x

عباس الطرابيلي شركاء الحياة.. والموت عباس الطرابيلي الإثنين 23-05-2016 21:32


منه لله.. ويجحمه، يعنى يدخله الجحيم، دنيا وآخرة.. ذلك الذى أدخل ورد النيل إلى مصر، أو سمح بدخوله.. دون أن يحاول منعه!!

هو ورد النيل، هذا النبات اللعين الذى يشاركنا فى «ماء الحياة».. ويمكن أن يودى بنا إلى الموت، إلى النهاية، عندما لا يتبقى من النيل ما يكفينا من مياه.. وهو نبات ينمو فى البحيرات والأنهار والمستنقعات وخصوصاً فى المناطق الحارة.. وينمو حتى يبلغ طوله 60 سنتيمتراً فوق سطح الماء، وتتجمع أزهاره الأرجوانية فى مجموعات حول قمة الساق.. وموطنه الأصلى أمريكا الجنوبية، أما فى المناطق التى أدخل فيها هذا النبات فلا توجد عوامل طبيعية تحد من نموه، مما يجعله ينمو بسرعة ويغطى سطح الماء، ومن ثم يدمر الحياة النباتية والحيوانية، المائية لأنه يحجب ضوء الشمس، ويستهلك الأكسجين، إلى جانب أنه يسد الطرق المائية ويعوق الملاحة.. ويقوم العلماء بدراسة أوجه الاستفادة من نباتات ورد النيل لأنه يمتص الكيماويات، خصوصاً العناصر الثقيلة ذات التأثير السام.. ويمكن تربيتها فى الأحواض لتنقية المياه.. وقد تستعمل بعد تجفيفها علفاً للماشية.

هذا ما تقوله دوائر المعارف عن هذا النبات الشيطانى، الذى كان البعض يزرعه لجمال زهوره، أما بعد أن توحش وأصبح خطراً على ما يصل إلينا من مياه النيل.. هنا نقول «منه لله من سمح بانتشاره عندنا دون ضابط أو سيطرة».

وقد خرج هذا النبات المدمر لحياتنا - بشكل مكثف - منذ حوالى نصف قرن، أى عندما «هدأت حركة مياه الفيضان» إذ كانت عملية الفيضان تساعد على أن يغسل النهر نفسه ومجراه كل عام.. وكانت شدة اندفاع مياه الفيضان - قبل السد العالى - تجرف أمامها كل هذه النباتات وتلقى بها فى البحر المتوسط.. ومع تغير حركة مياه النيل ثبتت جذور هذا النبات وازدادت توحشاً حتى سيطر تماماً على كل المياه فى المجرى الرئيسى للنيل وفى كل الترع والريّاحات.. بل والمصارف الزراعية، والويل لمن يسبح قريباً من هذه النباتات، لو غطس قريباً منها، إذ لن يستطيع الصعود مرة أخرى إلى سطح المياه.. ويموت غرفاً إما بنقص الأكسجين فى المياه.. أو بسبب كثافة النباتات التى يصعب اختراقها.

ويبدو أننا فى سنوات ما بين يونيو 67 إلى ما بعد حرب تحرير سيناء، تكاسلنا عن مقاومته، تنفيذاً لمقولة «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، إلى أن تمكن منا هذا النبات.. وأصبح مشكلة المشاكل.. وما يهمنى هنا هو حجم كمية المياه التى يشربها هذا النبات، شديد العشق للمياه، من مياه النهر وكل الترع.. وأسأل هنا: هل حسبنا كمية المياه التى يشربها هذا النبات رغماً عنا؟.. وبالتالى هل حسبنا مساحات الأراضى التى يمكن أن نرويها بالمياه التى يشربها هذا النبات؟.. بل هل نعرف حجم الغباء المصرى الذى يجعلنا نبحث عن مصادر أخرى للمياه ولو كانت جوفية.. بينما يمكننا بقليل من العلم والجهد أن نوفر تكاليف حفر الآبار.. إذا نجحنا فى إزالة غابات ورد النيل التى باتت تسد النيل نفسه وكل الترع والرياحات؟

ومازلت أتذكر مرة أيام كان يوسف والى وزيراً للزراعة وعصام راضى وزيراً للرى، وطلبت منهما فتح هاويس دمياط و«فم» قنال «العنانية» لتدخل كميات من مياه النيل إلى بحيرة المنزلة لنقلل من تلوث مياهها.. وإزالة ورد النيل الذى تراكمت غاباته عند سد دمياط.. واستجاب الوزيران.. وأشهد أننى رأيت كميات من ورد النيل جرفتها المياه من عند السد أمام دمياط.. ثم توقفت أمام الكوبرى القديم وسدت مجرى النهر حتى إن الصبية والشباب كانوا يعبرون فوق هذا النبات الذى تحول إلى «كوبرى» أخضر من شط إلى شط!! من كثرة وكثافة هذا النبات!!

ولكن عقولنا - ونحن نحارب ورد النيل - توقفت عند إزالة النبات من مجرى النهر والترع.. ثم نتركه على الشاطئ ليجف.. وهنا يتضح غباء عقل الذين يقومون بالإزالة.. لأن بذور وجذور النبات حين تجف وهى على الشاطئ.. فسرعان ما تطير لتنزل إلى النهر وإلى الترعة من جديد لتواصل حياتها.. أليس هذا منتهى الغباء؟!. وكأنك يا أبوزيد.. ما غزيت.

■ المهم أن هذا النبات بما فيه من بروتين هو من أغنى الأعلاف التى يمكن أن تقوم عليها عمليات تربية المواشى والأبقار.. لأنها من أفضل الأعلاف لها.. بل إننا يمكن أن نحول هذا النبات القاتل إلى مادة غذائية مفيدة للنباتات الغذائية للإنسان.. بتحويله إلى سماد!!

ولكن من يفكر.. ويعمل؟.. وإذا كان الفيضان قد توقف بإنشاء السد العالى فحرمنا من عملية أن يقوم الفيضان نفسه بغسل وتطهير المجرى فإننا نواجه الآن فيضاناً من نوع جديد.. هو فيضان ورد النيل.

■ فلا نحن نحاول بجدية أكبر إزالته.. لتقليل مخاطره وشراهته للمياه.. ولا نحن نحاول الاستفادة منه علفاً للحيوانات ونحل أزمة اللحوم ونصنع منه سماداً لتغذية الأرض.

ولكن نقول ونعيد: أليس فينا عقل رشيد يفكر فى المصلحة العليا للوطن؟!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية