ازدادت فى الآونة الأخيرة معدلات إصابة الأجنة بالتشوهات الخلقية فى المحافظة، وحذر الأطباء من خطورة تجاهل التشخيص المبكر للحوامل ونصحوا بالالتزام بالعادات الغذائية السليمة.
فى مستشفى الشاطبى، استقبل قسم الأطفال منذ بداية العام الجارى عشرات الأطفال المصابين بتشوهات، ففى شهر يناير ظهرت إحدى الحالات بولادة طفلة بورم «ليمفاوى مساحته تزيد على مساحة الوجه، بعدها تم إجراء جراحة له لإزالة الورم الذى يزن 4 كيلوجرامات من وجه طفل.
وفى فبراير من نفس العام، أجريت جراحة نادرة لطفلة يبلغ عمرها 3 أيام بعد أن اكتشف الأطباء إصابتها بنزيف حاد فى البطن، سببه «تهتك فى الطحال بالمولود»، وكان السبب الولادة بواسطة «الدايات»، داخل المنازل وهو ما يؤدى إلى كثير من الكوارث التى تحدث للأطفال أثناء وبعد الولادة.
وضمن مسلسل «التوائم الملتصقة» التى أكدت الدراسات ازديادها فى الآونة الأخيرة، أجرى الدكتور محمد صابر وهيب، جراحة لتوأم ملتصق لحالة لم تتكرر منذ أكثر من 25 عاما، لفصل جنين طفيلى غير مكتمل النمو، وملتصق بطفلة حديثة الولادة بمنطقة الحوض، حيث ظهرت هذه الحالة فى قرية أبيس السابعة بمنطقة محرم بك، بعد أن تبين أن الطفلة يلتصق بها جنين طفيلى فى منطقة الحوض، وبه كبد وأمعاء لم تكتمل، وجزء من عظام الأظافر، وتبين أن عمر الجنين يتراوح بين 4 و5 أشهر، وبعد عرض الحالة على الفريق الطبى، تم إجراء جراحة فورية لفصل التوأم الطفيلى حرصا على حياة الطفلة.
وفى جراحة أخرى نادرة لإحدى أغرب العمليات الجراحية على مستوى العالم، فى يونيو من العام الماضى، نجح أطباء مستشفى الشاطبى الجامعى، فى استخراج جنين ميت من بطن طفلة رضيع عمرها أربعة أشهر، بعد أن فوجئ الطبيب أثناء توقيع الكشف الطبى الدورى على الطفلة «ندا» بوجود انتفاخ بالبطن، وأثبتت التحاليل والفحوصات الطبية وجود انتفاخ غير طبيعى، تبين فيما بعد أن هذا الورم عبارة عن جنين بتجويف بطن الطفلة، ويتغذى على شريان من الشرايين المتفرعة من الأورطى، وتبين أنها الحالة الأولى فى مصر والثالثة على مستوى العالم خلال القرن الحالى بوجود جنين داخل بطن طفلة.
«ورم يزن 6 كيلوجرامات تم استئصاله من بطن طفلة عمرها 5 سنوات» هى واحدة من أندر الحالات التى ظهرت، حيث تبين أن الطفلة تعانى من آلام مستمرة بالبطن، مما أفقدها شهيتها مع زيادة فى حجم البطن، وكشفت الإشاعات عن وجود ورم متكيس كبير الحجم وله علاقة بالأمعاء، وتم إجراء الأشعة اللازمة وإجراء الجراحة لاستئصال الورم بالكامل مع جزء صغير من الأمعاء لا يتعدى 5 سم، وفى الوقت نفسه لا يؤثر على وظيفة الأمعاء.
من جانبه قال الدكتور صابر وهيب، رئيس قسم جراحة الأطفال بمستشفى الشاطبى، إن العيوب الخلقية تعتبر أحد الأسباب الرئيسية فى زيادة وفيات الأطفال، ليس فى الإسكندرية فقط، بل فى العالم كله.
وأضاف «وهيب» أنه أجرى دراسة على عينة من الأطفال الذين حدثت لهم تشوهات للأجنة فى المحافظة، لمعرفة عوامل الخطورة المسببة للتشوهات الخلقية فى كل أجهزة جسم الأطفال، حيث كانت تهدف إلى إتاحة أفضل التغييرات لتحسين الفرص لإنجاب طفل سليم، وأهداف محددة لتحديد الخصائص الوبائية للأطفال المصابين بتشوهات خلقية، وتحديد عوامل الخطر المسببة للتشوهات، وتقدير حجم المخاطر.
وأضاف «وهيب» أن التشوهات الخلقية فى الأطفال وحديثى الولادة، خاصة ما تستدعى التدخل الجراحى منها لإنقاذ حياة الأطفال وإعادة وظيفة بعض الأعضاء والأجهزة، تمثل جزءاً كبيراً من «جراحة الأطفال»، مؤكداً تزايد معدل تواجد هذه التشوهات الخلقية بشكل كبير، حيث إن السنوات العشر الأخيرة تمثل زيادة فى العيوب الخلقية بمعدل 6 أضعاف الفترة الماضية، وأنه منذ عام 2007 إلى 2010 لوحظ تزايد العيوب الخلقية أكثر من 5 أضعاف.
وأظهرت الدراسة، التى أجريت بوحدة جراحة الأطفال بمستشفى الشاطبى بالمحافظة، أن عيوب الجهاز الهضبى الخلقية الجراحية أكثر وجوداً بين الأطفال، وتصل إلى 53%، وتم تشخيص نسبة 11% أثناء الحمل، وتبين حدوث الإصابات بين الذكور أكثر من الإناث، وأن التعليم والتثقيف العالى والحمل غير المنتظم وغير المخطط له، والمشاكل الصحية والطبية قبل الحمل وتناول الأطعمة الملوثة، من أهم أسباب زيادة العيوب الخلقية.
وتابع «وهيب» فى دراسته أن 41.17 % من عينة البحث، كانت تعانى عيوباً خلقية للجهاز الهضبى و14.11% كانوا يعانون عيوباً خلقية بالجهاز البولى، سبع حالات كانت تعانى عيوباً فى الجهاز التنفسى، و30.58% من الحالات كانت تعانى أكثر من عيب خلقى فى أكثر من جهاز بالجسم.
وذكرت الدراسة أن معظم التشوهات الخلقية من المناطق الريفية ومحافظة البحيرة تعد الأكبر فى نسبة تلك التشوهات، وأكدت تواجد بعض العيوب بشكل موسمى فى شهور معينة من السنة، وأن تلك التشوهات توجد فى الأوساط المتدنية ثقافياً واجتماعياً ومادياً بشكل أكبر.
وأكد «وهيب» أن العيوب الخلقية تعتبر أحد الأسباب والمشاكل الرئيسية المسببة لوفاة الأطفال، وتلعب مهنة الأبوين دوراً مهماً فى تكوين العيوب الخلقية فى الأطفال، حيث إن العاملين بمهنة الزراعة لديهم احتمال أكبر بإصابة أطفالهم بعيوب خلقية بالجهاز الهضبى، بينما الذين يعملون بالنسيج والمواد الكيماوية لديهم احتمال تكوين عيوب خلقية فى أكثر من جهاز بالجسم، والدليل القوى على إثبات ذلك الكلام، بحسب «وهيب»، أن العاملين بالزراعة الأكثر تعرضاً للخطورة البيئية، وإنجاب أطفال بنسبة عيوب خلقية عالية، خاصة أن معظم الحالات التى تأتى مصابة بتلك العيوب من محافظة البحيرة، فهى من المراكز الأكثر اشتغالاً بالزراعة.
وأوضحت الدراسة أن هناك عدة عوامل تساهم فى الحد من تزايد أعداد العيوب الخلقية وهى: زيادة الاهتمام بصحة الحوامل والمتابعة الجيدة والتشخيص المبكر للتشوهات الخلقية أثناء فترة الحمل، وزيادة الوعى والتثقيف الصحى، والقضاء على السبب الأخطر من أهم العوامل التى تعمل على زيادة معدل التشوهات الخلقية هو الخطورة البيئية، والاستشارة الطبية قبل الحمل، وحتى قبل الزواج، لدراسة عوامل الخطورة ومحاولة التغلب عليها، ومعالجتها للحصول على طفل سليم صحياً.
وتابع «وهيب»: «إن الاطمئنان على نمو الجنين طبيعياً، وتشخيص العيوب الخلقية مبكراً، خاصة ما يستدعى منها الإجهاض، والتشخيص المبكر لحالات موت الأجنة، والوقوف على تقدير فترة الحمل واقتراب موعد الولادة، والحرص على الولادة الطبيعية- كلها أمور مهمة، وقال إنه ولاينبغى الانسياق وراء كثرة عمل العمليات القيصرية، وما نتج عنها من مشكلة الاحتياج للحضانات، والولادة بواسطة المتخصصين وفى أماكن خاصة حتى لا يستمر مسلسل الوفيات لاستمرار ما سماه «مهزلة ولادة الدايات»، والتوعية المستمرة للأم، وإعدادها لاستقبال المولود صحياً ونفسياً لينعكس على صحة الطفل.
وأضافت الدراسة أنه لابد من توعية الأمهات من خلال الصور والمعلومات بحدوث الحمل، لوجود نسبة كبيرة يحدث لها حمل دون أن تشعر الأم، بالإضافة إلى تناول الأدوية والعقاقير ووسائل منع الحمل من هرمونات وغيرها، مما يؤدى إلى حدوث تشوهات خلقية أكيدة.
وأفادت الدراسة بوجود أنواع عديدة من التشوهات والعيوب الخلقية للأطفال التى تنقسم إلى قسمين، ظاهرية تتضمن أورام الرأس والجلد والتوأم الملتصق والطفيلية، وتشوهات داخلية وتشمل كل أجهزة الجسم مثل الفم والأنف والمرىء، والقصبة الهوائية والمعدة والأمعاء الدقيقة والغليظة وفتحة الشرج والأورام الخلقية والقلب والكلى والكبد. ونصح «وهيب» بضرورة استشارة الطبيب قبل الحمل لدراسة عوامل الخطورة ومحاولة التغلب عليها، ومعالجتها للحصول على طفل سليم صحيا.
وقال الدكتور صابر وهيب، إن معظم الأطفال المشوهين بعيوب عدم وجود جمجمة يولدون أحياء، ويستطيعون العيش لكن لفترة قصيرة تتراوح بين أيام وأسابيع، مشدداً على ضرورة قيام جميع المعنيين بأمور التشوهات الخلقية من أطباء نساء وتوليد وأشعة تليفزيونية أثناء الحمل وجراحة الأطفال بمناشدة رجال الدين الموافقة على إجراء بعض عمليات الإجهاض فى حالات العيوب الخلقية، التى يتم التأكد من تشخيصها، وكونها تشوهات خلقية يولد معها الطفل حياً لكن يستحيل أن تستمر حياة هذه الحالات بعد الولادة لفترة طويلة.
وأضاف «وهيب»: «من هذه الحالات على سبيل المثال لا الحصر الحالة التى ولدت قبل أيام بمستشفى الشاطبى، إذ كانت لطفل دون مخ برأس غير مغطى بأى طبقة تحميه مع صغر حجمه أصلاً، ففى ذلك أعباء اجتماعية ونفسية واقتصادية غير محدودة، لأن الاستمرار فى الحمل والولادة لمثل هؤلاء الأطفال يشكل مخاطر على الأم أولا وثانيا تنفق عليهم مبالغ طائلة من مصروفات حضانات وغرف العناية المركزة وإرهاق بدنى ونفسى للأهل وفى النهاية حياتهم لا تستمر طويلا فى معظم الحالات، على حد قوله.
وقالت الدكتورة سارة السيد حرب، إخصائى التغذية والعلاج الطبيعى، إن سوء التغذية يعد عاملاً من العوامل التى تؤثر على حياة الأم الحامل والجنين، حيث إن كثيراً من الأمهات يتبعن أسلواب غذاء سيئ، معتمد على كمية الغذاء التى تعتبر فى نفس الوقت غير مفيدة، بغض النظر عن نوع الغذاء.
وأضافت أن معظم السيدات لديهن أنيميا ونقص الكالسيوم، وسوء هضم ناتج عن تناول الوجبات السريعة، وزيادة نسبة النشويات فى الجسم، بسبب تناول كميات كبيرة من الأرز والسكريات.
واعتبرت «سارة» أن سوء التغذية لا يتسبب فى حدوث عيوب وتشوهات خلقية للأطفال، لكن يؤثر على صحة الأم والجنين، بينما اتباع نظام غذائى غير صحى يؤدى إلى زيادة نسبة السكر وارتفاع ضغط الدم، مما يتسبب فى حدوث تشوهات للجنين وإجهاض الأم، مؤكدة أن هناك عدة عوامل لابد أن تتبعها الأم الحامل، لحمايتها وطفلها من الإصابة بالأنيميا وارتفاع ضغط الدم ونسبة السكر، ومنها اتباع نظام غذاء صحى متكامل ومتوازن العناصر من فيتامين وبروتين ومنتجات الألبان والتقليل من النشويات والسكريات، وإجراء متابعة حمل والتحاليل اللازمة طوال فترة الحمل.