى على سيارته حتى يكون عبرة لغيره ممن يمتنعون عن دفع ثمن الركنة».
لم يجد الرجل المسن وسيلة لحمايته من تعدى «السايس» عليه، ولإنهاء وصلة السباب المتلاحقة من الأخير سوى الاتصال بالنجدة لحمايته، خاصة بعد امتناع المارة من التدخل فى إنهاء المشاجرة خوفا على سياراتهم من تعرضها للتعدى من جانب السايس، وقال: «لم يعد هناك شارع خال من سطوة السُيّاس عليه والذين يرفعون تعريفة ركن السيارات على فترات متقاربة على هواهم، أمام أعين رؤساء الأحياء وكأنهم يتقاسمون معهم، فرغم سنوات عمرى التى تجاوزت السبعين إلا أننى فوجئت بتعدى السايس على بعدما رفضت دفع 15 جنيها، مقابل وقوفى 15 دقيقة فقط، مما اضطرنى إلى الاتصال بالنجدة لإنقاذى من هذا البلطجى».
بمجرد انتهاء رباب من زيارة شقيقتها فى شارع الهرم، حتى ظهر لها محمود «السايس» من خلفها بصوته الجهورى قائلا «التعريفة ياست»، لترد عليه: «أنا ركنت لوحدى ومفيش حد ركّنى»، إلا أنه أصر على أخذ 10 جنيهات منها بحجة أن هناك «نضورجية» تابعين له سمحوا لها بالوقوف، وقالت: «لم يعد الأمر يتوقف على وجود سايس فى كل شارع فقط، وإنما أصبح هناك مجموعة من النضورجية يراقبون الوضع ويفرضون سيطرتهم على المنطقة، لإجبار جميع أصحاب السيارات على دفع إتاوة لهم نظير عدم التعرض لسياراتهم».
من جانبه أكد المهندس محمد سناء الدين، مدير الدعم الفنى لنائب محافظ القاهرة، أن السيّاس انتشروا بصورة كبيرة فى جميع الأحياء خاصة بعد ثورة يناير، وأنهم يعملون بصورة عشوائية بعيدا عن المحافظة أو المحليات.
وأشار سناء الدين إلى أنه جار توفير ساحات انتظار للسيارات لمنع تعرضها للسرقة وتجنب سيطرة السياس عليها.