x

شبرا الخيمة.. «قلعة الغزل» فى طريقها إلى الزوال

الجمعة 06-05-2016 19:33 | كتب: أحمد بلال |
مصانع الغزل مصانع الغزل تصوير : اخبار

فى ساحة كبيرة يملؤها التراب، كانت ذات يوم جزءا من مصنع من طابقين، تقف وحيدة، بعد أن كانت ذات يوم واحدة من 70 ماكينة تعمل فى المكان نفسه. التراب يعلوها من كل جانب، وملصقان يعبران بشكل كبير عن طبيعة المدينة والوطن، الأول يحمل جملة «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، والثانى يحمل صورة الأنبا أنطونيوس، أبوالرهبان. من داخلها يطل ثوب من القماش الأبيض، أو هكذا كان لونه، هو آخر ما أنتجته هذه الماكينة، وكأنها تقول: «مازلت قادرة على العمل».

فى شبرا الخيمة، المدينة التى كانت يومًا قلعة صناعية، عمادها الرئيسى الغزل والنسيج، وقف صاحب المصنع المغلق وسط الساحة التى تتصدرها آيتان، الأولى من القرآن: «هذا من فضل ربى»، والثانية من الإنجيل: «جعلت الرب أمامى فى كل حين»، واللتان ما كان بمقدورنا أن نسمع منهما حرفًا، إذا كنا حضرنا إليه قبل سنوات، بسبب صوت ماكينات النسيج، الذى لم يعد له وجود. تحدث الرجل، بعد أن طلب عدم ذكر اسمه قائلًا: «ورثت صناعة النسيج عن أبى وأجدادى، الذين كانوا يعملون به منذ النول اليدوى، وأقمت هذا المصنع فى 1963، حتى وصلنا لمرحلة أننا بِعْنا الماكينات خردة، بسبب القرف اللى احنا فيه».

فى الطريق إلى المنطقة الصناعية بشبرا الخيمة، يستوقفك برج ضخم بشارع أحمد عرابى، ارتفعت طوابقه فى موقع شركة القاهرة للصباغة والتجهيز، والتى كانت تضم 4500 عامل، والتى تم هدمها بعد خصخصتها، أبراج أخرى أصبحت تحل محل مصانع فى المنطقة نفسها، مثل برج الخير بأرض نوبار، والذى تم بناؤه فى موقع مصنع نورالدين، وفى مواجهة البرج وبداية المنطقة الصناعية بشبرا الخيمة يجرى بناء مول تجارى كبير.

الوضع داخل المنطقة الصناعية لا يختلف كثيرًا، شوارع بالكامل أبواب المصانع على جانبيها مغلقة بأقفال حديدية، وأمام بعضها كميات من القمامة كفيلة بإغلاقها دون أقفال. وعلى أحدها عُلقت ورقتان تعبران بشكل واقعى عما وصلت إليه صناعة الغزل والنسيج، على إحداها كُتب: «مصنع للإيجار»، وعلى الأخرى: «توجد 10 ماكينات مكوك نسيج للبيع».

مصانع أخرى أيضًا داخل المنطقة الصناعية تم هدمها، مثل مصنع أولاد شعير ومصنع عيسى الفقى، الذى حلت محله مياه راكدة وقمامة. يقول أسامة الحوفى، مدير الجمعية التعاونية الإنتاجية لأصحاب مصانع النسيج بشبرا الخيمة، إن أصحاب المصانع أصبحوا يفضلون بناء الأبراج أو بيع الأرض بدلًا من الاستمرار فى الصناعة بسبب ما يواجهها من معوقات.

«صناعة النسيج هى القاطرة التى تشد وراءها العديد من الصناعات»، هكذا يقول أسامة الحوفى، قبل أن يضيف: «نشعر أن أحدًا لا يريد استمرار هذه الصناعة، التى تُحارَب منذ أكثر من 30 عامًا، ولا أحد يهتم، مشاكلنا لم تتغير منذ 3 عقود، قابلنا خلالها كل وزراء الصناعة، وطرحنا عليهم مشاكلنا والحلول من وجهة نظرنا، ولم يتحرك أحد طوال هذه المدة، وأشك أن يتحرك أحد لإنقاذ هذه الصناعة!».

يبلغ أسامة الحوفى من العمر 54 عامًا، قضى منها 35 عامًا فى صناعة النسيج، التى ورثها أبًا عن جد، مثل الكثيرين من أبناء المهنة، ويقول: «ورثت المهنة عن والدى، أحبها وغيور عليها جدًا، هذه المهنة هى مهنة ستر، هى التى تستر المصريين، أقسم بالله أول ما تنتهى هذه الصناعة لن تجد أحدًا قادرًا على شراء قميص، وإذا استمرت الأمور على ما هى عليه، فستنتهى صناعة النسيج تمامًا فى شبرا الخيمة فى غضون 5 سنوات».

ويضيف الحوفى: «كبرنا على تسمية شبرا الخيمة والمحلة الكبرى قلاعًا صناعية، لكن المدينتين، خاصة شبرا، اختلفتا تمامًا عما كانتا عليه من قبل، المدينة كانت تضم قرابة 1100 مصنع غزل ونسيج، إلى جانب العديد من الورش التى تخدم هذه الصناعة، وتعمل على مراحلها المختلفة، والتى كان عددها يزيد بكثير على عدد المصانع، التى لم يتبق منها حاليًا سوى 375 مصنعا، وبسبب الأعباء المتزايدة يفضل أصحاب المصانع هدمها وبناء أبراج محلها، أو بيع الأرض، لا نستطيع أن نتأخر فى رواتب عمال، ولا فواتير كهرباء، وإلا ستكون هناك غرامات، وقد يكون هناك حبس، هذا إلى جانب محاضر مجلس المدينة التى يحررونها لنا، فمحضر القمامة الواحد بـ 5000 جنيه، علمًا بأن مخلفات مصنع النسيج تُباع، لا نرمى قمامة فى الشوارع كى يتم تغريمنا بآلاف الجنيهات، هم يعاقبوننا لأننا مازلنا مستمرين فى هذه الصناعة!».

ويتابع الحوفى: «والدى كان لديه مصنع يعمل به أكثر من 250 عاملا، أغلقناه، وحاليًا لدينا مصنع واحد، نحن كصناع نموت منذ عام 2008، والصناعة فى تدهور حقيقى منذ هذا التاريخ، حاليًا الجميع يفضل الخروج منها بأقل الخسائر، فيبيعون ماكيناتهم خردة بأقل من ربع ثمنها، عمال النسيج فى شبرا كان عددهم 250 ألفا، حاليًا لم يتبق منهم سوى حوالى 50 ألفًا، وكثيرون ممن تم تسريحهم أصبحوا سائقى توك توك».

«خربانة يا باشا.. خلاص.. مش عارفين نلاقيها منين ولا منين، المستوردين قافلين الدنيا، مش عارفين نشتغل»، هكذا بادرنى إيهاب عمارة، فى مصنعه بالمنطقة الصناعية بشبرا الخيمة، والذى حوَّله إلى مخزن. ويقول: «ورثت المهنة أبًا عن جد، إلا أننى اضطررت لإغلاق مصنعين، أحدهما مساحته 1600 متر، وحولت هذا المصنع إلى مخزن، ولدينا الآن مصنعان فقطـ، أحدهما فى شبرا الخيمة والآخر فى العبور».

ويُشير «عمارة» إلى بعض الأعباء التى تواجهه، فيقول: «كنت أدفع للمصنع 160 ألف جنيه كهرباء، وصلت الآن إلى 407 آلاف، إلى جانب مبلغ يسمى (قسط ثابت)، يبلغ 21 ألف جنيه، أدفعه حتى إذا لم أستهلك كيلووات واحد من الكهرباء. ورغم أن الشقة السكنية تستهلك مياها أكثر من المصنع، حيث لا يوجد فى المصنع سوى مكتب، ومع ذلك ندفع 3000 جنيه مياه، ومؤخرًا قاموا بتحرير محاضر لجميع المصانع فى المنطقة الصناعية تصل قيمتها إلى 15 و20 ألف جنيه، حتى لهؤلاء غير المستفيدين من خدمات شركة المياه، وعندما توجهوا للشكوى كان الرد: ادفع أولًا، ثم تصالح وأدخل المياه».

ويضيف إيهاب عمارة: «أزمة الدولار أيضًا أثرت علينا بشكل كبير، سابقًا كنت أشترى الدولار من أى مصدر لتغطية احتياجاتى، لاستيرادى مستلزمات إنتاج، ثم فوجئنا بالبنوك تخطرنا بأنه غير مسموح لنا سوى بتوفير 50 ألف دولار فقط، أما المبلغ الباقى فستدبره البنوك، هذا فى حين أنها لا توفر لنا المبالغ المطلوبة، رغم أن أموالنا مودعة فى البنك بالجنيه المصرى.. آخر شحنة استوردتها من الخارج ظلت فى الميناء لمدة 75 يومًا، فدفعت لخمس حاويات 37 ألف دولار، لم تستفد بها الدولة، ولكن استفاد بها التوكيل الملاحى الأجنبى، بسبب تأخر الحاويات، هذا إلى جانب 46 ألف جنيه أرضيات للميناء».

ويتابع عمارة: «بعد كل هذه التكلفة ينزل المستورد ويخربها.. مادامت هناك مناطق حرة فستظل حنفية التهريب مفتوحة، المصانع تستورد منتجات بدعوى إعادة تصنيعها فى هذه المناطق، معفاة من الجمارك والضرائب، ثم تعيد تصدير منتجات أخرى أقل جودة، تلقى فى البحر، أما ما تم استيراده فيتم تهريبه للسوق المحلية».

فى مخزن كبير ملىء بالأقمشة، تحدث عيسى مصطفى، 60 عامًا، صاحب شركة الإمام، عضو غرفة صناعة النسيج باتحاد الصناعات، قائلا: «هذا المكان كان مليئا بالماكينات، أغلقنا المصنع وحوَّلناه إلى مخزن، للأسف المنتج المصرى ليس لديه مَن يحميه، كان لدىَّ 4 مصانع لم يتبق منها سوى مصنع واحد. الأفضل من فتح مشاريع جديدة تشغيل المشاريع الموجودة بالفعل مثل هذه الصناعة، لذا أقترح تحديث شركة أو شركتين من شركات الغزل الكبرى كل عام، لتوفير غزل مصرى لجميع المصانع، بدلًا من استيراده».

ويضيف «مصطفى»، الذى يعمل فى النسيج منذ عام 1975، بعد أن ورث المهنة عن والده: «هناك توجيهات من رئيس الجمهورية وقرار من وزير الداخلية الأسبق، منصور عيسوى، بمنع استيراد أقمشة تُستخدم فى صناعة ملابس أبناء الوزارة، بحيث تستخدم (الداخلية) منتجا مصريا بنسبة 100%، إلا أن المسؤولين عن المنطقة الصناعية التابعة لوزارة الداخلية، والمقامة على طريق القاهرة- السويس، ويتم داخلها تصنيع الملابس للعاملين بالوزارة، يشترون اليوم قماشًا مستوردًا، بدلًا من شراء المنتج المحلى، وهو ما تسبب فى امتلاء مخازننا بالقماش الذى كنا نورده لهم، خاصة أن ألوانه من الصعب تسويقها، مثل اللون الكاكى».

ويتابع: «المنطقة الصناعية التابعة للشرطة معفاة من الضرائب، وعندما تشترى المنتج المستورد لا يدفع التاجر ضريبة المبيعات، وهذا يعنى أن وزارة الداخلية تدعم المنتج الأجنبى على حساب المنتج الوطنى!».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية