عاشت جموع الصحفيين، الأحد، ليلة غضب عارم، وصفها عدد منهم بـ«الليلة السوداء» في تاريخ المهنة، إثر قيام قوات الأمن باقتحام مقر النقابة، بشارع عبدالخالق ثروت، بوسط القاهرة، وإلقاء القبض على الزميلين عمرو بدر، ومحمود السقا، العاملين بموقع 25 يناير، والمعتصمين داخل النقابة، لاتهامها بالتحريض على التظاهر يوم 25 إبريل الماضى، احتجاجاً على اتفاقية إعادة ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، والتى منحت «المملكة» السيادة على جزيرتى تيران وصنافير، قبل ساعات من الاحتفال باليوم العالمى للصحافة، اليوم، وبعد أيام قليلة من احتفال النقابة باليوبيل الماسى.
كانت قوات الأمن أغلقت شارع عبدالخالق ثروت في الاتجاهين، منذ صباح الأحد، بـ«سيارات شرطة وأمن مركزى، وحواجز حديدية»، فيما تمركزت قيادات مديرية أمن القاهرة والأمن الوطنى على الرصيف المقابل للنقابة، لمنع حركات عمالية من تنظيم وقفات احتجاجية على سلم النقابة خلال ذكرى عيد العمال، لكنه لم يكن من المتوقع أن تنتهى الأحداث باقتحام النقابة للقبض على اثنين من الزملاء.
وفى حوالى الساعة 9:30 مساء، أطلق صحفيون تغريدات على مواقع التواصل الاجتماعى، يعلنون فيها اقتحام الشرطة لمقر النقابة، وتلى ذلك تباعاً، مداخلات تليفزيونية للنقيب «يحيى قلاش» وعدد من أعضاء النقابة، أكدوا فيها قيام قوات الأمن باقتحام المقر وضبط «بدر» و«السقا»، منددين بالواقعة، واصفين ذلك بأنها لحظة غير مسبوقة مرت على النقابة في ليلة سوداء.
عقب تنفيذ عملية الاقتحام التي لم تستغرق أكثر من دقيقتين، لم تتحرك قوات الأمن بتعزيزاتها من محيط مقر النقابة سريعاً، وتم اقتياد «بدر» و«السقا» إلى جهة غير معلومة، واستمرت القوات الرابضة في المنطقة في التضييق على كل من يحاول أن يترجل باتجاه مقر النقابة، بالتفتيش تارة وبفحص الحقائب تارة وبفحص الكارنيهات تارة أخرى، وخلال الدقائق الأولى عقب الاقتحام لم يتم السماح لمن لا يحمل كارنيه عضوية النقابة بالدخول للمقر، ما أدى إلى مشادات بين عدد من أعضاء الجمعية العمومية وقوات الأمن، بعد محاولة الأمن قصر الدخول على حاملى كارنيه عضوية النقابة فقط، ووصل الأمر إلى منع أحد الضباط حنان فكرى، عضو مجلس النقابة، من المرور بدعوى عدم حملها «كارنيه النقابة» قبل أن تتدخل قيادة أمنية لاحتواء الموقف.
ومع تصاعد دعوات الاحتشاد في النقابة وتزايد أعداد المتوافدين، انسحبت قوات الأمن وفتحت الطريق أمام الصحفيين والمارة من اتجاه شارع رمسيس، في تمام الساعة 11 مساء، كما غادرت الخدمات الأمنية محيط النقابة، بينما تواجدت عناصر سرية على الرصيف المقابل لرصد الأجواء لبعض الوقت.
ويقول عبدالمنعم الحشاش، عضو الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين، وأحد شهود عيان الواقعة، إن هناك اثنين من عناصر الشرطة وقفا أمام باب النقابة من الخارج، واعتقدنا أنهم صحفيون قادمون، وعندما فتح لهم الباب حارس النقابة، دفعاه جانبا، وانزلق سيل من رجال الشرطة إلى الداخل للقبض على بدر والسقا»، حيث اقتحم حوالى 30 من عناصر قوات الأمن، بينهم ضباط، المقر، بعد دفع رجال أمن النقابة جانباً، وقبضوا على الزميلين في أقل من دقيقتين، وحاولوا القبض علينا بعدما حاولنا منعهم.
وفى سياق مواز، أطلق عدد من شباب الصحفيين بيانًا استباقياً لتحركات النقابة أعلنوا فيه الدخول في اعتصام مفتوح حتى إقالة وزير الداخلية، في الوقت الذي بدأ فيه مجلس النقابة جلسة طارئة بعد منتصف الليلة بدقائق معدودة.
وتجمع الصحفيون في 12:30، على سلم النقابة، بعدما وصلت أعدادهم لقرابة 250 صحفيا، ورددوا هتافات مناهضة لوزارة الداخلية رجت ليل القاهرة الهادئ أبرزها «يا حرية فينك فينك.. أمن الدولة بيننا وبينك»، و«الداخلية بلطجية»، و«عبدالغفار عبدالمأمور.. والسيسى هو المسؤول».
وأثناء الهتافات، ردد صحفيون: «يسقط يسقط حكم العسكر»، لكن باقى جموع أعادت توجيه الهتاف لوزارة الداخلية فقط، معللين ذلك بأن الهدف من الوقفة والهتاف هو التنديد بتصرف الداخلية، لكن هتاف: «الجزر دى مصرية»، فرض نفسه على الجميع دون اختلاف.
وفى المقابل، كانت قوات الأمن انسحبت تماماً من محيط النقابة، بالتوازى مع إعلان شخصيات إعلامية وصحفيين عن عدم رضا رئاسة الجمهورية على ما حدث، في إجراء يبدو على خلفية تعليمات بالانسحاب تماماً من المشهد، حيث ترك قيادات الشرطة الذين كانوا يتابعون المشهد من الرصيف المقابل لمبنى النقابة، الكراسى البلاستيكية التي كانوا يجلسون عليها وراءهم، في مشهد أصبح محل سخرية الصحفيين المحتشدين على الرصيف المقابل.
وانضم لتجمع الصحفيين عدد من المتضامنين من أعضاء نقابة المحامين والشخصيات العامة، على رأسهم النائب خالد يوسف، الذي أعلن تضامنه مع خطوات التصعيد، فيما اكتظت النقابة بكاميرات التليفزيون ووسائل الإعلام.
كما شهدت مواقع التواصل الاجتماعى تضامناً واسعاً مع احتجاج الصحفيين، واحتل هاشتاج #نقابة_الصحفيين، صدارة الأكثر تداولًا على تويتر طوال ليلة الأحد وحتى الساعات الأولى من صباح أمس، بأكثر من 20 ألف تغريدة.