فى لندن همس أحدهم فى أذنى، فقال: لا تصدق أن تردد الإنجليز فى إعادة سياحتهم إلينا يعود إلى أسباب أمنية تتعلق بمطار شرم، أو بغيره من المطارات، كما يقال!
قلت: إنهم يقولون دائماً إن الأسباب أمنية مجردة، وإن سائحهم عندما يكون آمناً على حياته سيزورنا فوراً!
قال: لا تصدق.. فهناك سبب آخر تماماً!
قلت: ما هو؟!.. ثم استدركت وأنا أحاول أن أستدرجه: لابد أنه يتصل طبعاً بتعاطفهم مع جماعة الإخوان بشكل عام، ورغبتهم فى إعادتهم للحياة السياسية كما تريد واشنطن.
قال: لا.. ولا هذه!
قلت: كيف؟!.. إن الإنجليز يتصرفون سياسياً فى مختلف القضايا المطروحة دولياً، على نحو ما يتصرف الأمريكان، وتظل لندن هى الأقرب فى كل أحوالها إلى اتجاه الإدارة الأمريكية على المستوى السياسى، أياً كان اسم الرجل الجالس فى البيت الأبيض!
قال: هذا قد يكون صحيحاً فى جانب كبير منه.. ولكن.. لو أنك قرأت جيداً التقرير الذى كان رئيس وزرائهم، ديفيد كاميرون، قد طلب إعداده عن نشاط الإخوان فى العاصمة البريطانية، فسوف تكتشف أنه يدين الجماعة الإخوانية، بشكل غير مباشر، إذ يكفى أنه ينسب إليها المسؤولية عن نشر فكر التطرف فى أنحاء العالم.. صحيح أنه لم يجد شيئاً يدينها الإدانة الجنائية التى كنا نتوقعها مباشرة، ولكن الإدانة غير المباشرة هى إدانة فى النهاية!
قلت: لقد حيرتنى.. ما السبب إذن فى أن سياحتهم لاتزال تبدو بعيدة عنا.
قال: كثيرون منذ حادث الطائرة الروسية يرون الظاهر فى القضية، ويتصورون أن حادث تلك الطائرة هو السبب الحقيقى، مع أن السبب، لمن يبحث عنه، مختلف كل الاختلاف.. إن موضوع الطائرة مجرد غطاء وراءه شىء آخر، هو الشىء الحقيقى، وهو أيضاً السبب الحقيقى!
قلت: لاتزال تلف وتدور، ولا تريد أن تقول شيئاً مفيداً، وكل ما تفعله أنك تفند كل الأسباب التى نعرفها، ثم لا تذكر أسبابك الخاصة التى تراها!
قال: لا تتعجل الأمر.. ولكن فقط انظر إلى حجم تعاملاتك الاقتصادية، كحكومة مصرية، مع فرنسا وألمانيا، مثلاً، وقارن بين حجم مشترياتك منهما، خصوصاً مشتريات السلاح، وبين ما اشتريته، كحكومة مصرية مرة أخرى، من حكومة كاميرون!.. وعندها سوف تفهم السبب الحقيقى الذى أريد أن أشير لك إليه، ولكل من يعنيه الأمر فى البلد، منذ البداية.. إنهم باختصار يريدون أن يقولوا لنا، إنهم فى هذا الاتجاه ليسوا أقل من برلين ولا من باريس!
ختم كلامه فقال: فتش يا صديقى عن حجم مشترياتك من باريس، وبرلين، وقارن بينه وبين حجم ما أخرجته من جيبك، ليذهب لخزانة حكومة كاميرون، خلال عامين مضيا.. فهذا هو السبب الحقيقى الذى يتهامسون به، كما أهمس لك به الآن، ولا سبب سواه.. وإذا كان هناك من يتصور سبباً آخر، فهو يخدع نفسه، قبل أن يخدع الإنجليز!