نشاط ملحوظ وعمل دؤوب على مدار الساعة، وسط الصحراء حيث الحر الشديد، وسباق مع الزمن فى عزيمة وإصرار على تحقيق الإنجاز فى أسرع وقت ممكن، هذا هو حال نحو ألف شاب من العاملين فى مشروع الـ«1.5 مليون فدان» غرب المنيا، حيث التقى معظمهم دون سابق معرفة أو موعد على تحقيق حلم العبور بمصر إلى المستقبل.
«المصرى اليوم» قضت 48 ساعة مع الشباب العاملين فى المشروع فى جميع التخصصات، وتابعت إنجاز 500 بئر لتوفير المياه لمساحة 370 ألف فدان، وخلق مجتمعات جديدة على عمق 160 كيلومتراً شمال غرب المنيا.
يسابق الشباب العاملون فى المشروع الزمن رافعين شعار «يلا نعمر بلدنا»، و«شباب يتحدى الصعاب»، ويحلمون بالتوسع فى الزراعة، من أجل جيل المستقبل من خلال العمل 24 ساعة يومياً، على ورديتين، فى 23 موقعاً موزعة بطول 23 كيلومتراً، بأبعاد كيلومتر عن كل موقع يضم بريمة لحفر الآبار لتدفق المياه، ما أسفر عن حفر أكبر بئر جوفية «نوبية» بعمق 1400 متر، وبطاقة إنتاجية 300 متر مكعب/ ساعة ذاتياً، دون الحاجة إلى طاقة كهربائية.
يستمع الشباب لأغنية «يا صحرا لمهندس جاى، يرويكى بعيون الغى، مهندس جى مهندس»، للفنان الكبير سيد إسماعيل قبل 50 عاما، مرددين «قولوا معايا ياهل الحى، ياصحرا لمهندس جى، هيخلى ترابك أموال، الحصوة تتباع بريال، والحجرة بريال وشوى».
ووضعت الشركة المنفذة بوابات، وحراسات خاصة، بمداخل ومخارج موقع العمل، للحفاظ على المعدات والسيارات والاستراحات، وخصصت مطاعم و«كرفانات» استراحات متنقلة لكل موقع لضمان استمرار العمل دون توقف، وحرصاً على راحة العمال خلال العمل.
وأعرب العمال عن سعادتهم بالعمل فى المشروع، مؤكدين أن أسماءهم ستسجل فى التاريخ، لكونهم شاركوا فى أكثر من موقع على مستوى الجمهورية، لكنهم غاضبون من عدم توفير شبكة محمول بالموقع للتواصل مع أسرهم وتبادل الآراء والقرارات أثناء العمل، وأيضا لعدم وجود شبكة طرق لربط المشروع بالطرق الإقليمية والسريعة، بالإضافة إلى عدم الاهتمام الإعلامى والمعنوى بهم، أسوة بما تم مع العاملين بالمشروعات العملاقة الأخرى.
وكشف مسؤولون بالرى عن الانتهاء من تنفيذ الآبار بتكلفة مليار و125 مليون جنيه، من خلال وزارة البترول، والهيئة العامة للإنتاج الحربى، تحت إشراف وزارة الرى فى الفترة الزمنية المحدد لها نهاية أكتوبر المقبل، لتسليم الموقع لاستكمال المشروع من حيث الاستزراع والمنشآت الخدمية، والقرى الخاصة بالمنتفعين، سواء الخريجين أو غيرهم، مؤكداً أن نسب الإنجاز تسير بشكل طبيعى.
وطالب المسؤولون والعاملون بالمشروع بتدخل القوات المسلحة، فى الحفاظ على أراضى أملاك الدولة، ومنع التعدى عليها، فى ظل ظهور المياه الجوفية، وبدء عملية الإعمار، مؤكدين وضع أفراد لافتات بالمنطقة بأسماء شركات وهمية لبيع الأراضى.
وطالب مسؤولون ومتخصصون بالعمل فى خط متوازٍ بعد استخراج المياه من باطن الأرض، بالعمل بالمجتمعات العمرانية الجديدة، والاستزراع، واستصلاح الأراضى والبنية التحتية حتى يتم إنجاز المشروع بدلاً من التنفيذ على مراحل.
قال المهندس محمد محمد ربيع، 29 سنة، إن العمل بالمشروع يحتاج إلى عزيمة وقوة، لإنجاز التنفيذ، حيث تم تقسيم ساعات العمل إلى ورديتين، كل منهما 12 ساعة، تبدأ من 12 ظهرا حتى 12 ليلا، ويتم تبادل الوردية الثانية، بهدف حفر الآبار، من خلال بريمة بكل موقع، ولا تتجاوز الفترة الزمنية لدق البئر 9 أيام، كما يحصل العمال على إجازة كل 14 يوما من العمل، على 14 يوما إجازة، وفى بعض الشركات الأخرى 10 أيام كل 20 يوماً من العمل.
وأضاف أنه يعمل فى إحدى الشركات التابعة للهيئة المصرية العامة للبترول، وهى متخصصة فى الكشف عن البترول، ونظرا لأهمية المشروع تم العمل فى دق الآبار لقوة المعدات وسرعة الإنجاز، مؤكدا أن العمل فى الكشف عن البترول يحتاج جهدا أكبر، من العمل فى حفر آبار المياه.
وكشف عن وجود صعوبات يومية فى التغيرات المناخية، من حيث ارتفاع درجات الحرارة نهارا وانخفاضها الملحوظ ليلا، مطالبا المسؤولين بتركيب برج شبكة محمول بالمنطقة للتواصل مع المهندسين فى اتخاذ القرارات، وأيضا التواصل مع أسرهم.
ويروى إبراهيم فتحى سماحة «27 سنة»، مهندس جيولوجى، بالمنطقة، كيفية تناول الوجبات، والحياة واستلام العمل، قائلا إنه يتم تبادل الورديات كل 12 ساعة، حيث تم تخصيص مطاعم متنقلة بكل موقع حفر، أعلى البريمة، دون التنقل لتوفير الوقت والجهد، ويكون الإفطار والغداء والعشاء بموقع العمل، من خلال مطعم متنقل، بكل موقع، حيث يمكن للعاملين الحصول على المشروبات والمأكولات.
وأضاف أن طبيعة عمله هو العمل على البريمة، وهى خاصة بحفر الآبار وتوصيل المواسير إلى الأعمال بطول 550 متراً، حيث تتم مواجهة صعوبات عقب الوصول إلى الطبقة الطينية، وهى الطبقة الثانية، التى يتم بعدها الانسياب بالتربة، ثم تضاف مادة لمنع الانسياب بالبازلت، حيث تستغرق فترات الحفر ودفع وخروج المياه نحو 9 أيام.
ويقول المهندس أحمد كرم عبدالغنى «25 سنة»، مشرف تابع للإدارة العامة للمياه الجوفية، بغرب الدلتا، إنه انتدب للعمل بالمشروع بالإشراف على جميع أجهزة الحفر الموجودة، مشيراً إلى أن دوره هو التواصل بين الشركة المنفذة وقطاع المياه الجوفية والهيئة العامة للبترول، لتنفيذ تعليمات حفر الآبار، وحل مشاكل التنفيذ وإعداد تقرير للمهندس عماد يوسف، المشرف العام، لإعداد تقرير مجمع يومى.
وأضاف أن أهم المشكلات التى يتضرر منها العاملون بالمشروع عدم وجود برج شبكة محمول، للتواصل فى إصدار القرارات وتبادل الآراء كل فى موقع عمله، وعدم رصف شبكات الطرق، وعدم الاهتمام المعنوى بهم، على حد قولهم، من اهتمام المسؤولين بالزيارات والإعلام، كما حدث فى المشروعات الأخرى.
وأشار أحمد سعيد سيد «27 سنة»، حاصل على بكالوريوس نظم ومعلومات، إلى أنه فضل العمل بالمشروع من خلال الاستعانة بسيارته خلال فترة التنفيذ فى تحركات وتنقلات المشرفين على المشروع، مما جعله على علم بجميع المواقع، وجميع المسؤولين، والطرق، فأطلقوا عليه «المرشد السياحى للمشروع».
وأكد المهندس محمد على عزوز «52 سنة»، مدير تنفيذ المشروع، أن العمل 24 ساعة دون توقف لسرعة الإنجاز، مؤكدا أن يوم العمل يبدأ بقراءة الإيميلات المرسلة من الشركة الأم بالقاهرة، حول برنامج العمل اليومى، ومتابعة التنفيذ وإعداد تقرير يومى، ثم متابعة تنفيذ أعمال الحفر، لعمق 580 مترا للبئر، ثم يتم تنزيل «القواسين»، ثم تطهير البئر، ثم تنمية البئر، أى الضخ للمياه تحت إشراف وزارة الرى.
ويضيف أنه يتم المرور على الأجهزة للإشراف عليها والتأكد من سلامتها وتنفيذ العمال لأعمالهم، ثم العودة مرة أخرى للمكتب، حيث تتم متابعة الإيميلات من خلال شبكة» القمر الصناعى، لعدم وجود أبراج تليفون محمول، مما يؤدى إلى العزلة، وعدم التواصل فى اتخاذ القرارات، ما تسبب فى تفويض رؤساء العمل بكل موقع فى اتخاذ القرار فى الحالات العاجلة.
وأشار إلى أنه يتم عقد اجتماع يومى مع مسؤول السلامة المهنية للتأكد من سلامة العمال والمعدات والمواقع للعمل، حفاظاً على أرواح العاملين، ومنع تعرض الموقع للكوارث، حيث تتم حراسة الموقع بخفراء خصوصيين، وتوجد سيارات إسعاف مجهزة، وطبيب لكل موقع عمل.
ويروى المهندس خميس محمد الغريب «24 سنة»، مدير جهاز حفر، أنه يبدأ يوم عمله باستلام المعدات الخاصة بعمليات الحفر فى «البريمة»، والإشراف عليها، من حيث التركيب، وتفكيكها فى حالة التنقل لموقع آخر، ومتابعة العمال، وتدريبهم أثناء العمل على ما هو جديد، وما يمكن مواجهته خلال ساعات العمل، وأيضا عمليات تجهيز «البريمة»، وغسيل المواسير، وتجهيزها للغرز للأعماق، ويتم ذلك من خلال ورديات كل 12 ساعة، والحصول على إجازة كل 14 يوماً.
وأشار الدكتور عمر عبدالكريم سليمان «26 سنة»، طبيب بالمشروع، إلى أنه سبق له العمل بمنطقة مطروح، وأنه يتناوب العمل مع طبيب آخر كل 15 يوماً على مدار الشهر، لافتاً إلى أن دور الطبيب وقائى أولا فى توعية العمال والمهندسين بكيفية الوقاية من حر الشمس وبرد الليل، وعلاجى فى معالجة الأمراض الخاصة بنزلات البرد، وارتفاع درجات الحرارة، وأيضاً الحوادث، وإجراء الإسعافات العاجلة للمصاب، ونقله لأقرب مستشفى.
وأضاف أن الشركة عينت طبيباً فى كل موقع حفر لإسعاف ومعالجة العمال فى حالة الإصابة بالأمراض أو إصابات العمل، مشيراً إلى أن غالبية الإصابات عبارة عن كسور بالعظام أو نزلات برد أو ارتفاع درجات الحرارة، وهناك أدوية وإسعاف مجهزة لذلك.
وقال إنه يصدر توجيهات للعمال والموظفين فى حالة التغيرات المناخية، بكيفية الحماية، والتعامل مع الظروف الجوية، مؤكدا ضرورة حل مشكلة عدم وجود برج محمول بالمنطقة للتواصل.
وأضاف أشرف محمد حمودة، «50 سنة»، مشرف أغذية بالموقع، أن دوره يتلخص فى الإشراف على تجهيز وإعداد الوجبات الخاصة بالعمال، من حيث النوعية والكمية وتناسبها مع طبيعة العمل، مؤكداً أنه يتم التركيز على الوجبات التى تفيد فى المجهود العضلى والعقلى، من حيث اللحوم 4 مرات أسبوعيا، والدواجن 3 مرات، بالإضافة إلى الأسماك، مرة واحدة، والفاكهة والخضروات الجافة والمطهية.
وأكد أنه يتم إعلان برنامج أسبوعى للمأكولات للراغبين فى تناول وجبات أخرى، أو استبدالها بأخرى، حيث يبدأ الإفطار من 5 إلى 8 صباحاً، الغذاء من 11- 2 ظهرا، والعشاء من 5 مساءً حتى 10 مساءً، مؤكدا وجود مطاعم مجهزة ومتنقلة، تعمل على مدار 24 ساعة.
وقال حسن أبوشادى، 26 سنة، مهندس موقع، إنه تعود على العمل فى الصحراء، بعيداً عن الأهل والأصدقاء، مؤكدا الفصل بين العمل والعودة للمنزل، وأن الخدمات والعلاقات الطيبة مع أصدقائه فى العمل تسهل الأمر، مطالباً بضرورة تركيب برج محمول بالمنطقة للتواصل مع الزملاء فى العمل والأسرة.
وأضاف فتحى محجوب عبدالفتاح «27 سنة»، مهندس موقع، أنه سبق له العمل فى 4 مواقع فى استخراج المياه والزيت، هى «شرق العوينات، والفرافرة، والخارجة، وسيناء»، مؤكدا أن دوره إشرافى على عمليات الحفر.
ويقول المهندس حمدى محمد محمود «38 سنة»، مدير الصحة والسلامة المهنية، إن عمله يتركز على توعية العمال والمهندسين، كل على حفار وموقع عمله، وتوضيح الحفاظ على سلامة الفرد قبل المعدة، ووجود المعدة فى الترتيب الثانى، والكشف الدورى على العمال والمعدة، والتأكد من الكشف الدورى على شهادات المعايرة للأجهزة، ومتابعة خطة إطفاء الحريق، والتأكد من استمرار القدر الكافى لأطقم الحريق، لافتاً إلى أن أهم الصعوبات التى تواجهه والعاملون معه عدم وجود شبكات طرق، مما يؤثر على المتابعة، وعدم وجود شبكة اتصال للتواصل فى الأزمات.
ويكشف المهندس أحمد حسن بدران، «38 سنة»، مدير جهاز حفر رقم 10، عن وجود معوقات خلاف عمليات الحفر، عند عمق الطبقة الطينية، وهو ما يتسبب فى إغلاق المواسير، ويتم التعامل معه وعلاجه من خلال إضافة مادة لمنع انسياب التربة ويكشف أن فريق العمل يضم مدير جهاز، ومدير جهاز مساعدا، ومجموعة حفر تتراوح بين 9 و10 أفراد، وحفارا وعامل الطَفلة، و3 عمال حفر، و3 مساعدين حفر.
وقال إن المشروع يعمل به شباب يتحدون الصعاب، ويحلمون بالتوسع فى الزراعة، كخطوة جديدة لجيل جديد، مطالباً بالاهتمام بهم، من خلال توفير برج محمول، وطرق ممهدة، واهتمام معنوى.
وأشار المهندس عماد الدين يوسف عبدالسيد، مدير أعمال المشروع بالمياه الجوفية بالمنيا، إلى أن وزارة الرى حفرت عدداً من الآبار من خلال معهد بحوث المياه الجوفية، منذ عام 2005 لمنطقة الظهير الصحراوى الغربى، وشملت تونا الجبل الجديدة، بمركز ملوى، وقرية البهنسا، بمركز بنى مزار، وقرية العزيمة، بمركز سمالوط، بواقع 5 آبار بكل منطقة، لافتاً إلى أن الدولة طرحت مشروع الـ1.5 مليون فدان بناءً على النتائج، وقامت بإجراء دراسات على استصلاح 220 ألف فدان بتلك المناطق، بالإضافة إلى 150 ألف فدان غرب المنيا، وتم حفر 6 آبار جوفية، وتم اكتشاف البئر الجوفية النوبية، غرب البهنسا، بعمق 1400 متر، وبطاقة 300 متر مكعب/ ساعة، حيث المياه ذاتية دون سحب طلمبات، وهى مخصصة للاستخدام المنزلى والخدمات العامة والمنزلية، بالإضافة إلى 500 فدان، بأعماق ما بين 300 و500 متر، وهى مخصصة للزراعة، بالإضافة إلى 100 بئر غرب المنيا، وهو ما أكدته الدراسات والأبحاث الخاصة بوزارة الرى.
وأكد أن تدفق المياه سيسهل استخدام الطاقة الشمسية فى إدارة الآبار، مشيراً إلى أن درجة الملوحة مناسبة لاستزراع جميع المحاصيل الزراعية، ولا تتجاوز 2500 جزء فى المليون، ولافتاً إلى أن المسؤولين بوزارة الزراعة قاموا بتحليل التربة، وأكدوا أن التربة مناسبة للاستزراع لجميع المحاصيل.
وقال المهندس كمال عبدالمنعم محمد البلتاجى، مدير عام الإدارة العامة للمياه الجوفية لشمال الوادى بالمنيا، إن المنطقة الأولى من مشروع استصلاح واستزراع أراضٍ، بمحافظة المنيا، ضمن مشروع الـ«1.5 مليون فدان»، بخطة الدولة، تنقسم إلى منطقتين الأولى غرب غرب المنيا، وتقع بزمام مركز بنى مزار على بعد نحو 70 كيلومترا من الطريق أسيوط/ القاهرة من اتجاه الغرب، وإلى الجنوب 30 كيلومتراً، ومن مدينة المنيا 60 كيلومتراً، وتستهدف حفر 500 بئر إنتاجية طبقاً للبروتوكول الموقع بين وزارة الموارد المائية والرى، ووزارة البترول «الهيئة المصرية العامة للبترول»، وتبلغ المساحة المستهدفة بالمشروع 80 ألف فدان، كمرحلة أولى، وعدد الآبار 272 بئراً، تم الانتهاء من 100 بئر منها، أما المنطقة الثانية فهى غرب المنيا، وتقع فى زمام مركز المنيا، غرب طريق أسيوط/ القاهرة بحوالى 20 كيلومتراً، وتشمل حفر 100 بئر طبقا للبروتوكول الموقع بين وزارة الموارد المائية والرى، ووزارة الإنتاج الحربى. وتبلغ المساحة المستهدفة 25 ألف فدان، لافتاً إلى أن المساحة المستهدفة فى الموقعين 370 ألف فدان.