فى أثناء وجودى فى لندن، دعانى ناصر كامل، سفيرنا فى العاصمة البريطانية، إلى حضور افتتاح معرض الآثار الغارقة الذى افتتحه الوزير خالد العنانى.
المعرض يضم 293 قطعة، وسوف يستمر هناك لستة أشهر، يذهب بعدها إلى سويسرا، لفترة مماثلة، وقد كان فى باريس من قبل، لستة أشهر أيضاً.. أما تاريخ القطع المشاركة فيه فيعود إلى الألفية الأولى، قبل الميلاد، وأما اكتشافها فى الماء فكان فى منطقة أبوقير بالإسكندرية.
لاحظت، وأنا أتجول فى المعرض، فى رفقة الوزير والسفير، وعدد كبير من الحاضرين، أن إعجاب جمهور الإنجليز، بآثارنا، بلا حدود، وأن إقبالهم على رؤيتها عريض، وليس سراً أن تذاكر الدخول محجوزة لثلاثة أشهر قادمة!
كان الافتتاح مساء الثلاثاء السابق على الخميس الذى شهد كارثة الطائرة، وهى مصادفة غير سعيدة بالمرة طبعاً، لأن ما كان المعرض يراهن عليه من مردود علينا ننتظره، قد جاء حادث الطائرة ليفسده!
تشعر، وأنت فى رحاب القطع المعروضة، أنك، كمصرى، تنتمى إلى بلد عظيم حقاً، لولا أن عظمة حاضره ليست أبداً فى عظمة ماضيه، هذا إذا كان فى الحاضر عظمة من أى نوع.. ثم تشعر بأن بلداً هذه هى آثاره المعروضة فى عاصمة الضباب، ومن قبل فى عاصمة النور، ومن بعد فى جنيف، لابد أن يكون فى مكانة تليق بهذه الآثار بين الأمم.. فإذا لم يكن هذا حاصلاً، فالعيب قطعاً فى الذين لا يعرفون كيف يصلون ببلدهم إلى ما يليق به بين البلاد، ولا كيف يديرون ثرواته، وليس فى البلد ذاته!
كنت، فى أثناء الافتتاح، أتطلع إلى وجوه الذين جاءوا يزورون المعرض، ويتفرجون على معروضاته، وكنت أدقق النظر فى وجوههم، وأحاول قراءة ملامحها، وكنت أرى أن كل واحد فيهم يبدو مسحوراً بما يتطلع إليه بعينيه، وكنت أراهن على أن كثيرين منهم، بامتداد الأشهر الستة، سوف يقررون بتأثير الرؤية والإعجاب، الذهاب إلى مصر التى أنتجت هذه الفنون من العظمة، ذات يوم.
لولا حادث الطائرة.. الذى جاء وكأنه غمامة خيمت فوق المعرض، بعد افتتاحه بـ48 ساعة.. لا أكثر!
وفى كل الأحوال فإن أعضاء سفارتنا، وعلى رأسهم السفير كامل، ثم وزارة الآثار، ومن فوقها الدكتور العنانى، يعرفون جميعاً، أن ما كان مطلوباً منهم من جهد، لفك نحس السياحة عندنا، قبل الحادث، قد صار مطلوباً ضعفه الآن، وأن المهمة على كاهل كل واحد فيهم ثقيلة بطبيعتها، ثم أصبحت أثقل بمراحل، بعد موضوع الطائرة!
إن جهوداً كبيرة، كنا قد بذلناها لإنقاذ السياحة، منذ حادث الطائرة الروسية فى أكتوبر الماضى، وكان الروس والإنجليز، قد بدأوا يفكرون.. أقول بدأوا بالكاد.. فى النظر فى عودة سياحتهم لشرم وغيرها، فإذا بطائرة باريس تبدد كل شىء تقريباً، وتعيدنا إلى نقطة الصفر.. فيالها من مهمة على الوزير بمثل ما هى على السفير.. وأظن أنهما لها.