يقول «جان كوكتو»: الفيلم كتابة بالصور، والكتابة في هذه الحالة تختلف باختلاف زوايا الصورة، الحدث الواحد يمكن أن تصنع منه عشرات الأفلام، وهو ما حدث بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 الإرهابية التي راح ضحيتها أكثر من 3 آلاف قتيل وآلاف الجرحى.
هذا اليوم الذي تغير فيه العالم وسأل الأمريكيون أنفسهم لماذا يكرهوننا؟ جعل الإدارة الأمريكية تسارع في احتواء الأزمة بسرعة وكفاءة، وجاءت هوليوود على رأس أولويات هذه الإدارة بعد وقوع الكارثة بأقل من شهر واحد، حيث كونت لجنة من 40 خبيرا فنيا لدراسة سبل توظيف صناعة السينما لدعم الحرب على الإرهاب وتحسين صورة أمريكا.
تم إنتاج عشرات الأفلام الروائية والتسجيلية عن الحدث تظهر مدى بشاعته برواية قصص إنسانية مؤثرةعن الضحايا الأبرياء.
وبحسب الخبراء فإن السيناريوهات كانت تكتب بناء على طلب خاص من المخابرات الأمريكية، التي أرادت أن تقدم للمشاهدين أفكارا وصورا ثابتة عن القوة والعظمة الأمريكية إلى جانب الصورة التقليدية بأنها بلد العدل والحرية.
وكالة المخابرات الأمريكية التي أسست في عهد الرئيس الأمريكى ترومان عام 1947، تحولت إلى أسطورة بفضل هوليوود.
ولقد بدأت العلاقة بينهما مبكرا مع بداية خمسينيات القرن الماضى، وذكرت تريشيا جنكيز، مؤلفة كتاب «دور السي آي إيه في هوليوود»، أن تدخل الوكالة في صناعة الأفلام وصل لذروته خلال الحرب الباردة، حيث كان الهدف تقديم السياسة الخارجية الأمريكية بشكل يستطيع كسب القلوب والعقول حول العالم ونشر فكرة «الحلم الأمريكى».
كان ذلك يتم من خلال مركز أبحاث لمكافحة الشيوعية تابع لوكالة المخابرات، وكانت مهمته التفاوض من أجل شراء نصوص روايات لتحويلها إلى أفلام للترويج للسياسة الأمريكية، وتعزيز صورة الحياة الأمريكية في العالم، وفى المقابل إظهار مساوئ الاتحاد السوفيتى والحكم الشيوعى والشمولى وفيلم دكتور زيفاجو خير مثال على ذلك.
هوليوود ساهمت بدور كبير في صناعة أسطورة وكالة المخابرات التي أظهرت عملائها بصورة الرجال الذين لا يقهرون، فهم الأفضل من حيث القوة والذكاء والتدريب، في أفلام هوليوود نلاحظ قدرة المخابرات المركزية الأمريكية ونفوذها فهى تستطيع أن تصل إلى أي مكان على الكرة الأرضية يختبئ فيه من تسول له نفسه لزعزعة أمن أمريكا والقضاء عليه بل سحقه.
ومن أمثلة ذلك فيلم «زيرو دارك ثيرتي» الذي يظهر جهد المخابرات الأمريكية في اعتقال أسامة بن لادن ثم قتله في عهد أوباما وعرض قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية بشهر واحد. و«أرجو» الذي يدور حول قيام المخابرات الأمريكية بتهريب بعض أعضاء البعثة الدبلوماسية من سفارة أمريكا في طهران عقب اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979، واقتحام الثوار لمقر السفارة، والفيلم يظهر تعاون عميل الوكالة مع هوليوود، والفيلم الثانى نال 3 جوائز أوسكار منها جائزة أحسن فيلم عام 2013 والأول نال جائزة أوسكارالصوت، الفيلمان تحية للحزب الديمقراطى ودعم للرئيس أوباما في الانتخابات الرئاسية لفترته الثانية أمام المرشح الجمهورى، هوليوود أثبتت وجودها في الملعب السياسى بأموال المخابرات.
هوليوود هي صالة العرض الأولى لقرارات الإدارة الأمريكية، ليس صدفة أن عددا من الأفلام تنبأت بأحداث عالمية مهمة قبل حدوثها، وهو ما جعل مجلة «ذى أتلانتيك» الأمريكية تتساءل: هل السينما في أمريكا تحكم السياسة أم العكس؟ وإلى أي حد تشارك هوليوود في عملية صناعة القرار السياسى والعسكرى الأمريكى؟.
أم أن العكس هو الصحيح، فيتم إنتاج هذه الأفلام بتوجيهات من الإدارة الأمريكية لقياس رد فعل المشاهدين في أمريكا وخارجها تمهيدا لاتخاذ قرارات سياسية أو تحركات عسكرية.
هوليوود نفوذها وخطورتها لا تأتى فقط من أنها تخدم السياسة الأمريكية، ولكنها تحتكر السيطرة والتحكم في عقول العالم بلا منافس، أفلام والت ديزنى تشكل عقل ووجدان الأطفال والمراهقين وأفلام البالغين ترسم صورة الحياة كما يجب أن تكون على الطريقة الأمريكية، ولقد حذر الرئيس الفرنسى الأسبق جاك شيراك من تأثير هوليوود على الثقافة والهوية الفرنسية، فما بالكم بتأثيرها على أوطان تآكلت هويتها ولم يعد لها كيان ثقافى قادر على المنافسة.
كما أن صناع الأفلام في هوليوود من مخرجين ومنتجين وكتاب سيناريوهات يقومون بإعادة نسج التاريخ وتقديمه يما يخدم أهدافهم، وللأسف يصبح ما يقدموه هو التاريخ الرسمى والحقيقى نظرا لانتشاره الواسع، مثل ماحدث في فيلم «الخروج: آلهة وملوك» الذي يجسد تاريخ النبى موسى وفيه مغالطات تاريخية كبيرة منها أن اليهود هم الذين بنوا الأهرامات، كما تبدو الدول العربية في الأفلام الأمريكية صحراء شاسعة، أهلها مازالوا ينتقلون على الإبل، الأفلام التي أنتجت عن حرب فيتنام شوهت سكان البلاد الضحايا وحولتهم لوحوش في مقابل إنسانية الجندى الأمريكى مثل فيلم «بلاتون» كما زورت أفلام الغرب الأمريكى تاريخ الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين .... السينما تعيد كتابة التاريخ بطريقتها، وللأسف الصورة تبقى أكثر في الذاكرة من الكلمة المطبوعة، «سى السيد» في خيالى هو يحى شاهين وأمال زايد هي «الست أمينة» .
ولقد أدرك عبدالناصر مبكرا أهمية الفن والسينما في مساندة الثورة وأحداث تغيير في الوعى المجتمعى، وقام بعدد من القرارات جعلت السينما في عصره تقدم قيما جديدة تتوافق مع قيم الثورة بلغة سينمائية راقية.... ونستكمل الحديث غدا.
[email protected]