كانت عندى ملاحظة لم أبُح بها، وفضّلت أن أتحقق منها أولاً.. وفى يوم 27 إبريل كتبت على صفحتى: «عندى ملاحظة غريبة ومثيرة، ولا أعرف دلالاتها بالضبط.. إسقاط اسم رئيس الوزراء فى اللوحة التذكارية لكل مشروعات الإسكان، وأخيراً إسقاط اسمه من افتتاح مقر وزارة الداخلية الجديد، وهو حاضر».. وتساءلت: هل هى صدفة؟.. هل لها دلالة معينة؟.. هل سقط سهواً؟.. اكتشفت أنه سقط عمداً!
أخيراً طلع الرئيس «بريئاً» من إسقاط اسم رئيس الوزراء.. اللوحات كلها تؤكد أن الدولة ليس فيها غير الرئيس ووزير الدفاع.. «افتتح الرئيس بحضور الوزير».. مع أن رئيس الوزراء حاضر فى كل المناسبات.. يقدم كلمة فى كل مرة، ويجلس بجوار الرئيس وعن يمينه فى كل مرة، ويرى بعينه أنه غير موجود فى كل مرة.. معناه أن الجيش هو الذى يفعل.. لا رئيس وزراء ولا حكومة، ولا أحد غير الجيش!
صحيح أن الرئيس لفت الأنظار إلى هذه المسألة، على الهواء مباشرة، وعاتب اللواء كامل الوزير، إلا أننى أقول إن الذين فعلوا ذلك لم يخدموا الرئيس بالمرة.. صحيح أن الجيش يشرف ويتابع ويراقب لثقتنا فيه، لكن هناك حكومة، وهناك رئيس وزراء يعمل، وهناك وزير إسكان فى المواقع ليل نهار، وهناك شركات وطنية مدنية.. «ولو لم نجدها لاخترعناها».. على الأقل حتى نقول الجيش والشعب إيد واحدة!
لا أتصيد خطأ فى هذه الواقعة ولا غيرها، ولا أريد أن أشير إلى احتكار من أى نوع، فالجيش أراد أن يُنجز مهمة، لا ينجزها بهذه الدقة، ولا هذه السرعة إلا هو.. الغريب أننى حين كتبت هذا الكلام رد أحد الأصدقاء قائلاً: ما هو دليلكم؟.. وأين مصادركم؟.. وكأننى غلطت فى ملاحظتى، مع أن الرئيس أكدها.. معناه أن هناك فريقاً يؤيد الرئيس على طول الخط.. وهؤلاء لا يخدمون الرئيس بأى حال أيضاً!
قطعاً ستخدمون الرئيس حينما تنصحونه، وستخدمون الوطن حينما تقولون الحقيقة.. ليس بهدف الانتقام ولا السخرية.. وليس بهدف الصراخ ولا المطالبة بالرحيل.. سألنى أحد الخبراء: لماذا هدأت نبرتك، وخفت حدتك؟.. قلت: أولاً هذا نظام انتخبته وأؤيده.. ثانياً لست فى حاجة إلى الصراخ، لأننى «متشاف».. ثالثاً: لست مستبعداً ولا مقصىً ولا مضطهداً.. ولكل ذلك لا أصرخ يا صديقى، ولا حتى «أسخر»!
فمن المهم أن تتسع مساحة حرية الرأى.. أتحدث عن حرية الرأى لا قلة الأدب.. ومن المهم أن يتسع صدر النظام للمعارضة.. المعارضون وطنيون، يريدون خدمة الوطن، وتصحيح المسار.. هؤلاء شىء والإخوان شىء آخر.. وجودهم يخدم النظام ويطيل عمره.. أول شىء يُسأل عنه وزير الخارجية سامح شكرى فى الخارج هو حرية الصحافة وحرية التعبير.. أيضاً وجود «مدنيين» مع الرئيس يخدم الرئيس!
لا أحد يشكك فى نوايا الرئيس، ولو كان يريد إخفاء أى شىء فعلاً لتحدث عنه فى الغرف المغلقة.. الرئيس هو من كشف عن الفساد فى الرئاسة، وهو من لفت نظر كامل الوزير بشأن سقوط اسم رئيس الوزراء.. بهذه الروح نبنى.. وبهذه الروح نطمئن.. الحرية هى التى تطيل عمر الأنظمة، والكبت يقصف عمر الأنظمة!.