x

صناعات في خطر.. الغزل والنسيج (الحلقة الأولي) (ملف)

الجمعة 06-05-2016 20:59 | كتب: أحمد بلال |
مصانع الغزل مصانع الغزل تصوير : اخبار

ليست مجرد استثمارات مهدرة، ولا قطاعات صناعية بالكامل مهددة، وإنما اقتصاد بالكامل مهمل ومهدر، صناعات استراتيجية هى وحدها الكفيلة ببناء اقتصاد منتج حقيقى، يوفر فرص العمل والنقد الأجنبى والتنمية الحقيقية العائدة على كافة المواطنين. اقتصاد قوى هو وحده الكفيل ببناء دولة قوية ومستقرة حتى فى أخطر الأزمات، ولنا فى ما قدمته هذه الصناعات خلال عملية إعادة بناء الجيش فى أعقاب النكسة، ثم معركة تحرير الأرض عبرة.

أكثر من مناسبة، دفعت «المصرى اليوم» لطرح هذا الملف فى هذا التوقيت تحديدًا، قد يكون أولاها استعادة وزارة قطاع الأعمال العام، وثانيتها عيد العمال، أما الثالثة، وليست الأخيرة، فهى «أزمة الدولار» ، والتى يتسبب فيها فتح الباب أمام استيراد كل شىء.

صناعات متعددة كانت سندًا للدولة المصرية وشعبها وجيشها حتى فى أحلك الظروف، من بينها صناعة الغزل والنسيج، كذلك صناعة الألومنيوم، تمامًا كما هو الحال فى مجمع الحديد والصلب بحلوان، وصناعة السكر، التى تنتج إلى جانب منتجها الرئيسى أكثر من 20 منتجا صناعيا آخر، كذلك صناعة المراجل البخارية، ومالها من خطورة استراتيجية، كل هذه الصناعات وغيرها فى خطر حقيقى، وما دامت الصناعة فى خطر، فإن الوطن أيضًا يكون كذلك.


٣٣

عدد الشركات التابعة لـ«القابضة للغزل والنسيج»

375

عدد المصانع المتبقية فى شبرا الخيمة من أصل 1100 مصنع

480

عدد مصانع النسيج التى تم إغلاقها فى المحلة بعد 2011 من أصل 1200 مصنع

1927

تأسيس شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة على يد طلعت حرب

16000

عدد العاملين بغزل المحلة من أصل 35 ألف عامل

210

رقم قانون تحرير القطن الصادر عام 1994 وهو من أهم أسباب انهيار الصناعة.

«صناعة الستر» فى انتظار «الإرادة السياسية»
مصانع الغزل

لم تكن صناعة الغزل والنسيج صناعة عادية فى مصر، التى كانت تشتهر بقطنها المميز، كانت صناعة استراتيجية، تستوعب النسبة الأكبر من العمالة المصرية، وتساهم بالنسبة الأكبر فى الصادرات المصرية، وتمثل مصدرًا مهما للعملة الأجنبية، وساهمت مع غيرها من الصناعات الاستراتيجية فى تأمين الاقتصاد واحتياجات الشعب المصرى فى أوقات الحروب.

الوضع اليوم يختلف تمامًا عما كان عليه من قبل، الصناعة التى بدأ انهيارها مع قرار تحرير القطن المصرى، عام 1995، تواجه من الأعباء ما هو كفيل بتعليق لافتة «مصنع للإيجار» أو «المصنع مغلق» على كل أبواب مصانعها، كما هو الحال فى شبرا الخيمة، سنوات طويلة حاول خلالها أبناء الصناعة طرح مشاكلهم ورؤيتهم لحلولها مرات عديدة على المسؤولين، عُقدت المؤتمرات، وشكلت لجان بقرارات وزارية، وأعلن كبار المسؤولين فى الدولة اهتمامهم بالأمر، إلا أن شيئًا لم يتغير بل تزداد الأمور سوءًا، فى انتظار إرادة سياسية حقيقية لإنقاذ هذه الصناعة. حزمة من التعقيدات والأعباء تواجهها «صناعة الستر»، كما يطلق عليها نائب رئيس جمعية الصناعات النسجية بشبرا الخيمة، كل منها كفيل بهدم صناعة وحده، وكما تتنوع الأعباء، تتنوع الجهات والهيئات المسؤولة عنها، ابتداء من وزارة الزراعة، وحتى التجارة والصناعة، مرورًا بالاستثمار والبترول والكهرباء والمالية والجمارك وغيرها من مؤسسات رسمية.المزيد

المحلة الكبرى.. مدينة تدفع ثمن انهيار الصناعة
مصانع الغزل

مدينتان ارتبطتا بصناعة الغزل والنسيج وارتبطت بهما، وبين هذه العلاقة وتلك تعلقت حياة مئات الآلاف من العمال وأسرهم، من أبناء شبرا الخيمة والمحلة الكبرى، مهد صناعة الغزل والنسيج وعاصمتها، منذ أسس طلعت باشا حرب شركة مصر للغزل والنسيج فى المدينة عام 1927، فى محاولة لبناء اقتصاد وطنى قوى.

عاشت المدينتان وعمالهما وأبناؤهما كافة عصرًا ذهبيًا، ارتبط هو الآخر بالعصر الذهبى لصناعة النسيج، اكتسبتا فى ذلك التوقيت وصفهما بأنهما قلعتا مصر الصناعية الكبرى. عُرف عن عمالهما فى ذلك التوقيت المهارة فى العمل، وعُرف عنهما أيضًا تقديسهما له، ذلك وغيره، قبل أن تعرف الصناعة طريقها إلى الانهيار فى منتصف التسعينيات، خاصة مع قرار تحرير القطن، الأمر الذى انعكس هو الآخر على واقع المدينتين وعمالهما ومصانعهما.

نائب رئيس رابطة المصانع بالمحلة يتحدث للمصري اليوم

«بنك مصر عمل مصنع يغزل القطن اللى إنتو بتزرعوه.. ويعمل منه القماش اللى إنتم بتلبسوه، كنا زمان بنزرع القطن لياخده منا الإنجليز، إحنا النهارده بنزرع القطن، وهانحوله إلى قماش، إحنا اللى هنزرع القطن وحنغزله وحننسجه عشان يبقى كل شىء من مصر صناعة وطنية، ابعتوا ولادكم يتعلموا صنعة وهاياخدوا أجر كويس».. هكذا طاف المنادون على القرى المحيطة بالمحلة، مرغبين أبناءها فى العمل بالشركة الوليدة، كما نقل لنا العامل «فكرى الخولى» المشهد الذى وقع فى عام 1927، فى روايته «الرحلة».المزيد

شبرا الخيمة.. «قلعة الغزل» فى طريقها إلى الزوال
نائب رئيس رابطة المصانع بالمحلة يتحدث للمصري اليوم

فى ساحة كبيرة يملؤها التراب، كانت ذات يوم جزءا من مصنع من طابقين، تقف وحيدة، بعد أن كانت ذات يوم واحدة من 70 ماكينة تعمل فى المكان نفسه. التراب يعلوها من كل جانب، وملصقان يعبران بشكل كبير عن طبيعة المدينة والوطن، الأول يحمل جملة «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، والثانى يحمل صورة الأنبا أنطونيوس، أبوالرهبان. من داخلها يطل ثوب من القماش الأبيض، أو هكذا كان لونه، هو آخر ما أنتجته هذه الماكينة، وكأنها تقول: «مازلت قادرة على العمل».

فى شبرا الخيمة، المدينة التى كانت يومًا قلعة صناعية، عمادها الرئيسى الغزل والنسيج، وقف صاحب المصنع المغلق وسط الساحة التى تتصدرها آيتان، الأولى من القرآن: «هذا من فضل ربى»، والثانية من الإنجيل: «جعلت الرب أمامى فى كل حين»، واللتان ما كان بمقدورنا أن نسمع منهما حرفًا، إذا كنا حضرنا إليه قبل سنوات، بسبب صوت ماكينات النسيج، الذى لم يعد له وجود. تحدث الرجل، بعد أن طلب عدم ذكر اسمه قائلًا: «ورثت صناعة النسيج عن أبى وأجدادى، الذين كانوا يعملون به منذ النول اليدوى، وأقمت هذا المصنع فى 1963، حتى وصلنا لمرحلة أننا بِعْنا الماكينات خردة، بسبب القرف اللى احنا فيه».

مصانع الغزل

فى الطريق إلى المنطقة الصناعية بشبرا الخيمة، يستوقفك برج ضخم بشارع أحمد عرابى، ارتفعت طوابقه فى موقع شركة القاهرة للصباغة والتجهيز، والتى كانت تضم 4500 عامل، والتى تم هدمها بعد خصخصتها، أبراج أخرى أصبحت تحل محل مصانع فى المنطقة نفسها، مثل برج الخير بأرض نوبار، والذى تم بناؤه فى موقع مصنع نورالدين، وفى مواجهة البرج وبداية المنطقة الصناعية بشبرا الخيمة يجرى بناء مول تجارى كبير.المزيد

«تحرير تجارة القطن».. حكم بـ«إعدام الغزل والنسيج»
صناعة الغزل

كان العام 1994 فارقًا، ليس فى صناعة الغزل والنسيج المصرية فقط، وإنما أيضًا فى تربع مصر على عرش القطن العالمى، وتميزها بذهبها الأبيض، القطن طويل التيلة وفائق الطول، فى هذا العام صدر القانون 210 لسنة 94، بتحرير تجارة القطن، ما وضع شركات الغزل والنسيج، التابعة للشركة القابضة، وعددها ٣٣ شركة تضم 63 مصنعًا، والتى تمثل المستهلك الرئيسى للقطن المصرى أمام تحدى توفير القطن الذى تم تحرير تجارته، بعد أن كانت الدولة هى التى تقوم بالمهمة.

«الحكومة لم تورد لهم القطن، والشركة القابضة قالت لهم اتصرفوا»، يقولها رئيس مجلس القطن المصرى، بوزارة الزراعة، الدكتور محمد عبدالمجيد، مضيفا: «فى عام 1994، كان قنطار القطن بـ 100 جنيه، بعد قانون تحرير تجارته بلغ سعر القنطار 500 جنيه شركة مصر للغزل والنسيج، على سبيل المثال، كانت تستهلك مليون قنطار قطن، ارتفع سعره من 100 إلى 500 مليون، من هنا بدأت الشركات تسحب على المكشوف كى تغطى احتياجاتها وبدأ يكون عليها مديونيات». يُشير المثال الذى ضربه الدكتور محمد عبدالمجيد إلى خسارة شركة غزل المحلة وحدها 400 مليون جنيه فى عام، هى ثمن زيادة سعر القطن وحده.المزيد

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية