«والآن لدينا ابن سائق حافلة وعامل النسيج الذى نشأ وتربى فى مساكن للمهاجرين الفقراء، والذى أصبح رسمياً عمدة لندن»، إن الصعود اللافت لصادق خان من أجل تسلم أهم وظيفة فى العاصمة البريطانية لا يجعل منه أول عمدة مسلم للندن فقط، لكن أيضا معقلا للتعددية الثقافية والاندماج والحراك الاجتماعى، فالعمدة الجديد ناشد اللندنيين اختيار الأمل بدلا من الخوف، وطلب منهم دعمه فى صناعة التاريخ والوقوف بوجه الإسلاموفوبيا والسياسات السلبية. هذا بالتحديد ما صنعته لندن.
ركزت حملة «خان» على المسائل الأكثر أهمية بالنسبة إلى اللندنيين، بتعهده بتجميد رسوم النقل، وخلق فرص عمل، ومعالجة أزمة السكن، والحد من التلوث. وركز خلال حملته على مسائل يهتم بها السكان فعليا. وإذا كنتم تتساءلون لماذا، فهو لأن «خان» لا يمكن له أن يكون حقا أكثر من لندنى. فهو ولد فى العاصمة البريطانية، وتعلم فى مدرسة رسمية محلية، وهو نائب عن مقاطعة توتينج التى نشأ وترعرع فيها. إنه لشىء رائع حصولنا أخيرا على عمدة للندن، من لندن، لأنه سيتطرق إلى المسائل التى تؤثر علينا حقا.
وفى كل الأحوال، كانت الجولة سهلة بالنسبة إلى «خان». فخصمه، زاك جولد سميث، الذى بدا زعيما طبيعيا للجيل المقبل من حزب المحافظين، ظهر كأنه يستطيع خوض معركة جيدة ضد صادق خان، لكن بعد تركيزه طاقاته على ديانة منافسه أكثر من أى موضوع آخر، بدأت إطارات حافلة حملة «جولد سميث» بالتفكك. إذا كنتم تبحثون عن مثال لحملة تغضب وتنفر أجزاء كبيرة من الناخبين، ألقوا نظرة فحسب على حالة الفوضى التى شهدها حزب المحافظين خلال الأشهر السابقة.
فبعد مساندته للمجتمع البريطانى الآسيوى بالمنشورات والبيانات التى أظهرت افتراضات مرضية لأولوياتهم، عمل المحافظون بلا كلل على تصوير «صادق خان» كأنه متعاطف مع التطرّف الإسلامى. حتى إن «جولد سميث» اعتبر أنه فى حال وصول «خان» إلى منصب عمدة لندن فإنه سيكون كارثة بسبب تهديد الإرهاب. وخلال الحملة التى ساندها رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون، وبوريس جونسون، حاول «جولد سميث» اللعب على وتر مشاعر «الإسلاموفوبيا»، والشعور بالرهبة من الدين الإسلامى، وعرقلة «خان» من خلال سلسلة من التصريحات غير المرغوب فيها.
وإذا أخذت ثانية لتسأل نفسك: لو لم يكن صادق خان مسلما، هل كانت حملة حزب المحافظين ستكون مختلفة؟، الإجابة هى نعم، لذلك لم يكن لاستراتيجية حملتهم، فى أكثر مدينة متعددة الثقافات حول العالم والتى تضم أكثر من مليون مسلم، أن تكون أكثر بعدا عن الواقع. ففى مدينة حيث سياسات الأمل والتشجيع نجحت دائما، لم يتمتع الخوف والكراهية والتقسيم بكل بساطة بأى فرصة.
لهذا السبب كانت حملة «خان» فعالة جدا، فأعضاء حزب المحافظين لعبوا بامتياز ضمن تكتيكاته هو، وهذا بدوره جعل مرشح حزب العمال يبدو أكثر إيجابية وأقل تطرفا. سياساته وطباعه كانت ساطعة ومشرقة بالمقارنة مع «جولد سميث»، الذى غرقت حملته بالكراهية والسلبية. وشكل تاريخ «خان» بالنضال من أجل تحسين الأوضاع فى لندن، فعلى سبيل المثال كان هو من دفع بمشروع مترو أنفاق «كروسريل» لوزير النقل، وهو أكبر خط للأنفاق فى أوروبا، والذى يمتد تحت الأرض فى جنوب شرق لندن بما يعادل مسافة 23 ميلا، ما يعد مؤشرا على نهجه بالنسبة إلى العاصمة هذا هو موطنه وهو يهتم بأمره حقا.
لكن يأتى الآن التحدى الأكبر له وهو أن عليه تلبية توقعات عالية جدا. فقد تمت قيادة العاصمة على مدى السنوات الـ16 الماضية من قبل قوتين سياسيتين كبيرتين: بوريس جونسون وكين ليفينجستون. والآن وبما أن احتكارهما للندن قد انكسر، سيكون من الواجب على «خان» العمل بجد مذهل لإثبات نفسه والعمل خارج الصندوق لتأمين إرث دائم.
هذا التحدى سيأتى قريبا جدا، لكن الآن دعونا نفرح بحقيقة أن لندن برهنت لباقى دول العالم أن الأمل دائما يتجاوز السلبية، وأن أى شخص، من أى خلفية، يمكنه إنجاز وتحقيق أى شىء فى هذه المدينة المدهشة. وقد أعادت هذه النتيجة تأكيد إيمانى بأن لندن هى أعظم مدينة على وجه الأرض وأنا فخور بتسمية هذا المكان منزلى.
نقلاً عن صحيفة «إندبندنت» البريطانية
ترجمة- غادة غالب