x

فيصل دراج:الرواية أنزه من التاريخ والمثقفون كفوا عن الانغماس فى القضية الفلسطينية

الأربعاء 17-11-2010 22:19 | كتب: ميادة الدمرداش |
تصوير : اخبار

الدكتور فيصل دراج، ناقد فلسطينى، مهتم بنقد الرواية، يميزه أسلوبه البسيط البعيد عن تعقد الخطاب النقدى السائد، له العديد من الكتب المهمومة بإشكالات الثقافة الفلسطينية، التقيناه أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة، وكان هذا الحوار الذى تحدث فيه عن كتبه ومنهجه النقدى والهم الثقافى الفلسطينى


■ فى كتابك «الرواية وتأويل التاريخ» لماذا أدرجت أغلب النتاج الروائى العربى الحديث تحت وصف الوثيقة التاريخية؟


- الرواية العربية المعاصرة أثناء محاولتها فهم وقراءة الواقع بشكله اليومى المعاش، نجحت بشكل غير مباشر فى تقديم تاريخ مواز للتاريخ الرسمى المعروف، ولكنه يتميز عن ذاك الأخير بموضوعيته ونزاهته وتخلصه من الإيدلوجيات والمصالح، حين سجلت على السواء التفاصيل البسيطة للإنسان العربى وتأثره بالأزمات العربية الكبرى، إذن التاريخ العربى الحقيقى لا يقرأ فى كتب المؤرخين وإنما فى الكتابة الروائية، مثلا من يرد فهم الواقع المصرى فى الستينيات والسبعينيات متجردا من أوهام وشعارات السلطة عليه الرجوع لأعمال جمال الغيطانى وغالب هلسا ونجيب محفوظ، فتلك الأعمال تعد وثائق موضوعية خالية من الزيف والإضافات.


■ وماذا عن الرواية الفلسطينية هل نجحت فى تحقيق ذلك؟


- الرواية الفلسطينية انشغلت باستشراف المستقبل ورسم آليات التعامل الأمثل معه أكثر من تركيزها على الماضى، ومرت فى ذلك بثلاثة أطوار، الأول عبرت عنه أعمال الروائى الكبير جبرا إبراهيم جبرا المليئة بالأمل والانتصار، وغنائية الأحلام، أى بما يجب أن يكون، ثم جاءت أعمال غسان كنفانى ممثلة للطور الثانى ورصدت الفجيعة والعار الماضيين ونادت بضرورة الانتقام للشرف الفلسطينى فى الحاضر، وربما يكون أميل حبيبى هو الوحيد الذى قدم رؤية تاريخية للقضية الفلسطينية فى روايته «المتشائل» وقسم التاريخ لشقين ماض جميل ومنته ولن يعود أبداً، ومسقبلى هو مجرد احتمال.


■ انتقدت مرارا قراءة المثقف الفلسطينى لماضيه وتاريخه، وظهر ذلك جليا فى كتابك «ذاكرة المغلوبين».. كيف كان عليه أن يقرأهما فى رأيك؟


- القراءة الحقيقية والمثلى لأى تاريخ هى فى تأمل الأسباب التى أدت لهزيمته، فمن يرد الانتصار عليه الاعتراف أولا بأنه «غير منتصر»، ثم يتأمل ماضيه وماضى خصمه، فكل عمل روائى كبير كان عليه البدء بالفجيعة الفلسطينية وليس بالمستقبل المنتصر، وللأسف الأدب الفلسطينى قدم أعمالا تبسيطية ساذجة عن انتصار الخير فى النهاية ممثلا فى الفلسطينى الطيب الذى يتغلب على عدوه الصهيونى الشرير، وربما غسان كنفانى هو الوحيد الذى حاول المزج بين الدعوة للكفاح والتعبير بعمق عن المأساة الفلسطينية عبر إنتاجه لأشكال أدبية متطورة ومغايرة فى شكلها وموضوعها وهنالك أديب آخر هو حسين البرغوثى، صاحب «الظل الأزرق» و«سأكون بين اللوز»، حيث استطاع الاثنان تصوير المأساة الفلسطينية كما تكونت تاريخيا وكما هى قائمة بالضبط فى الحاضر.


