x

«الغورية».. التاريخ يعانق أكوام القمامة ويتحدى الحرائق

السبت 14-05-2016 23:30 | كتب: سمر النجار |
آثار حريق الغورية، 13 مايو 2016. آثار حريق الغورية، 13 مايو 2016. تصوير : طارق وجيه

«خد فكرة واشترى بكرة.. قرب وقلّب يا باشا».. هذه العبارة هى الأكثر تداولًا بين مرتادى منطقة الغورية الأثرية التى تغطى شوارعها الآن رائحة دخان الحرائق.

فى الغورية، المساجد الأثرية شاهد على أفعال الباعة، على حوائط مساجدها العتيقة تتراص «الملابس الداخلية»، باختصار«الغورية» تلك المنطقة الجميلة تبحث عن طوق نجاة يزيح عنها أكوام ورائحة القمامة وعبث الباعة الجائلين. «المصرى اليوم» تجولت بمنطقة الغورية، ورصدت بالقلم والكاميرا وقائع اغتيال منطقة أثرية.

شارع لا يتجاوز عرضه بضعة أمتار، لا يفترش الباعة أرضه فقط، بل أصبحت مبانيه الأثرية مكانًا لعرض الأقمشة والملابس الداخلية والأحذية على جانبى حى الغورية المزدحم ليلًا ونهارًا، والمشتهر بنظام الوكالات فى البيع والشراء منذ إنشائها، وسط أصوات متعالية تناديك «تعالى خد فكرة.. اتفرجى يا آنسة.. عندنا حاجات هتعجبك»، لكن فى الوقت الراهن الملابس المعلقة على جدران الآثار أزالت الطراز المعمارى الأصيل لهذا الشارع الذى يحتفظ بطابعه الأثرى الفريد ويضم مجمعًا ضخمًا للآثار الإسلامية من العصر الفاطمى والأيوبى والمملوكى.

منطقة الغورية تحولت إلى سوق شعبية توارت خلفه المعالم الإسلامية، فعلى سبيل المثال، مسجد الغورى وهو مسجد يقع بمنطقة الغورية عند تقاطع شارعى الأزهر والمعز، وهو أحد أشهر معالم القاهرة التاريخية، أسسه السلطان قنصوه الغورى سنة 1503ميلادية، تحولت أسواره إلى مكان لتعليق الملابس الداخلية، ولا يختلف الأمر كثيرًا فى قبة الغورى، فإلى جانب مدخل القبة يوجد «سبيل» يعلوه كتّاب، وإلى جواره 3 منازل تجتمع كلها فى وجهة واحدة، متصلة، تشرف على شارع الأزهر، والتى تحولت أسوارها أيضًا إلى مكان لعرض الملابس الداخلية.

إلى اليسار قليلًا، تجد مسجد الفكهانى، الذى كان يعرف بمسجد الأفخر سابقًا، وأنشأه الخليفة الفاطمى الظافر بنصر الله عام 1143 ميلادية، واختفت معالمه وسط الملابس المعلقة عليه، حيث يقول رواد المنطقة: إن المسجد مغلق لأنه كان من المقرر ترميمه منذ فترة طويلة ولم يتم ذلك حتى الآن.

طابعها الأثرى الفريد لم يجعلها المنطقة الأثرية الوحيدة المهملة فى مصر، فالعديد من الآثار الإسلامية تحول وسط غياب الجهات المعنية إلى أسواق ومأوى للمشردين وأكوام القمامة، فعلى الرغم من التاريخ العتيق الذى تحمله منطقة «الغورية» بين دروبها إلا أنك أينما ذهبت تجد القمامة فى كل مكان، فالقمامة حول جدران مسجد الغورى، هذه المنطقة الأثرية لا توجد بها سلة مهملات واحدة، ناهيك عن تجمعات «شرب الشيشة» التى لا تغفلها عين على سلالم المسجد وحول الآثار الإسلامية بالمنطقة.

الدكتور مصطفى أمين، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، قال إن وزارة الآثار خاطبت محافظة القاهرة أكثر من مرة لتوفير سلة مهملات بالمنطقة لحمايتها من تراكم القمامة، دون جدوى، مرجعًا الأزمة إلى سلوك الأفراد، موضحًا أن هيئة النظافة تذهب مرتين يوميا لجمع القمامة من المنطقة الأثرية، إلا أن القمامة نظرًا للسلوك الخاطئ من بعض المواطنين تتزايد باستمرار.

وعن تكرار الحرائق بالمنطقة، أضاف «أمين» أن وزارة الآثار ليس من اختصاصها نقل المحال التجارية من المنطقة، لأن جميعهم يملكون المحال بشكل قانونى من وزارة الأوقاف، وأضاف: «لذلك ما نقوم به حاليًا هو إلزام سكان المنطقة المجاورة للآثار بالالتزام بكل وسائل الحماية وبتعليمات الدفاع المدنى، حيث لابد أن يتوافر لديهم جميعًا طفايات حريق، وألا يكون هناك أى أسلاك عارية».

حالة من الاحتقان والغليان تنتاب سكان المنطقة وأصحاب محالها التجارية الذين يشعرون أن هناك مؤامرة مدبرة ضدهم ليكون هذا الحريق مبررًا لنقلهم إلى مكان آخر، مثلما يقول «س.ح»: «مش هنمشى من هنا لو على جثتنا»، رافضًا مناقشة الفكرة من الأساس.

أما «أحمد. ع»، صاحب محل لبيع الأقمشة، فيقول: «إحنا تاريخنا هنا، وفكرة نقلنا مش مطروحة ومش مقبولة»، ويضيف: «تندلع الحرائق فى كل مكان، وهذا سبب غير مفهوم لنقلنا»، مؤكدًا عدم وجود مخطط من المحافظة لنقلهم.

«محمد ص.» صاحب محل أحذية، أضاف: «هذه المنطقة أثرية، ولكن لا أحد يهتم بها»، مؤكدًا: «سوق الغورية بمثابة مَعلم من معالم المنطقة، ولا يمكن الاستغناء عنها».

حسام محمد، وهو بائع فى أحد محال الملابس الحريمى، قال: «إحنا هنا محدش بيهتم بينا، البيوت هتقع هنا ومحدش حاسس بينا»، ويضيف: «خاطبنا كل المسؤولين اللى ممكن نوصل لهم ومفيش حد معبرنا».

الوضع يختلف بالنسبة لمحبى الآثار الإسلامية من زائرى المسجد، تقول سارة دسوق، إنها تحب زيارة الأماكن الأثرية فى عطلتها الأسبوعية، مؤكدة أنها تشعر بالغضب كثيرًا من رؤية ملابس داخلية على جدران المسجد، وتضيف: «فى أول مرة جئت لزيارة المسجد لم أستطع بسهولة الوصول إلى باب المسجد من كثرة الملابس المعلقة عليه».

فاطمة محمد تؤيد سارة فى الرأى، وتضيف: «لا نريد قطع أرزاق أحد، ولكن على التجار أيضًا المحافظة على تاريخنا، وعليهم ألا يشوهوا جدران المسجد بمثل هذه المشاهد».

وتقول إيناس عبداللطيف، 35 عاما: «أنا مؤيدة تمامًا لنقل الباعة من المنطقة، وأن تتحول هذه المنطقة ذات الطابع الفريد إلى متحف أثرى»، وتوضح «فاطمة»، وهى من سكان وسط البلد: «أعتقد أنه إذا تم تنفيذ هذا الأمر ستشهد هذه المنطقة رواجًا سياحيًا رائعًا».

ويضيف السعيد حلمى، رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية، إن وزير الآثار مهتم بجميع المناطق الأثرية، وقام بزيارة منطقة الغورية بعد الحريق، ووجه تعليماته بتغيير منظومة الإضاءة وعمل نظام مكافحة للحريق بمجموعة الغورى، وكذلك تعديل مسارات الكهرباء وتغيير الأسقف بسقيفة الغورى الواقعة خلف جامع الغورى بما يتناسب مع الشكل الأثرى والحضارى للمنطقة، وكذلك يضمن حماية الزائرين من حرارة الشمس والأمطار.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية