لم أتصور يوما أن أكتب بغير القلم، أن أفقد العلاقة العاطفية بين سن القلم وبين أفكارى. كتبت بكل أنواع الأقلام إلى أن حدث ما لم أتصوره وودعت القلم وأصبحت أكتب على الكمبيوتر. وكانت زوجتى قد أهدتنى منذ نحو ١٥ سنة جهازا متواضعا سعة 8 جيجا (أقل من قوة فلاشا اليوم) فوجئت به على مكتبى وظللت أدفسه بين الأوراق حتى خجلت من نفسى فبدأت أفكر فى استخدامه، فبدأت محاولاتى معه فى الدخول على عالم الإنترنت، الذى كنت سمعت عنه، والتعرف على مواقع البحث وبعض الصحف. وقد وجدتها عملية سهلة ومفيدة جدا أغنتنى عن بطاقات الكارت التى كنت ألخص عليها ما أقرؤه من معلومات وشراء عشرات الموسوعات، اعتبارا من دائرة المعارف البريطانية إلى الموسوعات العديدة الأخرى فى الاقتصاد والقانون والحروب والنزاعات وموسوعة الحقائق والقرن العشرين وتاريخ العالم.. وغيرها من الموسوعات التى أصنعها بنفسى من قصاصات الصحف والمجلات، والتى مؤخرا رحت أتخلص منها لتوفير أماكنها بالمكتبة للكتب الكثيرة الجديدة. وهكذا بسبب الكمبيوتر والإنترنت تمكنت من دخول مغارة المعرفة، مما جعلنى أقول كما قال على بابا: اقتصاد تاريخ جغرافيا سياسة قانون.. أحمدك يارب!.
وفى سفرياتى كنت ألاحظ اصطحاب الصحفيين لجهاز كمبيوتر يكتبون عليه بسرعة تفاصيل المؤتمرات الصحفية التى يحضرونها ويرسلونها فى دقائق إلى صحفهم. وفى إحدى الرحلات، كان الزميل عادل حمودة مسافرا على نفس الطائرة، وفى أثناء الرحلة الطويلة، وجدته يمد يده إلى حقيبته ويخرج جهاز الكمبيوتر وينفصل عن العالم حوله، وبعد أكثر من ساعة طوى الجهاز ووضعه فى حقيبته، وقد فهمت أنه أنهى كتابة الموضوع الذى تنتظره صحيفته!، وفى ذلك الوقت وبطريقة لا شعورية اختزنت فى الذاكرة صورة ما حدث من عادل حمودة فى ملف الغيرة الحميدة!.
■ ■ ■
الحكاية كتبتها من قبل وما زلت أتذكر اليوم ٢٢ إبريل ٢٠٠٨، والمكان غرفة لجنة الثقافة والإعلام فى مجلس الشورى الذى كنت عضوا به، وقد راح الصديقان الدكتور عبدالمنعم سعيد والدكتور فوزى فهمى يحدثاننى طويلا عن ميزة الكتابة على الكمبيوتر، فكل كلمة تكتبها تحفظها، والصفحة أمامك تقرؤها بسهولة، وتستطيع أن تحذف وتضيف فيها بدون أستيكة أو كشط أو كتابة ورقة جديدة و.. و.. وباختصار شديد، فإننى عدت فى نفس اليوم إلى البيت، ودخلت مكتبى، وفتحت الكمبيوتر الذى أهدته لى زوجتى بإحساس من التحدى، وبدأت لأول مرة فى حياتى أدق عليه وأكتب به أول مقال فى حياتى، امتلأ بالأخطاء، ولكننى ثابرت وراجعته كلمة كلمة، ومن لحظتها لم أكتب مقالا واحدا بالقلم!.
وأعترف أن الطريق لم يكن سهلا، فقد تعرضت لمقالب لطمت فيها على خدى، وقضيت الليالى عرفت فيها معنى القلق والحيرة. ففى الكمبيوتر أسرار وخدع يندر معرفتها كلها، خاصة لواحد مثلى تشعلق فى سبنسة قطار التكنوجيا بعد سن السبعين.
وكان ضروريا أن أستعين بأهل الخبرة، وقد وفقنى الله فى العثور عليهم فى الأهرام، على رأسهم المهندس عمر سامى، الخبير الشهير بالمؤسسة، والذى تولى رئاسة مجلس إدارتها فى ظروف صعبة. ومنذ أسابيع ودعه زملاؤه لبلوغه سن الستين بالحب الذى يستحقه، لحسن أخلاقه، ورقيّه وعلمه وخبرته فى مجاله، مما مكنه من أن ينشئ مؤخرا موقعا مفيدا جدا لمستخدمى الآيفون والأجهزة الإلكترونية اسمه (egypt14.com) وهو موقع لم يكن موجودا عندما كنت فى سنة أولى كمبيوتر، ولهذا كنت أفاجئه تليفونيا فى أى وقت لينقذنى من الورطات التى أفاجأ بها وما أكثرها!، وكذلك كنت أفعل مع المهندسين عادل الحطيبى ومحمد معاوية من قسم إدارة الكمبيوتر بمؤسسة الأهرام اللذين عاونانى فى القفز فوق الأزمات التى كنت أواجهها وتحملا إلحاحى أحيانا. ومع كل هؤلاء زوجتى التى وضعتنى على الطريق منذ أهدتنى أول كمبيوتر، أضفت إليه شخصيا ثلاثة كمبيوترات، إلى جانب الاختراع الجديد الذى يحمل اسم (آى باد) والذى ظهر لأول مرة فى إبريل 2010 قبل ست سنوات فقط.. ومازال الحديث متواصلا..