■ وكيف تقرأ الواقع الثقافى الفلسطينى الراهن بعد مرور 15 عاماً على صدور كتابك «بؤس الثقافة فى المؤسسة الفلسطينية»؟


- لقد صار أكثر بؤساً حالياً، بعد رحيل ياسر عرفات لم يعد للفلسطينيين قائد يوحدهم أو يمدهم بقوة روحية، وكف المثقفون عن الانغماس اليومى بالقضية الفلسطينية وصار دورهم الثقافى والسياسى محدوداً وفقيراً، وجاءت المنظمات غير الحكومية لتقوض هذا الدور أكثر، حينما قدمت لهم المساعدات المالية فى مقابل القبول ضمنيا بعدم الإساءة لعملية السلام والانصراف لقضايا اجتماعية وثقافية هزيلة وهامشية لا علاقة لها بالشأن السياسى، كقضايا المرأة والريف والذاكرة الشفاهية.


■ علاقة المثقف بالسلطة إشكالية تناولتها فى كتابك الأخير «الهوية، الثقافة، السلطة»... كيف تراها كمفكر فلسطينى ومثقف عربى؟


- فى الماضى كان عندى ثمة أمل بإمكانية الحوار بين الطرفين، حالياً هناك نوع من التداعى والانحطاط السياسى والثقافى والاجتماعى جعل هذه القضية غير مهمة أصلاً، فالسياسى لم يعد فى حاجة للمثقف وهذا الأخير يلهث هنا وهناك وراء رزقه لا وراء الأفكار الكبرى أو سعيه لتحسين الواقع، وللحديث عن علاقة المثقف بالسلطة من جديد علينا إعادة بناء الواقعين الثقافى والسياسى، والمأساة أن ما هو قائم لا يسمح بفكرة إعادة البناء تلك أو حتى التبشير بها.


■ إلى أى مدى ساهم تعقد الخطاب النقدى ونخبويته فى خلق فجوة بين الناقد والقارئ؟


- نخبوية الخطاب النقدى تعبر عن ناقد استعراضى، فأى فكرة مهما بلغ تعقدها يمكن التعبير عنها بلغة واضحة وبسيطة، أما اللجوء للمصطلحات المترجمة بشكل أعمى، فيعكس عدم فهم للنظرية الأصلية.


■ ولمن تتوجه بنقدك، للقارئ العادى أم المتخصص؟


- الناقد فى داخلى يتمنى أن يتوجه للقارئ العادى، ولكن مع انقراض الثقافة المقروءة، فرضية القارئ المحتمل والمرغوب أصبحت ضعيفة جدا، ولم يبق إلا القارئ الحقيقى أى المختص، حتى هذا إقباله على قراءة القضايا النظرية كالنقد تراجعت، وما يدفعنى للكتابة فعلاً حالياً، ليس القارئ، وإنما الكاتب، يفرحنى كثيرا أن أكتب حول أديب فاجأنى بإبداعه المتميز وأن ألقى الضوء عليه وعلى أمثاله.


■ أعلنت رفضك من قبل إخضاع النص الأدبى لمنهج نقدى بعينه.. أشرح لنا إذن كيف تتعامل مع النص، وما هى مرجعياتك أثناء ذلك؟


- هنالك تراكم معرفى فى ذهنى، خلقته قراءاتى المتعددة للأدب وللنظريات النقدية على اختلافها، فالناقد فى مفهومى عليه أن يقرأ ويتساءل، ثم يحتفظ بالمفاهيم التى يعتقد فى صحتها، دون أن يكون أسير نظرية بعينها أو أستاذا بعينه.


وعادة أقرأ الأعمال الكبيرة أى المهمة ثلاث مرات، الأولى لأقدر مدى أهمية العمل، والثانية لأضع فرضيات نظرية لتفسيره، والثالثة لأتأكد من ملاءمة تلك الفرضيات له.


والمفترض فى الناقد أن يستولد من داخل النص معاييره الجمالية وهو أسهل من الإتيان بمعايير جاهزة يلوى عنق النص ليلائمها، والأهم ليس قراءة النظريات والمناهج النقدية، وإنما قراءة مادة وافية حول النص وملابسات كتابته للوقوف على تفاصيل العملية الفنية التى دفعت الكاتب لكتابة نصه واختراع شخصياته.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية