ينتظر 47 متهماً من متظاهري 25 إبريل فرصة ثانية في الحياة، إذ تحدد محكمة الاستئناف مصيرهم بعد أن قضت محكمة أول درجة بسجنهم 5 سنوات، أحدهم يدعى أحمد عبدالمنعم، 26 عاماً، إخصائي أرصاد جوية، غادر مقر عمله عصر يوم 25 إبريل الماضى عائداً إلى بيته، وعرض عليه مديره أحمد فاروق توصيله إلى المنزل، خوفاً من احتمالية اعتراضه أو إيقافه بالخطأ من جانب قوات الشرطة.
«العمل في هيئة الأرصاد الجوية لا يتوقف طوال الـ24 ساعة»، يقول أحمد فاروق، مدير إدارة التحاليل والتنبؤات الجوية بالهيئة العامة للأرصاد الجوية، في تصريح لـ«المصرى اليوم». يضيف: «وصل أحمد مقر الهيئة مساء الأحد، كان من المفترض أن ينهى فترة عمله صباح الاثنين، لكن بسبب تعذر حضور عدد من الموظفين الذين يسكنون خارج محافظة القاهرة، وخوفاً من التظاهرات، استبقيناه حتى عصر الاثنين، واقترحت توصيله بسيارتى من مقر الهيئة إلى منطقة الدقى حيث يسكن».
تابع فاروق: «لم نكن وحدنا في تلك النوبة، كان معنا إخصائى أرصاد جوية آخر يدعى محمد حسنى، وقد وثقنا شهادتنا في الشهر العقارى معاً بأن القبض على أحمد حدث بعد دقائق من مغادرته سيارتى في نهاية شارع التحرير».
«بعد دقائق من مغادرة أحمد سيارة مديرة أحمد فاروق في نهاية شارع التحرير، أوقفه شرطيان سريان من الإدارة العامة لمباحث الجيزة، طلبا منه بطاقة هويته، وسألوه «رايح فين؟»، أخبرهم أنه عائد إلى بيته بعدما أنهى عمله، لم يقتنع الشرطيان وقالا له «النهارده أجازة»، ثم فحصوا بطاقته، وسألاه: «لما أنت من بنى سويف، جاي تعمل إيه هنا؟»، واقتادواه إلى سيارة ميكروباص ذهبت به إلى قسم الدقي».
يحكى أحمد تلك الحكاية لوالده، التقت به «المصري اليوم»، بعدما استطاع رؤيته للمرة الأولى يوم الأربعاء الماضي، خلال زيارة استثنائية له بمعسكر الأمن المركزي في الكيلو 10 ونص، حيث صدر حكم ضده بالسجن ٥ سنوات، وغرامة ١٠٠ ألف جنيهاً، مع 79 متهماً أخرين وقعت عليهم نفس العقوبة.
بعد ساعات من القبض على أحمد، تمكن من إبلاغ أحد أصدقائه باحتجازه داخل قسم الدقي، اسمه محمد سيد البحيري، يقول لـ«المصري اليوم»: «اتصل بي مجند وأخبرني بوجوده داخل قسم الدقي، فاتصلت بمديره، أحمد فاروق، والدكتور وحيد سعودي، المتحدث الرسمي باسم الهيئة، فقالا لي أن الهيئة سترسل خطاباً رسمياً إلى نيابة الدقي».
في اليوم التالي حضر وكلاء النيابة إلى قسم شرطة الدقي، أثبت أحمد خلال التحقيقات مغادرته للعمل قبل دقائق من عملية القبض عليه، وأرفق بالتحقيقات الخطاب الصادر من الهيئة العامة للأرصاد الجوية التابعة لوزارة الطيران المدني، مذيلاً الخطاب بخاتم شعار الجمهورية.
ويشهد الخطاب بأن أحمد يعمل أخصائي أرصاد جوية بالهيئة، وأنه كان مناوباً من ظهيرة يوم الأحد إلى عصر يوم الاثنين، وانصرف من العمل في الثالثة عصراً، وقدم ضمن شهادات عدة أرفقها بالمحضر قرار وزير الطيران المدني باختيار أحمد للسفر إلى فرنسا في 29 نوفمبر، وتعيينه بقرار المجلس العسكري في هيئة الأرصاد الجوية منذ عامين ونصف، بحسب صديقه محمد سيد البحيري.
كما قدم مدير إدارة التحاليل والتنبؤات الجوية، للنيابة، شهادة بعد توثيقها في الشهر العقاري، يقول فيها: «إنه أوصل أحمد بسيارته من مقر الهيئة بمصر الجديدة إلى ناصية محي الدين أبوالعز حيث يسكن، برفقة زميل لهم يدعى محمد حسني، ونفى أي علاقة لأحمد بالتظاهرات».
يقول فاروق إنهم حاولوا الدخول إلى وكيل النيابة لإثبات شهادتهم لكنه لم يستدعيهم، يضيف: «انتظرنا الإفراج عنه أو على الأقل صدور قرار بإخلاء سبيله، لكن فوجئنا بأن القضية أحيلت إلى المحكمة»، وفي يوم 14 مايو من الشهر الجاري، قضت محكمة جنح الدقي، المنعقدة بمعسكر الأمن المركزى، في الكيلو 10 ونص بحبس أحمد 5 سنوات بتهمة التظاهر.
حكم على أحمد عبدالمنعم بالحبس 5 سنوات مع 79 متهماً آخرين بالتظاهر في قضية الدقي، و22 متهماً أخرين في قضية العجوزة. ولم يكن أحمد الوحيد الذي جرت عملية القبض عليه بهذا الشكل، فسمير محمد عياد، 27، مهندس، ضمن المحكوم عليهم بالحبس 5 سنوات أيضاً في قضية الدقي، كان في مأمورية عمل أثناء عملية القبض عليه لإحدى شركات التصميمات الداخلية، وأرسلت الشركة إلى النيابة خطابًا، حصلت «المصري اليوم»، على نسخة منه يفيد بأن المهندس سمير محمد عياد، مدير قسم التصميمات الهندسية، كان في مأمورية عمل عصر الإثنين.
وفي قضية العجوزة صدر حكماً ضد محمود سامي، مهندس بإحدى شركات المساهمة العاملة في الصناعات الهندسية، بعد القبض عليه يوم25 أبريل، لكن الشركة أرسلت خطاباً، حصلت «المصري اليوم» على نسخة منه، يؤكد حضور سامي في ذلك اليوم بالشركة، حيث تبين وجود بصمة حضور في صباح اليوم وخروج في الظهيرة، تنفيذاً لخطة سيره المعتمدة من مديريه بمناطق «بولاق الدكرور، وأرض اللواء، والهرم».
لا ينكر المجلس القومي لحقوق الإنسان «القبض العشوائي»، إذ أدرج ضمن المسودة النهائية لتقريره السنوي، انفردت «المصري اليوم» بنشر أجزاء منه في عددها الصادر في 18 مايو الجاري عن حالة حقوق الإنسان في مصر، أن أهم ظاهرتين رصدهما المجلس ارتفاع معدلات القبض العشوائى، وزيادة مدة الحبس الاحتياطى التي تجاوزت العامين في بعض الحالات، وطالب التقرير بالتوقف عن عمليات القبض العشوائى وإنفاذ القانون.
وطالب المجلس في مسودة التقرير، الذي سيرسله إلى عدة جهات على رأسها رئاسة الجمهورية، ومجلس الوزراء، والنائب العام، والبرلمان، ووزيري العدل والداخلية، تعديل قانون التظاهر ليتوافق مع الدستور، وهو الطلب الذي أعيد استيعابه في خطاب عدد من المنظمات الحقوقية، وبعض انواب مجلس الشعب، وعلى رأسهم النائب محمد أنور السادات، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب.
يدلل على ذلك الحكم الصادر من حكمة النقض، السبت، ببراءة عضوي من حزب الدستور «عبدالرحمن وزياد» في إحدى قضايا تظاهر جامعة الأزهر، بعد حبسهم لمدة عامين ونصف ضمن 36 طالباً قبض عليهم في القضية، وحكم عليهم بالسجن لمدة 5 سنوات.
ويوضح إسحاق أن الخطوة الإيجابية التي يتخذها المجلس لتفادي تلك الظاهرة: «التحرك من خلال الدستور الذي يعطي المجلس الحق في حضور المحاكمات والدفاع عن المقبوض عليهم خارج إطار القانون والحكم ضدهم بالحبس، لكن هذا يتوقف على تقدم أهاليهم بشكاوي للمجس من عدمه».
ذلك كان السبب الذي أعلن بسببه عدداً من السجناء دخولهم في إضراب كلي مفتوح عن الطعام احتجاجًا على الحكم الصادم ضدهم، دون أدلة أو أحراز، بحسب قولهم.
وقال السجناء في بيان نُشر على صفحة «الحرية للجدعان» المعنية بأحوال المسجونين، وأعيد نشره على صفحة «جبهة الدفاع عن متظاهري مصر» التي يتحرك من خلالها المحاميين المدافعين عن المقبوض عليهم على خلفية أنشطة سياسية: «سبع وأربعون شابًا بينهم العائل الوحيد لأسرته، وآخرين ينتظرون مولود قد يكتب الظلم له أن يولد يتيمًا لـ 5 سنوات. أحلامهم تنهار ومستقبلهم على وشك الضياع لمجرد الاشتباه غير المقرون بدليل أو تهم حقيقية».
وتابع البيان: «نحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا، لذلك، ندخل اليوم إضرابنا دفاعًا عن أحلامنا ومستقبلنا وأيام عمرنا التي نستنزفها في السجن دون مبرر».
يقول إسحاق: «المجلس تقدم بطلب لمديرية أمن الجيزة لمقابلة المضربين عن الطعام، في الكيلو 10 ونص، لأن هذا السجن غير تابع لإدارة السجون وإنما لمديرية الأمن».
وهو ما انطلقت منه المنظمات الحقوقية في بيان أعلنت خلاله رفضها عقد جلسات محاكمة محمد ناجي، مسؤول ملف الحقوق والحريات الطلابية بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، والصادر ضده حكماً بالحبس 5 سنوات مع 46 شخصاً آخر، بمكان احتجازهم بمعسكر الأمن المركزي بالكيلو 10 ونص، وتعتبر المنظمات الحقوقية أن عقد الجلسات داخل المعسكر: «يعصف بضمانات المتهمين في محاكمة عادلة، علنية، وشفافة، في ظل عدم أهمية تلك الإجراء الاستثنائية».
وفي سؤال «المصري اليوم» لجورج إسحاق، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، عن كيفية إثبات باحثي المجلس لظاهرة القبض العشوائي، قال: «هناك مواطنون قبض عليه من على المقاهي وداخل البيوت، وحولوا إلى النيابة من دون إبلاغ أهاليهم، وحقق معاهم دون حضور محامي»، يعلق: «هذا القبض خارج القانون، غير قانوني بالمرة».
فعمليات الرصد والتوثيق التي قام بها فريق «جبهة الدفاع عن متظاهري مصر» رصد 1277 حالة بين حالات الاستيقاف والاحتجاز والقبض خلال الفترة بين 15 أبريل و27 أبريل 2016 .
«المصري اليوم» حصلت على أوراق قضية الدقي الصادر فيها حكماً بالسجن على 86 متهماً بالتظاهر، منهم 39 حضورياً، تتكون الأوراق من محضر الضبط مكتوب من جانب مقدم عمرو البرعي، وكيل فرقة مباحث وسط، يتضمن اتهامهم بالتظاهر، وتحريات الأمن الوطني، التي قام بها المقدم هاني فكر، الضابط بقطاع الأمن الوطني، بالإضافة إلى استجواب النيابة للمتهمين بالتظاهر وسماع شهادتهم .
يشير محضر الضبط الذي حرره المقدم عمرو البرعي، وكيل فرقة مباحث الوسط، ضد المتهمين بالتظاهر بقسم شرطة الدقي، إن الشرطة السرية بإشراف ضباط وحدة مباحث قسم الدقي، وضباط الإدارة العامة لمباحث الجيزة، ومجموعات من قوات الأمن المركزي، هي من قامت بضبط الـ 86 متهماً بالتظاهر، في دائرة قسم شرطة الدقي، وليس البرعي من قام بالضبط، وهي أول نقطة أثبتها المحاميين من أمام المحكمة من واقع الاوراق المرفقة بالقضية.
يقول المحامي محمد فاروق، إن مستندات قضية الدقي والعجوزة، تؤكد أن القائم بضبط المتهمين ليس من قام بتحرير المحضر، مفترض أن ذلك يربح براءة المتهمين لانتفاء حالة التلبس، وعدم تحديد مكان القبض عليهم»، يفسر فاروق: «حالة التلبس حالة واقعية تستلزم تحرير المحضر من جانب الضابط الذي قام بضبط المتهمين لتحديد مكان الضبط والحالة التي قبض على المتهمين بها».
يضيف فاروق: «بالنظر إلى مستندات القضية، فإن محضر الشرطة قال إن المتهمين قبض عليهم من ميدان البحوث، أما تحريات الأمن الوطني قالت إنهم تجمهروا وقبض عليهم من ميدان المساحة بالدقي». ويشير إلى عدم تحديد أدوار المتهمين بالمحضر، بمعنى أخر أن المحضر أشاع الاتهامات لـ79 متهماً، ولم يوثق أي اتهام سواء بأحراز للافتات أو أعلام».