تماماً كما انتهت- أو كادت- زراعة البطيخ النمس الصالحاوى، نسبة إلى منطقة الصالحية في الشرقية. وهو بطيخ مستطيل، أخضر غامق.. مقلم.. ويا سلام لو وصل وزن البطيخة 20 كيلو.. تكون أفضل، لوناً ومذاقاً. وطعماً، كما انتهت أو كادت زراعة البطيخ النمس «الأخصر الفاتح»، وهو الأقل جودة من سابقه.. أما ما أفتقده وبشدة، فهو البطيخ «المانجاوى»، أي الصحراوى، لأن داخله بطيخ لونه أصفر ذهبى.. تماماً مثل لون المانجو وكنا نتسابق- ونحن في العجمى زمان- إلى الاتجاه غرباً حيث الساحل الشمالى الغربى الآن، لنشترى هذا البطيخ الأصفر المانجاوى قليل الماء كثير الحلاوة.. ونحن نشترى بشاير طيور السمان مع أول سبتمبر كل عام.
ومن عائلة «القتاء» انتهى أو كاد الفقوس الأخضر المضلع، وكانت الواحدة تزن كيلو جرامين.. وأكثر، ودخل منطقة دمياط على يد عائلة البدراوى باشا عاشور، الذي استصلح مساحات هائلة من الأراضى في منطقة الركابية وأم الرضا، وهى الآن حول مصيف جمصة.. غرباً ودمياط الجديدة شرقاً.. وتابعة لمركز كفر سعد بدمياط.. ومنطقة كفر البطيخ، حيث كان يجود زراعة نوع من البطيخ البلدى الصغير- لزوم الغلابة- وكذلك أنواع عديدة من الشمام والشهد «والبؤون» وكانت قشرته خشنة.. ولكن قلبه كان.. زى العسل.
ويكاد يختفى الآن نوع من الحمضيات.. هو «النارنج» ويطلق عليه العامة اسم «اللارنج» ولا يصلح إلا لصناعة المربى.. وهى في رأيى أفضل من مربى البرتقال.. نفسه.
ومن منا لا يفتقد الآن حبات الجميز.. ومن حلاوة بعض ثماره أطلق عليه الباعة «عجمية.. يا تين» أي ينافس التين البرشومى الذي يجود في منطقة العجمى، غرب الإسكندرية، وهى المنطقة التي نزل بها جنود حملة بونابرت عندما غزا مصر عام 1798، وكل جيلى عاشر أحلى أيامه يستمتع بظل شجرة جميز- وهى أكبر شجرة مصرية معمرة- حتى إنهم يقولون إن شجرة ستنا مريم في المطرية «بعين شمس» استظلت بها هي والسيد المسيح، عندما لجأ إلى مصر هرباً.. وطلباً للأمن والأمان فيها.. ما هي إلا شجرة.. جميز!!
أيضاً: هل يتذكر أحدكم شجر النبق وثماره الصغيرة الحلوة، وهى من أشجار السنط وكنا نتسلقها طلباً لما تحمله من حبات النبق.. وكذلك أشجار التوت.. والبمبوظة أو «البامبوزيا»، ومازال ريف مصر يأكل الجلوين والسريس والشكوريا والجعضيض والحميض.. ولكنها الآن تخرج شيطانى.. بينما كان الفلاح يحرص على زراعتها.. لينعم بها إذ كانت هي الغموس المفضل للفلاح مع حتة جبنة قديمة.. أو طبق من المش الأصفر المعتق.. حتى ولو كان الدود يسبح فوق هذا المش.
■ حقاً.. كانت أياماً لذيذة.. نعم كانت شديدة القسوة.. ولكن لهذا قال المصرى القديم «تعب كلها الحياة.. وكانت أيام».