x

محمد المخزنجي عندما نتأمّل تجربة النهوض الكورية ينبغى أن نفيق ونراجع أنفسنا محمد المخزنجي الأربعاء 04-05-2016 21:45


منذ أسبوعين جاء إلى بيتى مَن يحمل مجموعة من إصدارات «كتب خان» ولم أكن أعرف أن هذه الدار تضطلع بالنشر، فهى كما عرفتها منذ عشر سنوات وعرفت مؤسستها الأستاذة كرم يوسف، متجر للكتب عصرى الطراز، به مكان يمكّن زائره من الجلوس مع كتاب وفنجان قهوة أو كوب شاى أو عصير، إضافة لأنشطة تتضمن معارض فنية وندوات وحفلات توقيع وورش كتابة، وهو نشاط كان جديدا فى حينه وينهض على أكتاف رقيقة لسيدات شابات شديدات التحضر ومؤمنات إيمانًا صافيًا بدور الثقافة، ويدعمهن أزواج وأهل لابد أن فيهم شجاعة ونبالة وتحضرًا موازيًا لدعم زوجاتهم وبناتهم فى هذا الدور. فحصت الكتب، ووجدتها جميعًا بين الجيدة والجيدة جدا، لكننى توقفت أمام كتاب عنوانه «السامريون الأشرار ـ الدول الغنية والسياسات الفقيرة وتهديد العالم النامى» لمؤلفه ها ـ جوو تشانج. وبتصفحه، أيقنت أنه كتاب شديد الأهمية لنا، هنا، والآن، وأنها بطولة من هذه الدار فى نشر كتاب كهذا غير واعد بالربح، هنا، والآن أيضا، وقد كنت قرأت لمؤلفه كتابا آخر هو «ركل السلم» يقدم نظرة فى مفاهيم التنمية تنسف ما تم فرضه على عقولنا وحكوماتنا من قناعات اقتصادية براقة وخناقة، ثم إن مترجم هذا الكتاب أحمد شافعى، عرفته يتميز بعنصر شديد الأهمية لدى المترجم المبدع، وهو سرعة لمح الجديد والمفيد وخطير الشأن مما تطرحه الكتب والمقالات التى يُحسِن ترجمتها دون تردد ولا تأخير.

صرخة ينبغى ألا تتبدّد

هذا الكتاب الجديد صرخة لا ينبغى أبدًا أن تتبدّد فى وادٍ، خاصة وادينا المتعوس بقصر نظر المضطلعين بعملية التنمية على أرضه منذ عقود، وعمى الكثيرين الذين لا تشغلهم أبدًا قضية التنمية، التى أراها أخطر من قضية الحريات، وإن كانت لا تنفصل عنها، وهو ما عبر عنه اقتصادى بارع ومعارض للتيار السائد فى مفاهيم التنمية، وهو الهندى الحائز على جائزة نوبل «أمارتيا صِن» فى كتابه «التنمية حرية». لكن أى حرية، بأى كيفية وفى أى توقيت؟ هذا ما لم ينجلِ فى قراءتى لـ«أماريتا صن»، وصار واضحا للغاية عبر قراءتى لكتاب «ها ـ جوون تشانج» الذى سأعرض لبعضه هنا، دون تدخل تقريبا، وأتصور أنه يحتمل رحبة أخرى بل حتى رحبات. فهو يقلب الطاولة على دعاة ما يسمى الليبرالية الجديدة فى مفاهيم التنمية، وقد سمعنا من يصرخ بيننا الآن: «هاتوا سين» «هاتوا صاد»، لإنقاذنا من مأزقنا الاقتصادى الذى لم يعد خافيا على أحد، على اعتبار أنهم عباقرة فرطنا فيهم فاختطفتهم المنظمات الدولية ليكونوا مستشارين لها، واتخذتهم بعض الدول لتخطيط اقتصادها وماليتها. وقد يكون هؤلاء عباقرة اقتصاد ومالية فى إطار مُعين، لكنهم بالممارسة لدينا فشلوا، ولعلنا نتذكر الهاجس العام حول احتمال تفجر ثورة جياع الذى كان يؤرقنا جميعا قبل انفجار 25 يناير، بينما كانت أرقامهم ومؤشراتهم تؤكد حدوث معدلات تنمية غير مسبوقة، ثم لماذا هذا الاستصراخ لهم بينما منهجهم لايزال حاكما فى تسيير معظم أمور التنمية لدينا، وإن بعشوائية وسطحية أكثر؟!

لقد تذكرت كتاب المؤلفَين إكيو موريتا ـ مؤسس شركة سونى ـ والدبلوماسى إيشيهارا «اليابان التى تستطيع أن تقول لا» وأنا أقرأ هذا الكتاب، الذى يمكن أن نقول مطمئنين من خلال حديثه الموثَّق عن التجربة الكورية «كوريا التى استطاعت أن تقول لا»، وهى هنا ليست لا للهيمنة الأمريكية الاقتصادية وحدها، بل لا لبقائها هى فى حضيض العالم، لا لبؤسها وهوان حالها على نفسها وعلى غيرها، لا لرخاوة الهمة والاستنامة لليأس وبيع المستقبل لشراء الكفاف فى الحاضر، إنها ملحمة بشرية تنموية مدهشة تجعلنى، بكل الحزن والغضب، أحس أننا كأمة ــ بكل فُرقائها ـ نهرج تهريجا أسود، إلا قليلا، بشأن مسألة حياة أو موت كقضية التنمية.

بلد يعبر جسر الآلام

عام 1961، بعد ثمانى سنوات من الحرب الأخوية الكورية التى قُتل فيها 4 ملايين إنسان، تجمد الدخل (السنوى) للفرد الكورى عند 82 دولارا، أى 6.83 دولار شهريًّا، وبحساب أن الجنيه المصرى حينذاك كان يساوى 2.3 دولار، فإن دخل الفرد الكورى شهريا كان يعادل أقل من ثلاثة جنيهات! وكانت تلك الحرب قد دمرت نحو نصف القاعدة التصنيعية لكوريا الجنوبية، كما دمرت 75% من السكك الحديدية، واعتُبِرت كوريا نموذجا للفشل التنموى، حتى إن هيئة المعونة الأمريكية وصفتها بأنها «هوَّة لا قرار لها»، ولم تكُن صادراتها تزيد عن مادة التنجستن الخام والسمك والباروكات المصنوعة من الشعر البشرى للبنات الفقيرات!.

يحكى المؤلف الذى هو ابن موظف كبير بوزارة المالية وخاله جنرال بارز من ضباط الجيش، عن البيت الذى عاش فيه حتى بلغ السادسة (حوالى العام 1968) بأنه كان من البيوت الصغيرة فى العاصمة سِول، ويتكون من غرفتى نوم فقط، ويفتقر لنظام تدفئة فى بلد تنخفض درجة حرارة شتائه حتى 20 تحت الصفر، ولم يكن بالبيت مرحاض خاص حديث، فتلك كانت رفاهية. ولم يدخل التليفزيون الأبيض والأسود هذا البيت إلا لأن الوالد استطاع أثناء ابتعاثه إلى جامعة هارفارد لمدة سنة أن يوفر من قوته ليشترى هذا الجهاز الذى كان الوحيد فى الحى. وحدث أن حل على هذا البيت ابن عم نازح من مدينة كوانجو فسأل ربة البيت عن ماهية «تلك الخزانة البيضاء الغريبة الموضوعة فى غرفة المعيشة». ولم تكن تلك إلا الثلاجة التى لم يتسع لها المطبخ الصغير. وينقل المؤلف عن زوجته «هى جيونج» المولودة عام 1966 أن جيرانهم كانوا معتادين على «إيداع» لحومهم الثمينة فى ثلاجة أمها وكانت زوجة طبيب ثرى، فكانت بمثابة مديرة مصرف سويسرى فى المنطقة التى ليس بها إلا هذه الثلاجة!

ومع صعود معجزة كوريا الاقتصادية (1969 ـ 1981)، انتقلت الأسرة إلى بيت أوسع، ولم يكن به مرحاض حديث أيضا، وإن حظى بنظام تدفئة مركزى بدائى محلى الصنع سرعان ما اشتعلت فيه النار وكادت تحرق الجميع. علما بأن أغلب البيوت حينذاك كانت تتدفأ بقوالب الفحم التى تقتل الآلاف كل شتاء نتيجة التسمم بغاز أول أكسيد الكربون. وفى تلك الفترة، وتحديدا عام 1970 حين كان المؤلف فى المرحلة الابتدائية، بمدرسة خاصة، كان عدد التلاميذ فى الفصل 65 تلميذا، بينما وصل العدد فى المدرسة المجاورة إلى 90، أما المعدل فى المدارس الحكومية فكان يصل إلى 100 تلميذ فى الفصل وأكثر، فيما تعمل المدارس والمدرسون فترتين وثلاث فترات فى اليوم الواحد، وفى ظروف كهذه ـ يذكر الكاتب «لم يكن مدهشا أن يقوم التعليم على ضرب التلاميذ وتدريس أى شىء من خلال التلقين».

من القاع إلى القمة

فى ذلك العام 1961 تولى الجنرال «بارك» السلطة بعد انقلاب عسكرى، وتحول إلى مدنى، وفاز بثلاثة انتخابات متعاقبة، وكان مما عزز انتصاراته الانتخابية نجاحه فى إطلاق معجزة البلد الاقتصادية من خلال خطط خمسية للتنمية، لكنه بنهاية عام 1974 لم يعد قابلا للرحيل عن السلطة فعمد فى منتصف ولايته الثالثة إلى حل البرلمان وأسَّس نظاما انتخابيا هزليا يضمن له الرئاسة مدى الحياة بزعم أن البلد غير قادر على تحمل فوضى الديمقراطية وهو يواجه شيوعية كوريا الشمالية، ووعد برفع دخل الفرد السنوى إلى 1000 دولار أمريكى بحلول عام 1981، وقد تحقق وعده مفرط الطموح ذاك قبل موعده! ومع ذلك وبمجرد حدوث أزمة اقتصادية، تفجرت ضده حركة احتجاجية واسعة، فقام رئيس مخابراته باغتياله عام 1979، وحل على البلاد حكم ديكتاتورى أنهته انتفاضات طلبة الجامعة عام 1987 لتسلك كوريا المسار الديمقراطى وهى نمر اقتصادى آسيوى فى القمة.

سيول 1967

اللافت أن الجنرال بارك حين تسنم مقعد الرئاسة أطلق برنامج التصنيع الثقيل والكيميائى عام 1973، فبدأ الإنتاج فى أول مصنع للصلب وأول مصنع حديث للسفن، وبدأت خطوط الإنتاج لأولى السيارات المُصمَّمة محليا، وإن كانت أغلب أجزائها مستوردة، وتأسست شركات جديدة متخصصة فى الإلكترونيات والميكنة والصناعات المتقدمة، وبمواكبة ذلك ارتفع دخل الفرد ارتفاعا بلغ حد الظاهرة، إذ تضاعف خمس مرات فيما بين 1972 ـ 1979، حتى صار 1000 دولار كما وعد بارك. ولم يكن ذلك بيسر ولا برخاوة، فقد دفع الناس ثمن ذلك كاملا، كان تدخين السجائر الأجنبية محظورا، وكان من يُضبَط بتدخينها يعد خائنا، ومن لا يُضبَط ولكن يُعرف عنه ارتكاب ذلك الجرم، يصبح هدفا للنمائم التى تصمه بانعدام الوطنية وانعدام الأخلاق. وكان إنفاق العملة الصعبة وقفا على جلب ضرورات التنمية الصناعية، وفُرِضت ضرائب عالية على «سلع الرفاهية» من السيارات الصغيرة وحتى البسكويت!

بطبيعة الحال، كما يقول الكاتب، لم تكن معجزة كوريا الاقتصادية خالية من الجوانب السلبية، فكثير من بنات العائلات الريفية الفقيرة كن يُرغَمن على العمل بمجرد إكمالهن المدرسة الابتدائية، «بهدف التخلص من أحد الأفواه»، وبهدف كسب ما يعين شقيقًا على تلقى قدر أكبر من التعليم، وانتهى الحال بكثيرات منهن خادمات فى المدن. بينما كانت تتعرض فتيات أخريات، وصِبية تعساء، للاستغلال فى مصانع تشبه «المصانع الشيطانية المظلمة» فى القرن 19، وكان عمال النسيج والملابس يعملون لاثنتى عشرة ساعة أو أكثر فى ظل أوضاع غير صحية وخطرة بأجور زهيدة. وبعض المصانع كانت ترفض تقديم الحساء فى المقصف خشية أن يُكثر العمال من الذهاب إلى الحمام للتبول وتضييع الوقت. وبرغم أن ظروف العمل كانت أفضل فى المصانع الأحدث للسيارات والصلب مثلا، إلا أن العمال الكوريين إجمالا كانوا الأكثر اشتغالا فى العالم، بمتوسط ساعات عمل أسبوعية تصل إلى 54 ساعة. ساعة بجد!

كانت كوريا منذ نصف قرن فقط من أفقر دول العالم، أما اليوم فهى من أغناها. وقد بدأ التصنيع الكورى بما يسمى «الهندسة المعكوسة» أى الحصول على مُنتَج ما متطور، كالكمبيوتر، وتفكيكه فى ورش صغيرة، ونسخ أجزائه ثم تركيب المستنسخات فى حواسيب مقلدة، وكان هذا ساريا على كثير من المنتجات الأجنبية. كانت كوريا فى بداياتها واحدة من «عواصم القرصنة فى العالم». أما الآن فهى من أكثر دول العالم «ابتكارا»، وضمن الدول الخمس الأولى فى براءات الاختراع السنوية التى يمنحها المكتب الدولى لبراءات الاختراع. وقد هَزمت كوريا عمالقة الصناعات الإلكترونية الأشهر فى مجالات كالهواتف النقالة الذكية والشاشات الرقمية بالغة الجمال والتطور، ولا يزال زحفها مستمرا. فما تفسير ذلك النجاح الأسطورى قياسا على ما كانته منذ نصف قرن فقط؟

الكذبة الأكبر والثالوث المُدنَّس

سيول بعد الحرب

هنا يأتى وقت الحقيقة لفضح الكذبة الأكبر والأخطر فى مجال التنمية التى يعريها «ها ـ جوون تشانج» فى كتابه «السامريون الأشرار» الذى يستلهم عنوانه من ظلال قصة إنجيلية، والشر الذى يكشفه هنا هو شر الكذب الذى يمارسه أغلب الاقتصاديين فى تفسير سر المعجزة التنموية الكورية بأنه عائد إلى اتباع كوريا إملاءات التجارة الحرة والتودُّد للاستثمار الأجنبى والمعروفة باسم «الاقتصاد النيو ليبرالى»،الذى كان وراء ترويجه فى البلدان النامية تحالف حكومات دول ثرية بقيادة الولايات المتحدة ووساطة ثالوث المنظمات «الدولية» الاقتصادية الذى تسيطر عليه هذه الدول ويضم: صندوق النقد الدولى، والبنك الدولى، ومنظمة التجارة العالمية، حيث تستخدم الحكومات الثرية المعونات والقروض والسماح بدخول أسواقها كجزرة تحث بها الدول النامية على تبنى سياسات تنتهى إلى إفادة شركات ذلك اللوبى، وتخلق بيئة مُحابية للبضائع والاستثمار الأجنبيين، مع تحجيم طموح الإنتاج الوطنى.

سيول 1960

ذلك الثالوث «المُدنَّس» على حد تعبير تشانج، والذى يعمل لصالح الدول الثرية فى النهاية، يخدم أغراضه جيش من المنظرين وبعض الأكاديميين المدربين الذين يعرفون حدود اقتصاديات السوق الحرة التى يؤمنون بها ويتغاضون عن مخاطرها، وهم يشكلون آلة دعاية وتأثير قويين فى الدول النامية، مدعومين بالمال والنفوذ العابر للأقطار، وقد أرادت هذه المؤسسات أن تقنع العالم بأن تحقيق كوريا لمعجزتها الاقتصادية فى الستينيات والثمانينيات راجع لتبنيها استراتيجية التنمية الاقتصادية النيوليبرالية، ولم يكُن ذلك دقيقًا ولا حقيقيًّا.

سيول الان

الذى فعلته كوريا لتنهض ابتدأ بقرار مدروس لرعاية صناعات جديدة محددة اختارتها الحكومة بالتشاور مع القطاع الخاص، تحت حماية جمركية ودعم مالى وخدمات إعلامية وتسويقية فى العالم الخارجى من خلال الهيئة الحكومية للتصدير، وكانت الحكومة تمتلك جميع البنوك، فكان بوسعها تقديم القروض الائتمانية للمشاريع الإنتاجية، كما كانت تقوم بمشاريع كبرى من خلال شركات مملوكة للدولة كعملاق الصلب الكورى «بوسكو»، وكانت تتبنى موقفا عمليا براجماتيا لا أيديولوجيا من الملكية الحكومية، فلو أحسنت المشاريع الخاصة تؤيدها وتدعمها، وإذا لم تستثمر فى مجالات مهمة تؤسس هى شركات مملوكة للدولة، وإذا ساءت بعض المشاريع الخاصة تقوم بإعادة هيكلتها.

الناشرة كرم يوسف

وفى مجال العملات الأجنبية، كانت الحكومة الكورية مطلقة السيطرة على تبادل العملات، وكان مصير من يخرق قوانين السيطرة على تغيير العملات يصل إلى حد الإعدام، وترافق ذلك مع قائمة أولويات محكمة لإنفاق العملات الصعبة، لضمان وفائها بشراء الآلات الحيوية والمدخلات الصناعية المهمة للتنمية. وفيما يخص الاستثمار الأجنبى، كانت الحكومة الكورية تفتح له ذراعيها مُرحبة ولكن فى قطاعات معينة ضمن خطة التنمية الوطنية. كما كانت تغض النظر عن قرصنة المنتجات ذات براءات الاختراع الاحتكارية!.

انفتاح لكن انتقائى وتدريجى

عالم الاقتصاد استاذ كامريدج تشانج

بإيجاز كانت المعجزة الاقتصادية الكورية نتيجة مسار« براجماتى» يراعى المصلحة الوطنية، ويمزج ما بين محفزات السوق وتوجيه الدولة. فالحكومة الكورية لم تقهر حرية السوق كما فعلت الدول الشيوعية، لكنها أيضا لم تكن تؤمن إيمانا أعمى بالسوق الحرة، مدركة أن الأسواق تحتاج دائما إلى تصحيح سياسى. فالمعجزة الكورية واقعيا تحققت ليس بالسياسات الاقتصادية النيوليبرالية التى تدعو إليها الدول الغنية وعلى رأسها الولايات المتحدة وثالوثها غير المقدس ومُنظروه ومُبشروه، بل استخدمت أقصى الحماية والدعم لإنتاجها الوطنى، والتمييز ضد المستثمرين الأجانب، وهذا ما فعلته الدول التى صارت ثرية اليوم حتى تصل إلى ما وصلت إليه، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، فقد استخدمت سُلَّم الحماية لتصل إلى القمة، ثم ركلت هذا السلم حتى لا يستخدمه منافسون جدد، مطلوب أن يظلوا فى الأسفل مُكبَّلين بسياسات السوق الحرة وشروط المؤسسات الدولية المُقرضة ووسوسات جيش خبراء ومتدربى منظومة «السامريين الأشرار»!.

المترجم أحمد الشافعي

ويؤكد تشانج فى كتابه، أن التجارة الحرة بالنسبة للدول النامية نادرا ما كانت مسألة اختيار، بل إملاء من الخارج، أحيانا عن طريق مبشريها ودعاتها فى هذه البلدان، وأحيانا بضغوط الإقراض، ولم تعدم التهديد بالقوة العسكرية بل استخدامها مباشرة أو بطرق التفافية. وكان أداء الدول التى خضعت لذلك فقيرا للغاية، مقارنة مع أداء أفضل لغيرها فى ظل سياسات الحماية والدعم، كما أن إبعاد هيمنة الشركات الأجنبية غالبًا ما يكون فى صالح هذه الدول على المدى البعيد، ثم إن زعم ارتباط السوق الحرة بالديمقراطية ثبت أنه أمر مشكوك فيه، والعدالة الاجتماعية يُضحَّى بها بذريعة متطلبات النمو، بينما الفساد يتسع باتساع حجم السوق لا ضيقه. والخلاصة يوجزها تشانج فى قوله: «إن أنجح الاقتصادات قاطبة هى تلك التى عمدت إلى الانفتاح الانتقائى التدريجى». وفى النهاية يقول: «إن الدول الفقيرة لا تكون فقيرة لأن أبناءها كسالى، بل إن أبناءها كسالى لأنها فقيرة». فهل تنطبق هذه المقولة علينا؟ وهل نفكرــ على الأقل نفكر ــ فيما قدمه تشانج من رؤية، وما نفتقده من وضوح الرؤية ؟!

كتاب هونج تشانج

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية