رغم احتفالها هذا العام بعيدها المئوي، لا تزال بطولات كأس أمم أمريكا الجنوبية «كوبا أمريكا» لكرة القدم تحظى ببريق يميزها عن باقي البطولات الكبيرة في العالم، حيث تتنافس فيها منتخبات الفن الكروي الجميل وأبرز نجوم الساحرة المستديرة في العالم، وهو ما يبقي على الإثارة دائمًا في هذه البطولة.
وربما افتقدت بعض النسخ في السنوات الأخيرة البريق الذي اتسمت به في نسخ سابقة لكوبا أمريكا، ولكنها نجحت في الحفاظ على كبريائها ومكانتها ضمن أبرز بطولات الساحرة المستديرة، خاصة مع الإثارة البالغة التي شهدتها النسخة الماضية والتي استضافتها تشيلي، العام الماضي.
ومع استمرار أحداث النسخة الماضية حاضرة بقوة في الأذهان، من المؤكد أن النسخة المئوية من البطولة «كوبا أمريكا 2016» التي تنطلق فعالياتها بالولايات المتحدة في الثالث من يونيو المقبل لن تخل أيضًا من الإثارة، حيث يشارك فيها مجموعة من أبرز نجوم اللعبة في الوقت الحالي، وفي مقدمتهم ليونيل ميسي، مهاجم برشلونة الإسباني والمنتخب الأرجنتيني.
وصرح المدرب الأرجنتيني الشهير لويس سيزار مينوتي، المدير الفني للمنتخب الأرجنتيني الفائز بلقب كأس العالم 1978 بالأرجنتين، قائلا: «ما يزعجني هو تعامل بعض المنتخبات مع هذه البطولة» في إشارة إلى مشاركة بعض المنتخبات في البطولة دون بعض نجومها الكبار مثلما حدث من المنتخب المكسيكي في بطولة 2011 عندما شارك بفريق من الشباب.
وأكد مينوتي: «يبدو لي أن هذا قد يكون استهانة بالبطولة التي تألق فيها سابقا نجوم مثل جارينشيا وبيليه ومارادونا ودي ستيفانو ومورينو وإيريكو وساسيا وبونتوني».
واستعصى لقب كوبا أمريكا في الماضي على العديد من النجوم البارزين رغم تألقهم في فعاليات هذه البطولة ومنهم الأسطورة البرازيلي بيليه والأسطورة الأرجنتيني دييجو مارادونا وأرسينيو إيريكو، نجم باراجواي السابق.
وكان آخر هؤلاء النجوم الذين استعصى عليهم لقب كوبا أمريكا هو ميسي نفسه، حيث فشل في قيادة منتخب بلاده إلى الفوز باللقب في النسخ الثلاث الماضية بفنزويلا عام 2007، ثم على ملاعب بلاده في 2011، ثم في تشيلي العام الماضي.
وبلغ المنتخب الأرجنتيني المباراة النهائية لبطولة 2007 ولكنه سقط أمام نظيره البرازيلي بثلاثة أهداف نظيفة ليخسر النهائي أمام السامبا البرازيلية للبطولة الثانية على التوالي.
وفيما رأى مشجعو المنتخب الأرجنتيني أن الوضع أصبح مختلفا في بطولة 2011 بالأرجنتين بعدما اكتسب ميسي مزيدا من الخبرة وأصبح أكثر حماسا لقيادة الفريق نحو اللقب بعدما توج مع برشلونة بالعديد من الألقاب على الساحتين المحلية والدولية، تلقى ميسي والفريق لطمة قوية بالسقوط أمام أوروجواي بركلات الترجيح في دور الثمانية للبطولة.
ومع بلوغ الفريق نهائي كأس العالم 2014 بالبرازيل والذي خسره أمام ألمانيا بهدف نظيف، كان أمل ميسي في العام التالي هو قيادة المنتخب الأرجنتيني لإحراز لقب البطولة القارية التي يعتبرها هدفه الجديد والمهم.
ولكن المنتخب الأرجنتيني سقط أمام نظيره التشيلي صاحب الأرض بركلات الترجيح في النسخة الماضية ليواصل الحظ عناده لميسي وراقصي التانجو.
وجاء فوز منتخب تشيلي على نظيره الأرجنتيني في نهائي النسخة الماضية ليحافظ منتخب أوروجواي على انفراده بالرقم القياسي لعدد مرات الفوز بالبطولة برصيد 15 لقبًا، مقابل 14 لقبًا للتانجو الأرجنتيني، وذلك بعد فوز أوروجواي بلقب بطولة 2011 بالمكسيك.
وفي المقابل، رفع المنتخب البرازيلي رصيده إلى ثمانية ألقاب في بطولات كوبا أمريكا أقدم بطولة لمنتخبات كرة القدم في التاريخ.
ومع خروجه المبكر والمهين من مونديال 2014 على أرضه بالهزيمة 1 / 7 أمام نظيره الألماني في المربع الذهبي للبطولة، ثم خروجه المبكر من النسخة الماضية في تشيلي، يدرك المنتخب البرازيلي أهمية البطولة القارية هذه المرة لتعويض جماهيره عن ضياع حلم اللقب العالمي السادس، وكذلك عن السقوط في كوبا أمريكا 2015.
ولكن غياب المهاجم الفذ نيمار دا سيلفا عن صفوف السامبا قد يحرم المنتخب البرازيلي كثيرًا من فرص التفوق في النسخة المئوية، لاسيما مع ظهور منافسين جدد أقوياء مثل منتخب تشيلي، حامل اللقب، وعودة منافسين بارزين إلى دائرة الصراع على اللقب مثل منتخب كولومبيا بخلاف قوة منتخبي الأرجنتين وأوروجواي.
وأفسد المنتخب البرازيلي خطط منافسه التقليدي العنيد المنتخب الأرجنتيني، قبل سنوات، حيث نجح في انتزاع اللقب في بطولتي 2004 و2007 بالفوز على التانجو الأرجنتيني في نهائي كل من البطولتين.
وانتهت المباراة النهائية للبطولة عام 2004 في البيرو بالتعادل 2 / 2 بعدما سجل أدريانو هدف التعادل للمنتخب البرازيلي في الدقيقة الثالثة من الوقت بدل الضائع ليحتكم الفريقان إلى ضربات الترجيح التي حسمت المباراة واللقب لصالح راقصي السامبا.
وفشل المنتخب الأرجنتيني بذلك في الثأر لهزيمته بنفس السيناريو أمام البرازيل في دور الثمانية للبطولة التي استضافتها أوروجواي عام 1995 حيث انتزع المنتخب البرازيلي تعادلا ثمينا 2 / 2 بهدف سجله توليوم في الدقيقة 81 قبل أن يحقق الفريق البرازيلي الفوز بضربات الترجيح.
ولكن سيناريو بطولة فنزويلا عام 2007 كان أشد قسوة على المنتخب الأرجنتيني حيث سقط في النهائي أمام منافسه البرازيلي بثلاثية نظيفة.
ومع غياب المهاجم الخطير لويس سواريز عن صفوف منتخب أوروجواي بسبب عقوبة الإيقاف المفروضة عليه من قبل الاتحاد الدولي للعبة «فيفا» واعتزال مواطنه المخضرم دييجو فورلان اللعب الدولي، افتقد المنتخب الأوروجوياني قدرا كبيرا من خطورته مما جعله في مرتبة تالية خلف المنتخبين البرازيلي والأرجنتيني من حيث الترشيحات للمنافسة على اللقب في النسخة الماضية.
ولكن اللقب لم يكن من نصيب أي من العمالقة الكبار الثلاثة وإنما ذهب لمنتخب تشيلي صاحب الأرض ليكون اللقب الأول له في تاريخ مشاركاته بالبطولة بعدما استعصت عليه منصة التتويج كثيرا.
وإلى جانب الترشيحات القوية التي تصب في مصلحة التانجو الأرجنتيني وعودة منتخب أوروجواي إلى الصورة من خلال الموسم الرائع الذي قدمه لويس سواريز مع برشلونة الإسباني وتصدر منتخب أوروجواي لجدول تصفيات كأس العالم 2018، قد يتفوق منتخب كولومبيا على أوروجواي في الترشيحات أيضًا في ظل عودة جيمس رودريجيز، نجم ريـال مدريد الإسباني، للتألق مع المنتخب الكولومبي خلال آخر مباراتين للفريق في تصفيات المونديال الروسي ورغبته في الرد على الشكوك المثارة بشأن مستواه وتألق زميله كارلوس باكا، مهاجم ميلان الإيطالي.
كما يحظى منتخب تشيلي بفرصة ذهبية للمنافسة بقوة على اللقب في ظل الحافز المعنوي الهائل الذي ناله بعد الفوز باللقب الأول له من خلال النسخة الماضية إضافة لتألق أكثر من لاعب بهذا الفريق في الأندية الأوروبية خلال الموسم المنقضي مثل أليكسيس سانشيز، مهاجم أرسنال الإنجليزي، وأرتورو فيدال، نجم بايرن ميونيخ الألماني.
ومع إقامة البطولة هذه المرة في الولايات المتحدة، قد تشهد هذه النسخة المفاجأة بذهاب اللقب لأي من المنتخبات المشاركة من خارج القارة، مثل المنتخب الأمريكي أو نظيره المكسيكي.
وكان منتخب أوروجواي هو أول الفائزين بألقاب كوبا أمريكا، حيث توج بلقب البطولة الأولى التي أقيمت عام 1916 احتفالًا بمرور مائة عام على استقلال الأرجنتين ولم يخسر منتخب أوروجواي أي مباراة خاضها في هذه البطولة.
وعلى مدار تاريخها الطويل، تغير حجم ونظام البطولة أكثر من مرة حتى وصل إلى ما هو عليه حاليا.
وتقام البطولة حاليا بمشاركة جميع المنتخبات العشرة في قارة أمريكا الجنوبية بالإضافة لمنتخبين من خارج القارة توجه إليهما الدعوة. ولم يسبق لأي من المنتخبات المشاركة بدعوات أن أحرز اللقب.
ولكن النسخة المئوية التي تستضيفها الولايات المتحدة الأمريكية خلال يونيو المقبل، ستكون مختلفة وفريدة عن جميع النسخ السابقة لكوبا أمريكا حيث تقام البطولة للمرة الأولى خارج حدود قارة أمريكا الجنوبية.
كما يشارك في البطولة، إلى جانب المنتخبات العشرة الموجودة بأمريكا الجنوبية، ستة منتخبات من اتحاد كونكاكاف «أمريكا الشمالية والوسطى والكاريبي».
وإلى جانب ألقاب أوروجواي والأرجنتين والبرازيل، سبق لخمسة منتخبات أن توجت به وهي باراجواي والبيرو برصيد لقبين لكل منهما وكولومبيا وبوليفيا وتشيلي برصيد لقب واحد لكل منها بينما لم يدون منتخبا الإكوادور وفنزويلا اسميهما في سجل الفائزين بالبطولة.
ويقتسم الأرجنتيني نوربرتو مينديز والبرازيلي زيزينيو صدارة قائمة أفضل الهدافين في تاريخ بطولات كوبا أمريكا برصيد 17 هدفا لكل منهما.
وتمثل بطولة كوبا أمريكا، التي تقام فعالياتها كل أربع سنوات ويشارك الفائز بلقبها في بطولة كأس القارات باستثناء النسخة المئوية المقررة الشهر المقبل والتي لن يتأهل بطلها لكأس القارات، أحد أبرز ثلاث بطولات لمنتخبات كرة القدم في العالم، حيث تأتي في المرتبة الثالثة من حيث الأهمية بعد كأس العالم وكأس أمم أوروبا.
وتستضيف الولايات المتحدة النسخة رقم 45 من بطولة كوبا أمريكا خلال الفترة من الثالث إلى 26 يونيو المقبل.
ومع فوزه بجائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم لعام 2015، يسعى ميسي من خلال هذه البطولة إلى تأكيد جدارته بالجائزة وتعزيز فرصه في الاحتفاظ بها لعام 2016 من خلال قيادة المنتخب الأرجنتيني لمعادلة الرقم القياسي في عدد مرات الفوز باللقب، بالإضافة إلى رغبته الشخصية في التفوق على أبرز نجوم القارة من خلال الفوز باللقب الذي لم يسبق لبيليه ومارادونا الفوز به.