فقدت ذاكرتى بسبب «سامى شرف»
لم يكن طريق الكومبيوتر الذى اخترته سهلاً بعد أن ودعت القلم، وإنما كان حافلاً بالمطبات والمقالب والأخطاء التى لابد أن يقع فيها مثلى، ولولا مثابرتى ورغبة التحدى داخلى وأنا أشاهد كل كتاب العالم يحملون الكومبيوتر، وأيضا الفوائد العديدة التى عرفتها من استخدام الكومبيوتر لعدت مستسلما إلى القلم. إلا أن أسوأ الأزمات التى تعرضت لها اختفاء كل المعلومات التى اختزنتها على الكومبيوتر. وكانت ليلة من أسوأ الليالى، عرفت بعدها ضرورة الاحتياط وشراء ما يعرف بـ«دسك» خارجى أختزن عليه صورة من الملفات المحفوظة على الكومبيوتر، وبحيث يصبح مخزنا تأمينيا متنقلا يصاحبنى أينما أذهب وأواجه به المفاجآت الطارئة!
إلى أن حدث أن سافرت قبل عامين لتمضية بضعة أيام فى الساحل الشمالى، مصطحبا الكومبيوتر ودسك التخزين. وبكل ثقة فتحت فى صباح اليوم التالى لوصولى الكومبيوتر لأنتقى أحد المقالات من بين ثلاثة مقالات كنت أعددتها مقدما للنشر فى «الأهرام». وإذا بى أمام سلسلة من المفاجآت كانت تكفى واحدة لتفقدنى عقلى، فقد اكتشفت أننى نسيت شاحن الكومبيوتر، مما يعنى أننى أصبحت مقيدا بفترة عمل البطارية الداخلية للكومبيوتر، والتى لا تتجاوز ساعة. لكن الأسوأ أننى عندما فتحت الكومبيوتر فوجئت به خالياً من كل المعلومات التى اختزنتها عليه. وبثقة بالغة ضحكت فى سرى وقلت بسيطة المخزن موجود. وفتحت الدسك المنفصل الذى اختزنت عليه ملفات الكومبيوتر لتصدمنى أسوأ مفاجأة عرفتها منذ تعاملت مع الكومبيوتر، وهى فشل جهاز الكومبيوتر فى قراءة كلمة واحدة من «الدسك المنفصل» الذى يحمل كل أرشيفى.. كل ذاكرتى.. كل ثروتى المعلوماتية. ودون أن أطيل ولغير ما سبب معروف أصبح الدسك قطعة حديد ميتة.
هكذا فى لحظات شعرت بمن فقد ثروته فى البورصة أو كارثة. فثروتى معلوماتى وأفكارى وأرشيفى وذاكرتى.. وقد ذهب جهد السنين وتبخر حصاد الأيام والليالى، وهناك موضوعات كتبتها ومذكرات وخواطر سجلتها فى انتظار أن يأتى يوم وأنشرها ويستحيل أن أتذكرها.
وسواء كان عن تجربة أو تراكم السنين، فقد تعلمت فى الأزمات ترتيب موقفى، وباعتبار أنه ليس هناك من سيدير الأزمة غيرى. وهكذا كان أول قرار اتخذته رفع ضغط الالتزام بكتابة أربعة أعمدة كان على أن أكتبها وأرسلها للأهرام. وكان الأستاذ محمد عبدالهادى، رئيس تحرير الأهرام، ودوداً وأنا أستأذنه فى إجازة اشترط أن يتم تحديدها حتى يعلنوها كتابة. ولأربعة أيام اختفى العمود بالفعل.
ولكن ماذا عن الذاكرة التى فقدتها؟
جعلنى هذا أدرك أن العلم الذى تطور وانتقل بنا إلى آفاق لا حدود له، يحمل معه جانبا آخر قاتلا للحياة بدون قنبلة أو صاروخ ومدفع. يكفى أن تصل إلى ذاكرة الدولة وتلعب فيها لتختل مناحى الحياة فيها.. البنوك.. حركة السفر.. الكهرباء.. المرور.. البورصة.. المواصلات.. المصالح.. الشركات.. المشكلة أن كل هذه التريليونات من المعلومات عبارة عن ذاكرة فى قطعة حديد لا تملك التفكير.. والذى حدث أننا أصبحنا نستخدم عقولنا فى التفكير وسلمنا ذاكرتنا للكومبيوتر والأجهزة. ولذلك ليس صعبا توقع أن تكون الحروب القادمة بدون قنابل أو صواريخ ومدافع، وإنما حرب فيروسات يتمكن من يسيطر عليها أن يتسلل بها إلى ذاكرة الدول فى القواعد العسكرية والأجهزة المسيطرة. ومثل هذا يحدث على مستوى الفرد. فقد اكتشفت أن الذى أفسد، بل دمر، دسك ذاكرتى رسالة إلكترونية وصلتنى على أنها مرسلة من الأستاذ سامى شرف (وقد كانت أول رسالة تصلنى منه)، وقد تضمنت عبارة: فى الرسالة المرفقة معلومة أظن أنك تجهلها. ولم تكن الرسالة كما تبينت فيما بعد سوى فيروس أصاب ذاكرتى وألغى كل ما بها وجعل دسك معلوماتى قطعة حديد باردة لا حياة فيها.
ولم يكن للأستاذ سامى شرف فى الواقع أى علاقة بالرسالة، فقد كان هو الآخر ضحية، فقد استخدم أهل الشر اسمه، وبالتأكيد تسللوا إلى جهازه دون أن يعرف، وبعثوا منه رسالة تحمل الفيروس الذى دسوه وكنت من بين ضحاياه. وبحسب معلوماتى فقد وقفت عاجزا أمام المشكلة التى أواجهها، وإن جعلتنى أسأل إذا كانت هذه هى الأولى بالنسبة لى، فالمؤكد أن لها سوابق تعلم منها الخبراء الذين لابد عندهم الحل لها. ومشكلتى أن الفيروس سرق ملفاتى وذاكرتى وأصبح ضروريا أن أحارب لأسترد ما سرقه الفيروس. واستعنت بخبير صديق كشف لى أن كل خطوة نخطوها فى هذه الأجهزة وكل كلمة نكتبها فيها تحت الرقابة...