x

محمد فودة مذبحة حلوان.. والغرف المكيفة محمد فودة الخميس 26-05-2016 15:44


في الوقت الذي كنا نستمتع فيه بمباراة الأهلي مع روما، كان هناك رجال يحملون أرواحهم على أكفّهم مقتحمين وكر أحد الرؤوس الإرهابية المدبرة لمذبحة حلوان، التي راح ضحيتها النقيب محمد حامد وسبعة أمناء شرطة، وأسفرت المداهمة عن استشهاد ضابط العمليات الخاصة الشاب أحمد رضوان وإصابة ثلاثة آخرين.
يبذل هؤلاء الرجال دماءهم بكل شجاعة دون ادعاء أو دعاية، فيما نمارس نحن تنطعاً رخيصاً، مسترخين في غرف مكيفة، نحلل وننتقد أداءهم، بشجاعة نحسد عليها!
«قُتل برصاص زملائه»، عبارة قرأتها لأحد مناضلي الغرف المكيفة، مشفوعة بنقد لاذع وشرح للأخطاء التي ارتكبت أثناء العملية، وإجراءات الاقتحام الآمن التي لم يلتزم بها فريق المداهمة، ومقارنة بين أداء الأجهزة الأمنية ونظيرتها في دول أخرى!
أشفق كثيراً على صاحب هذا الرأي وغيره، فهم يتعايشون مع الخطر الذي واجهه رجال العمليات الخاصة، ويتخيلون أنفسهم وهم يقتحمون المبنى وتنقطع عنهم الكهرباء، ويتعرضون لكمين، ويندفع الإيدرينالين بقوة في دمائهم حين يقترب الموت منهم، ويشعرون بأنهم محاطون بالعدو من كل اتجاه، وتستمر معاناتهم إلى أن ينتهي تأثير السيجارة التي دخنوها، ثم يجدون حلولاً أفضل تخرجهم من المأزق سالمين دون إصابة واحدة، تماماً مثل لاعب بلايستيشن ماهر، وأخيراً يكتبون عن تجربتهم الناجحة منتقدين فشل أقرانهم الذين نفذوا الاقتحام الحقيقي!

لسوء حظي، أدرك جانباً من طبيعة العدو الذي يواجهه رجال الشرطة في حربهم الحالية ضد الإرهاب، فهو يختلف كلياً عن إرهابي التسعينيات الكيوت البسيط، الذي كان يعتبر حيازة مدفع كلاشينكوف رفاهية عظيمة، ولا يجد ملاذا سوى حقول القصب، ويعاني الأمرّين للاتصال بقيادات تنظيمه، ومحركيه، ومدربيه، ومدبري العمليات التي ينفذها!
إرهابي اليوم غالباً شاب متعلم جيداً، يمكنه أن يتواصل بكل سلاسة عبر برامج الدردشة والتواصل الاجتماعي مع محركيه من خارج البلاد، ويتلقى التعليمات وينقلها خلال شبكة هرمية تتحرك بحرفية بالغة، ولديه إلمام هائل بالتقنيات الحديثة، وقدرة على التحليل والتنظيم، ورصد الثغرات في المنظومة الأمنية، تلقى مع أقرانه تدريباً متقدماً، على يد تنظيمات ودول أخرى على ما يعرف بالعمل النوعي المتقدم، مثل الاغتيالات – مثل عملية الشهيد هشام بركات- والتفجيرات الدقيقة الموجهة عن بعد سواء لعناصر أمنية أو لمؤسسات الدولة.
وهؤلاء الإرهابيون إما ينتمون إلى الخلايا التنظيمية للإخوان، وكانوا يمارسون النشاط المعتاد للجماعة، ثم أعيد تهجينهم بجينات أكثر دموية، من خلال دفعهم إلى القتل، حتى يذوقوا طعم الدم ويعتادون عليه، وغالباً يتم ذلك في دول تشهد صراعات دموية مثل سوريا أو العراق، بعد تهريبهم عبر دول مجاورة، ليعودوا مجدداً إلى مصر بعد جولة دموية احترافية، ويعملوا في خلايا عنقودية معقدة، يصعب تتبعها!
والنوع الثاني، هم تكفيريون ينتمون إلى تنظيمات أخرى تكفّر ظاهريا جماعة الإخوان، لكنهم في الحقيقة أحد أذرعها، وأخطرهم القاعدة وداعش، ومن رحمهما خرج ما يعرف بتنظيم بيت المقدس، وكل ما سبق تم تسمينه وتسليحه وتدريبه في فترة حكم محمد مرسي!
الإرهابي في مصر لم يعد ذاك النموذج الكوميدي الذي يدفعه الحرمان والكبت الجنسي إلى تفجير نفسه في الآخرين للاستمتاع بالحور العين، لكنه شاب مؤدلج لديه أفكاره، التي تختلف عن القوالب الإرهابية التقليدية، لذا لا يمكن محاربته بالأساليب ذاتها التي انتهجت في معركة مصر مع إرهابيّ مزارع القصب خلال التسعينيات!
المعركة ليست سهلة، وبغض النظر عن رفضنا لبعض التجاوزات من قبل أفراد في الشرطة إلا أن الأجهزة الأمنية حققت نجاحات واضحة على الأرض، رغم أنها لا تجد الدعم الشعبي والدولي الكافي مثل نظيرتها في دول متقدمة تعرضت لهجمات كارثية مثل فرنسا التي عاشت كوابيس متكررة، وعاث الإرهاب في عاصمتها تخريباً وتفجيراً وقتلاً، وبلجيكا التي دُمّر القطاع الأكبر من مطارها الرئيسي.
مواجهة إرهاب يتمتع بهذا القدر من الدموية والاحتراف والدعم والتمويل من دول عدة، تستلزم تدريباً وجهداً شاقاً، والقضاء عليه سوف يكلفنا الكثير فهو أقرب إلى إزالة الرحم لإنقاذ الجسم من السرطان،، لكنها معركة مضمونة- بإذن الله- في ظل شعب متماسك لا يعاني من انقسام أو طائفية، ولا ينخر في عقيدته مناضلو الغرف المكيفة!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية