نشرة صغيرة تقف وراءها خلية نحل من الجنود المجهولين، لا يتركون صغيرة أو كبيرة دون أن يرصدوها، والتى تؤثر في الحياة اليومية لأكثر من 90 مليونا ترتبط بأداء أعمالهم أو تأجيلها في حالة حدوث أي تغيير في الطقس.
«المصرى اليوم» قامت بمعايشة مع العاملين بهيئة الأرصاد الجوية، للتعرف على كواليس نشراتها، وكيفية رصد درجات الحرارة بمنتهى الدقة.
في البداية، التقينا وحيد سعودى، المتحدث الرسمى لهيئة الأرصاد الجوية والمدير العام للإدارة العامة للتنبؤات والتحاليل بالهيئة، داخل الإدارة العامة للتحاليل، والتى تنقسم إلى 3 إدارات: «التحاليل الجوية، والتنبؤات البحرية، والاستشعار عن بعد».
وأضاف «سعودى» أن الإدارة العامة للتحاليل هي المنوط بها إصدار كل التحذيرات لجميع قطاعات الدولة، وتكمن أهميتها في كشف سوء الأحوال الجوية أو الظواهر الجوية الحرجة، مثل السيول والعواصف الرمدية والرعدية أو الضباب أو ما شابه ذلك، وكذلك سلامة وتأمين حركة الملاحة الجوية والبحرية والبرية، فلا يوجد مطار في مصر مدنى أو عسكرى لا يحتوى على مركز تنبؤات جوية.
وأضاف: «معلومات الهيئة العامة للأرصاد الجوية تقدم للطيارين قبل الإقلاع بست ساعات، والتى يتم فيها تحديد مستوى الرؤية الأفقية أو الرأسية ما إذا كانت تسمح بالهبوط أو الإقلاع من عدمهما»، كما نقوم بعمل ما يسمى «رود في الكاست»، فمنذ إقلاع الطائرة من مطار القاهرة أو النزهة أو غيرهما، لابد من إحاطة الطيار بالظروف الجوية إلى أن يصل للبلد الذي يريد الوصول إليه، فمثلا طيار يريد الإقلاع من مطار القاهرة للسعودية، فأخبره أنه على مرتفعات كذا ستقابلك ظواهر جوية تتجنبها أو ما شابه ذلك.
وتطرق «سعودى» لكيفية صدور النشرة الجوية، وأكد أن مصر ضمن منظومة عالمية حوالى 192 دولة مشتركة في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بـ«جنيف»، ومن المفترض أنه على رأس كل ساعة يتم تبادل كل عناصر الطقس بينى وبين كل دول وبلدان العالم، ويتم توقيع هذه المعلومات على خرائط متفق عليها دوليا، مثل درجة الحرارة الجافة والمبللة، وسرعة الرياح واتجاهها، فيكون أمام الراصد الجوى الذي يتسلم الشفرة أو الإشارة من قسم اللاسلكى على رأس كل ساعة هذه المعلومات، ويقوم بتوقيعها على خرائط، وهى 6 مستويات تبدأ من سطح الأرض حتى طبقات الجو العليا (فيكون هناك معلومات على ارتفاع 1.5 كيلو من سطح الأرض وعلى ارتفاع 3 كيلو وعلى ارتفاع 5 وهكذا حتى 10 كيلومترات تقريباً)، بالإضافة إلى صور الأقمار الصناعية التي تحدد كميات السحب ونوعها، وما إذا كانت ممطرة.. «وأنا بخبرتى أستنتج ما إذا كانت الأمطار غزيرة ورعدية تسبب خطورة أم لا».
ويضيف: «لك أن تتخيل أن الخريطة يكون عليها حوالى من 2500 إلى 3000 معلومة، يقوم الراصد خلال ساعة واحدة بمتابعتها، والهدف بعد ذلك أن يقوم الإخصائى الجوى بتحليل هذه المعلومات فيحدد فيها أماكن المرتفعات والمنخفضات الجوية والظواهر الجوية المصاحبة، لكى يتسنى لنا بعد ذلك أن نجرى مناقشة ونرى الأحوال الجوية المرتقبة، ليس فقط لمدة 24 ساعة، وإنما على الأقل لمدة 72 ساعة».
ويتابع «سعودى»: «هناك شق آخر، وهو أننا بدأنا من 20 سنة مواكبة التطوير الحديث في كل بلدان العالم في علوم الأرصاد الجوية، وبدأنا في التعامل مع ما يسمى (النماذج العددية)، وهى عبارة عن برامج على الكمبيوتر، نستوردها من الخارج، بالإضافة للنماذج العددية التي يقوم بتصميمها زملاء لنا في البحث العلمى.. من خلالها نتنبأ من 5 إلى 7 أيام، ومما لا شك فيه أن النشرة الجوية بدأت تشهد مصداقية عالية تجاوزت 95%، بدليل أنها تتصدر الأخبار في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، فالأنظمة المعمول بها في الأرصاد الجوية هي نفسها الموجودة في كل بلدان العالم المتطور.
ويضيف: «بعد ما يتم التوقيع على الخرائط وتحليلها يدويا نذهب لأجهزة الكمبيوتر، وإذا ما وجدنا توافقا يعطينى ذلك قوة في إصدار التنبؤ، وأصدر منه بيانا وتحذيرا جويا، ونحن ندقق في كل معلومة ونحاسب (حساب الملكين) إذا أخطأنا»، كما أن الأرصاد لها دور كبير في الحفاظ على اقتصاد البلد بطريقة غير مباشرة مثلما أرسل لبعض المحافظات المعنية بسوء الأحوال الجوية في بعض المواسم، مثل محافظات سيناء وسلاسل جبال البحر الأحمر والصعيد قبل بداية فصل الخريف بشهر، وأطلب الاستعداد لأنهم مقبلون على موسم سيول قبل الحدث بشهر، استناداً لخبرتى، ويمكن التنبؤ قبل 5 أيام من حدوث الظاهرة بالسيول أو عواصف رعدية أو رملية أو ترابية أو الشبورة الكثيفة التي تصل لحد الضباب، وكل يوم أؤكد المعلومة من خلال النشرات التي تصدر من خلال جميع وسائل الإعلام، خاصة للمحافظات المعنية بسوء الأحوال الجوية فيها.
وأشار إلى أن الهيئة تخدم 160 جهة في الدولة، على رأسها رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء، والعديد من الوزارات مثل: «الدفاع، والداخلية، والزراعة، والسياحة، والبترول، والبيئة» بخلاف التليفون المفتوح على مدار 24 ساعة للاستفسار عن حالة الجو، ليس فقط من المواطنين، وإنما من كل المتعاملين مع وسائل الإعلام داخل مصر وخارجها، وتحذيرات الطقس تحول دون وقوع حوادث عديدة، وتحافظ على أرواح مواطنين مثل شركات السياحة، التي نطالبها بعمل إرجاء للرحلات الجوية.
ويؤكد أن قلة فترة التنبؤ تزيد المصداقية، ولذلك فكل بلدان العالم المتطورة في علوم الأرصاد تصدر نشرة كل ساعة لكى تحاكى المتغيرات السريعة في الغلاف الجوى، ونحن في مصر نصدر مرتين في اليوم.
تركنا «سعودى» وانتقلنا للمطبخ الأساس الذي تعد فيه النشرة، والتقينا أحمد فاروق، مدير مركز التحاليل والتنبؤات والتحاليل الرئيسى، الذي قال: «إن هناك تنبؤات (بحرية)، خاصة بحالة البحار، كالمتوسط والأحمر، وأحيانا خليج السويس، وأخرى (جوية) خاصة بحالة الجو وهى الأمطار والرياح والأتربة والرمال التي على سطح الأرض، وهاتان الإدارتان تتعاونان مع الإدارة الثالثة، وهى الاستشعار عن بعد، التي بها الأجهزة المتصلة بالأقمار الصناعية، ونحصل منها على صور الأقمار الصناعية الأوروبية المتعاقدين معهم عليها، لأن مصر لا تمتلك أقمارا صناعية علمية، فنحن نعتمد على بروتوكول مع الاتحاد الأوروبى وأمريكا لكى يرسلوا لنا صور الأقمار الصناعية العلمية الخاصة بهم مع بعض البيانات وفقاً لتعاقدنا معهم».
ويضيف «فاروق»: «إدارتا التنبؤات الجوية والبحرية بعد إطلاعهما على صور الأقمار الصناعية تقومان بتحليلها لمعرفة نوع السُّحب وكثافتها وحركتها، والتى توضح نوع المنخفضات والجبهات التي من الممكن أن تؤثر بأمطار أو غيره، بالإضافة إلى صور الأقمار الصناعية التي تظهر الرمال والأتربة، وهى تعطى تنبؤات لـ 8 أو 9 وأحيانا 10 أيام، ولكن لدقة التنبؤ نكتفى بـ4 أيام فقط».