x

«النهضة» التونسية تخلع عباءة الإخوان (تقرير)

الإثنين 23-05-2016 23:03 | كتب: عنتر فرحات |
تصوير : أ.ف.ب

أقرت حركة «النهضة» الإسلامية التونسية تغييرات «تاريخية وجوهرية»، اعتمدت فيها فصل الدين والأنشطة الدعوية عن العمل السياسى، لتتوافق مع التغييرات السريعة لحركات الإسلام السياسى التي واجهت صعودا وهبوطا بعد ثورات الربيع العربى، بما يمثل انفصالا أكبر عن جماعة الإخوان المسلمين الأم، كما جددت الحركة انتخاب زعيمها ومؤسسها راشد الغنوشى لقيادتها في الفترة الانتقالية.

وانتخب المشاركون في المؤتمر البالغ عددهم نحو 1200، أعضاء مجلس الشورى، أعلى هيئة في الحزب ويتكون من 150 عضوا، على أن يتم تزكية ثلث المجلس من قبل رئيس الحركة. واستكملت النهضة في ختام مؤتمرها العاشر انتخاب أبرز هياكل الحزب. ولم تشهد انتخابات المؤتمر العاشر للحركة في ختامها أي مفاجأة مع التمديد للغنوشى، 74 عاما، زعيم الحركة ومؤسسها في المنصب الذي يشغله منذ 1991، وفاز الغنوشى بمجموع 800 صوت متقدما بفارق كبير عن أقرب منافس له فتحى العيادى رئيس مجلس الشورى بـ229، ومحمد العكروت بـ29 صوتا. وأيد توجهات الحركة الجديدة 93% من أعضائها، رغم الخلافات بين الغنوشى والدائرة المقربة منه ومن يوصفون بـ«صقور الحركة» الذين سعوا لاختيار أعضاء مكتبها السياسى بالانتخاب.

ويعد هذا هو المؤتمر العام الثانى الذي تنظمه الحركة بشكل علنى بعد مؤتمرها الأول في 2012، ويأتى بعد أكثر من عامين من خروجها من السلطة وخسارتها انتخابات 2014 وترنح التنظيمات الإخوانية في العالم العربى والإسلامى. وكانت الحركة التي تأسست بشكل سرى عام 1972 ورسميا عام 1981، عقدت 9 مؤتمرات من بينها 5 سرية و3 في المهجر.

وأقرت الحركة التي تستحوذ على أغلبية مقاعد البرلمان بـ69 مقعدا في البرلمان مستفيدة من انشقاقات حزب «نداء تونس»، الفصل بين أنشطتها السياسية والدعوية والتحول إلى حزب مدنى سياسى ذى مرجعية إسلاميه، بهدف التأقلم مع التطورات الجارية في تونس الذي لا يزال بمنأى عن النزاعات الدامية التي ضربت بقية دول الربيع العربى.

وقال الغنوشى: «تم تبنى فكرة تشكيل حزب سياسى وطنى مدنى ذى مرجعية إسلامية ويعمل في إطار دستور البلاد ويستوحى مبادئه من قيم الإسلام والحداثة». وقدم مسؤولو النهضة هذا التحول نتيجة تجربة الحكم ومرور تونس من الاستبداد إلى الديمقراطية إثر ثورة 2011. وأضاف الغنوشى: «إن دستور البلاد نص عى استقلالية منظمات المجتمع المدنى عن الأحزاب. ونحن إذن نستجيب لتطور داخلى في البلاد».

وقال رفيق عبدالسلام وزير الخارجية السابق، صهر الغنوشى: «لم يعد هناك حاجة للإسلام السياسى الاحتجاجى في مواجهة الدولة، نحن الآن في مرحلة البناء والتأسيس، نحن حزب وطنى يعتمد المرجعية الإسلامية ويتجه لتقديم إجابات أساسية على مشاغل واهتمامات التونسيين في الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية». ويتلاءم هذا التغيير في مسار حركة النهضة مع اقتناعات غالبية الشعب التونسى، إذ أفاد استطلاع أخير للرأى بأن 73% منهم يؤيدون «الفصل بين الدين والسياسة».

وناقش المشاركون الـ1200 في المؤتمر الأولويات الواجب اعتمادها في إطار استراتيجية الحركة للتحرك في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقال المتحدث باسم المؤتمر أسامة صغير إنه تم التصويت بنسبة 80% على الفصل بين الدعوى والسياسى. كما تم تبنى النظام الداخلى للحركة. وتبحث النهضة «إعادة توزيع توازن السلطة بين قيادات النهضة»، كما تبحث اقتراحا يقضى بفرض حصة إلزامية للنساء داخل مجلس الشورى تكون بنسبة 10%.

وقال عضو اللجنة التنفيذية، المسؤول الإعلامى للنهضة العجمى الورينى، إن أقلية تدفع لاختيار جميع المناصب بما لا يتوافق مع الروح الديمقراطية. وأضاف: «وجدنا بعض الصعوبات في التوافق فيما يتعلق بآلية اختيار الهيئات القيادية، وهو أمر طبيعى في الديمقراطية». ويبرز بين الشخصيات التي تطالب بعدم فصل السياسة والدين، عبدالحميد الجلاصى، القائد التاريخى لجهاز الاستخبارات بالحركة، خلال حظرها. وشارك رئيس تونس الباجى قايد السبسى في مؤتمر الحركة، بعد أن كان اتهمها بالتواطؤ مع المتطرفين خلال قيادتها الائتلاف الحاكم، وقال في المؤتمر: «نأمل بأن تتوصلوا خلال أعمالكم إلى التأكيد أن النهضة باتت حزبا».

وقبل المؤتمر، قال الغنوشى لصحيفة «لوموند» الفرنسية، إن حزبه يريد القيام بنشاط سياسى يكون «مستقلاً تماماً» عن النشاط الدينى. وقال «نخرج من الإسلام السياسى لندخل في الديمقراطية المسلمة». إلا أن تصريحات الغنوشى عن «الخروج من الإسلام السياسى» تثير شكوك العديد من الأطراف، وتساءلت صحيفة «الشروق» التونسية عما إذا كانت هذه الوعود «ستبقى كلمات في الهواء».

وتابعت الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام باهتمام شديد هذا التحول، وتساءلت عن تأثيره السياسى في البلاد. وتساءلت صحيفة «لابرس» التونسية: «هل تريد حركة النهضة دمقرطة الإسلام أو أسلمة الديمقراطية؟». وقالت بشرى بلحاج حميدة، البرلمانية التي استقالت من حزب نداء تونس بسبب نقص «الوضوح» في العلاقة مع النهضة، إنها تنتظر إثباتات على هذا التغيير المعلن. وأضافت: «فى مستوى التصريحات هذا مطمئن لكنه غير كاف»، وبينما رحبت بعض الاتجاهات التونسية السياسية بالخطوة، غير أن القوى الديمقراطية واليسارية، اعتبرت الانفصال عن الإخوان المسلمين، خطوة تكتيكية، وما تم حتى الآن، ليس سوى خطوة للوراء مؤقتة لحين تغير المعادلة السياسية في البلاد، ولحين ترويض وتضليل الشارع التونسى.

وحول الخلافات داخل المؤتمر، قال القيادى بحركة النهضة محمد بن سالم إن الغنوشى لوح بالانسحاب من الترشح لرئاسة الحركة، وإنه اشترط أن يكون رئيس الحركة هو الذي يزكى تركيبة المكتب التنفيذى، رافضا أن تتم عملية الاختيار عبر الانتخاب والتصويت، وأكد القيادى بالحركة العجمى الوريمى، أن مجلس شورى الحركة صوت لصالح اختيار أعضاء المكتب التنفيذى بالتعيين من قبل الرئيس، والتزكية من مجلس الشورى.

كانت دوائر من داخل كواليس مؤتمر النهضة ذكرت أن خلافات عميقة تفجرت على خلفية سعى «صقور» الحركة إلى تشديد الخناق على الغنوشى باتجاه تركيز تركيبة المكتب السياسى.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية