«الأسعار بتغلى كل يوم»؛ عبارة بسيطة تشرح حالة سوق السيارات فى بلدنا. سيارات غير متوفرة بالكميات المطلوبة، وقطع الغيار أيضا، استمر الحال على هذا الوضع لفترة طويلة، تتجاوز الآن العام بعدة أشهر، وأعتقد فعلا أن الجميع اعتاد على الوضع الحالى، وتأقلم معه. السيارات أصبحت مثل «الممنوعات»، قوائم حجز تمتد لأكثر من ١٨ شهرا، ومبالغ غير مثبتة على الفواتير، يتم إضافتها إلى سعر السيارة، وأصبح متعارفا عليها أيضا باسم «أوڤر پرايس».
أصبح قرار شراء سيارة قرارا صعبا جدا، يقف «الزبون» حائرا أمام سيارة، ويسأل نفسه؛ «أدفع الأوڤر پرايس وأخدها.. ولا أمشى؟».
انهارت سوق السيارات «حرفيا» مقارنة بالسنوات السابقة، قَل المعروض واختفى التنوع وتراجعت المبيعات.
«الدولار» دائما هو المشكلة، ليس سعره فقط بل توافره أيضا. الدولة لا تجد هذا القطاع قطاعا مهما، تنظر إلى السيارات كسلعة ترفيهية للأثرياء، وبالتالى فهى والقطاع الذى تنتمى إليه فى ذيل القائمة، عندما يتعلق الأمر بتوفير العملة. والحقيقة أنه فى ظل التحديات الاقتصادية التى تواجهها بلدنا، لا يمكن إلقاء اللوم على الدولة. هناك أولويات تفوق أهميتها أهمية السيارات بالتأكيد، منظومة كاملة لدعم السلع الأساسية قد لا نضعها فى حساباتنا، خصوصا ونحن نتحدث عن القطاع الذى يخصنا.
ولكن من الناحية الأخرى لا يمكن أن نقبل أيضا باعتبار السيارات سلعة ترفيهية، للأغنياء والأثرياء فقط. الحقيقة أن قطاع السيارات قطاعا هاما جدا. أهميته جعلت حكومات الدول المختلفة تقف وراءه بقوة لأسباب محددة، سواء كانت صانعة للسيارات أو مستوردة لها لا تمتلك شكلا من أشكال الصناعة.
قطاع السيارات لا يعنى فقط سيارات الركوب، بل جميع المركبات التى يتم استخدامها تجاريا وللنقل العام. يجتهد صانعو السيارات باستمرار لإيجاد حلول، تدور حول ثلاثة أهداف رئيسية؛ الأمان والكفاءة والحفاظ على البيئة. أهداف تخدم العامة فى المقام الأول، وتسعى باستمرار لتقديم السيارة النموذجية، وهى بالطبع ليست الأكثر رفاهية أو سرعة، وإنما الأقل استهلاكا للوقود والأكثر أمانا ولطفا على البيئة.
والواقع يؤكد أنه فى سوقنا المحلية، لا تهتم الغالبية العظمى بمعايير الأمان اهتماما حقيقيا، ومن المؤكد عدم اهتمامنا أيضا بنسب الانبعاثات الضارة، فنحن نفتقد تماما ثقافة الحفاظ على البيئة، وسوف ندفع ثمن هذا الإهمال يوما ما.
فى بلدنا، وعند شراء سيارة جديدة، نهتم جميعنا بالسعر، وربما نحن من أسواق معدودة فى العالم يقوم الزبون فيها بتحديد سيارته الجديدة بناء على سعرها «فقط»، وليس بناء على الفئة التى تلبى احتياجاته من ضمن فئات الركوب المتعددة.
بدأت سوق السيارات فى بلدنا تنفتح بقوة منذ ٢٠٠٧، أصبح هناك تنوع كبير فى المعروض. وأصبحت مفاهيم الصناعة العالمية أقرب إلينا.
كنا نستقبل باستمرار تقنيات حديثة ومحركات أصغر حجما وأعلى كفاءة، وتجهيزات أساسية لأمان الركاب، قاومها البعض فى البداية، ولكنها وجدت طريقها للمستهلك فى النهاية، وأصبح المستهلك يمتلك الثقافة. يسأل عن استهلاك الوقود وأنظمة الأمان وخصائص الفئة التى تنتمى إليها السيارة. ارتفعت المبيعات، وأثر ذلك بالطبع على السلامة والأمان، السيارات الحديثة تعنى أعطالا أقل على الطريق، واحتمالية أقل للحوادث أيضا.
لذلك فعندما تجاهلت الدولة مشاكل القطاع، معتبرة السيارات سلعة ترفيهية، لم تتراجع فقط المبيعات بل تراجعت المفاهيم أيضا، كان من الطبيعى أن تعود السوق المحلية لمعيارها الأساسى، وهو «السعر» فقط، فقدنا فى المقابل القدر الضئيل من الثقافة الذى كنا قد حصلنا عليه.
الأمان حق لمسخدمى الطريق، وليس رفاهية. وانتعاش سوق السيارات لا يدور فقط حول الأرباح، سواء لشركات السيارات أو للجهات الحكومية، وإنما يساهم فى تطوير منظومة كاملة، نستخدمها جميعا وبشكل يومى. لذلك أعتقد أن مساندة هذا القطاع وتطويره واجب على الدولة، تجاهله يخلق عميلا «بائسا» ويبعدنا من جديد عن حركة التطور. ودعمه ينتهى بتطوير منظومة كاملة.
للحديث بقية..