كلمة الشيوعية من «الشيوع»، فالملكية شائعة وليست خاصة، والسلطة شائعة وليست حكراً، وكل الدول التي سلكت هذا الطريق انتهت نهاية واحدة اسمها الفشل، حتى قيل إن الشيوعية تاريخ نضال طويل يبدأ من الرأسمالية وينتهى إلى الرأسمالية. وحاليا تبدو كوريا الشمالية البلد الوحيد في العالم الذي مازال يتمسك بالشيوعية، ليس لشيوع الملكية وعدم احتكار السلطة، وإنما لحماية حق الحاكم أو الرئيس الذي له منزلة مقدسة جعلته يتوارث الحكم جدا عن أب عن حفيد.
وهذه القداسة بدأت منذ «كيم إيل سونج»، مؤسس كوريا الشمالية وزعيمها الذي يلقى احتراما في بلاده غير قابل للنقاش، وإلى حد القداسة، فقد شارك في محاربة اليابان وأسس، بمساعدة الاتحاد السوفيتى، دولة كوريا الشمالية، بعد أن تم تقسيم كوريا إلى دولتين يفصلهما خط العرض 38.
وهناك حكاية تستحق أن تروى عن الحرب الكورية التي بدأتها كوريا الشمالية بغزو الجنوب فجر 25 يونيو 1950، وقد فوجئت أمريكا برئاسة «هارى ترومان» بهذا الغزو، وبدلاً من أن يذهب إلى الكونجرس للحصول على قرار منه لإعلان الحرب على الكوريين فإنه اتجه إلى الأمم المتحدة للحصول على موافقته للتدخل في كوريا، منتهزاً فرصة أن الاتحاد السوفيتى كان قد قاطع مجلس الأمن احتجاجاً على شغل تايوان لمقعد الصين. ونتيجة لهذا الغياب صدر قرار مجلس الأمن يسمح لأمريكا بغزو شمال كوريا دون أن يتعرض لفيتو سوفيتى. واضطرت الصين الشيوعية، بقيادة ماوتسى تونج، إلى دخول هذه الحرب بجانب كوريا الشمالية. واستمرت الحرب حتى تم التوصل إلى اتفاق في قرية «بانمونجوم» على الخط 38. وقد اعتبرت القرية منذ ذلك التاريخ منطقة منزوعة السلاح ونقطة اتصال حتى اليوم بين ممثلى الدولتين، وكانت هذه القرية من الأماكن التي زرتها في كوريا الشمالية عام 1966 بدعوة طبعا من حكومتها.
حكم كيم إيل سونج كوريا الشمالية بقبضة قوية جدا من سبتمبر 1948 إلى وفاته في يوليو 1994 لمدة 46 سنة متواصلة، وخلفه ابنه «كيم جونج إل» من 94 إلى 2011 لمدة 17 سنة، وبعده تولى الحفيد «كيم جونج أون». ولذلك فإن أكثر مكان يزوره الكوريون المتحف الحربى الذي يعرض انتصارات الجد «كيم إيل سونج»، وجثمان الأب «كيم جونج» المحفوظ في مقبرة زجاجية.
وحتى اليوم مازالت كوريا الشمالية تنفرد بالغموض الذي يحيط بها، سواء في القلة المسموح لها باستخدام الإنترنت، أو العادات والضوابط التي تقيدها. فمثلا حددت كوريا الشمالية تقويما خاصا يبدأ منذ سنة ميلاد رئيسها «فى عام 1912 واعتبرتها السنة الأولى للتقويم»، مما يعنى أن هذا العام (2015) هو السنة 104 في التقويم الكورى. ولأن المركبات لا يسمح بها إلا للعسكريين فليست هناك إشارات مرور ضوئية وتتولى ضباط المرور من الإناث تنظيم المرور.
وفى كوريا الشمالية لا يحرمون المارجوانا ويسمحون ببيعها وتعاطيها، كما أن بها أكبر استاد في العالم، وتبلغ سعته 150 ألف متفرج (ضعف استاد القاهرة). وتدعى كوريا أنها دولة بلا أمية والتعليم اسما مجانيا ولكن على التلميذ سداد ثمن المقعد الذي يجلس عليه والأدوات التي يستخدمها وحتى المدرسين الذين يتولون التدريس له. وكوريا التي يبلغ سكانها نحو 25 مليونا نصفهم في حالة فقر شديد ومساحتها 120 كم مربع، عاصمتها «بيونج يانج» ويحرصون على ألا يزيد سكانها على ثلاثة ملايين نسمة. فهى ليست مدينة مفتوحة، ولا يستطيع أي كورى الذهاب إليها أو البقاء فيها، بل هي مخصصة للنوعية الأفضل صحياً وشكلاً وولاءً حتى يكون سكان العاصمة «الفاترينة» التي يرى زوار كوريا من خلالها صورة كوريا الجميلة.
ووسائل التسلية في كوريا محدودة، ففيها ثلاث قنوات تليفزيونية، اثنتان تعملان في نهاية الأسبوع، والقناة الثالثة في المساء، لكن كوريا الشمالية تتميز بأنها من أفضل الدول التي تنظم الاحتفالات الشعبية. بقى أن تعرف أن كوريا الشمالية لا تعترف بأنها دولة شيوعية، بل تقول إنها تخضع لنظام خاص اسمه «جوش» (juche)، وهو نظام يعنى أن الرجل هو سيد كل شىء ويقرر كل شىء!