لا أحد ينكر أنه لولا أرسين فينجر لما وصل أرسنال للمكانة والاسم الذي كان عليه في العقد الماضي.
الفيلسوف الفرنسي ومنذ قدومه لقيادة أرسنال في نهاية عام 1996، ومن خلالها قام بتطبيق فلسفته وأفكاره بصلاحيات واسعة وشاملة، بسببها تحول الفريق إلى قوة كبرى استمرت في المنافسة على لقب البرميرليج لقرابة 10 سنوات، وحقق خلالها الفريق لقب الدوري في ثلاث مناسبات، بما فيهم الموسم التاريخي وغير المسبوق 2003/2004، والذي حقق فيه «الجانرز» لقب الدوري دون هزيمة، ليصبح أول نادٍ في عهد البريميرليج يحقق هذا الإنجاز الفريد، الذي بسببه أطلق على الفريق لقب «الفريق الذي لا يقهر»، وهو الإنجاز القائم إلى الموسم الحالي، ولم يحققه أي فريق آخر.
منذ ذلك الحين وإلى يومنا هذا، فشل فينجر في قيادة أرسنال إلى لقب البريميرليج مرة أخرى، 12 موسما ومحاولات متواصلة دون نجاح، خلال هذه الفترة عانى النادي من سلسلة من الإخفاقات وسقوط أمام الكبار، وشهدت جماهير النادي جميع الفرق المنافسة وهي تحتفل بالألقاب سواء لقب الدوري المحلي أو اللقب الأوروبي الأكبر، دوري الأبطال، إلى أن وصلت الأمور أن انحصر لقب الدوري لهذا الموسم بين ليستر سيتي وتوتنهام، وهما فريقان لم يسبق لهما التتويج بلقب البريميرليج من قبل، بينما استمر أرسنال في دور الفريق الذي يحتفظ بمكانة في المربع الذهبي لا أكثر، الوضع الذي يكفل له التأهل لدوري الأبطال 19 عاما على التوالي.
جمهور أرسنال بدأ يثور على هذا الوضع، الذي أضر بسمعة الفريق كثيرًا، بعدما كان منافسا دائما على اللقب وواحد من الفرق الكبرى على المستوى الأوروبي في العقد الماضي ونهاية العقد قبل الماضي، لكن ثورة الجماهير هذا الموسم اختلفت كثيرًا عن أي موسم سابق، وتصاعدت حدتها هذا الموسم أمام ضياع لقب دوري وصفه الكثيرون بأسهل الألقاب وأسهل الفرص للنادي لحصد لقب غائب من 12 عاما، في ظل سقوط جميع المنافسين الكبار وتقديمهم لأداء مخيب تمامًا هذا الموسم.
فينجر صدم الجميع في مؤتمره الصحفي الأخير الذي سبق مباراة نوريتش سيتي، حيث ألقى اللوم على جماهير أرسنال بأنها أحد الأسباب وراء سوء نتائج الفريق على ملعبه «ملعب الإمارات»، بل أن فينجر قال إن أداء ونتائج الفريق خارج ملعبه كانت ستكفل له المنافسة على اللقب، لكن الضغط الجماهيري هو ما كلف الفريق نزف الكثير من النقاط على ملعبه، وبالتالي الابتعاد عن المنافسة على اللقب.
فينجر تمادى في انتقاده للجماهير وضرب المثل بجماهير ليفربول ومساندتها لفريقها في ملعب أنفيلد، وطالب جماهير ملعب الإمارات بأن تكون بمثل حماس جماهير ملعب الأنفيلد، وأن تستمر في مؤازرة ودعم الفريق فقط، متناسيًا أن جماهير ليفربول لم يولد الحماس لديها هذا الموسم بشكل رائع، إلا بوصول المدرب الألماني يورجن كلوب لخلافة المدرب السابق براندن رودجرز، ومع وصول كلوب تحولت النتائج وتحسن الأداء وأصبح الفريق أفضل ويلعب بروح أعلى، لكن فينجر تجاهل الحديث أو التفكير في هذه النقطة، وقرر الحديث عن النتاج مطالبًا بشيئًا مماثل في ملعب الإمارات من جماهير أرسنال.
حديث فينجر أحدث ضجة إعلامية كبيرة، وقررت بعض المجاميع من جماهير أرسنال الرد داخل الملعب بالوقوف في الدقيقة الـ12 (نسبة إلى مرور 12 عاما على آخر لقب للبريميرليج)، والهتاف ضد مدربها بأن وقته انتهى، وأن وقت التغيير قد حان، كما رفعت تلك الجماهير لافتات ضد المدرب الفرنسي وضد الملياردير الأمريكي ستان كرونكي، صاحب الحصة الأكبر من أسهم النادي.
رد فعل هذه المجموعة من الجماهير قوبل برد فعل مغاير من مجموعة أخرى كبيرة من الجماهير، وقفت وغنت للمدرب أرسين فينجر مدافعين عنه وعن تواجده في القيادة الفنية للنادي، لتصبح الأحداث المهمة للمباراة التي أقيمت، مساء السبت، بين أرسنال وضيفه نوريتش سيتي تدور في المدرجات لا الملعب، بل أن فريق نوريتش سيتي كان قريبا من التسجيل في أكثر من مناسبة وكأن لاعبو أرسنال تأثروا تمامًا بموجة الانشقاق الجماهيري التي حدثت في المدرجات.
المشهد كان غريبًا يجسد المشكلات الكبيرة في النادي بين الشق العاطفي ورغبة شريحة لا بأس بها بخروج المدرب الفرنسي بشكل يليق بتاريخه وعطاؤه نسبة لما قدمه للنادي، بينما شريحة أخرى فاض بها الكيل من رؤية صعود وتحسن مستوى جميع المنافسين مع بقاء فريقها على نفس الوضع في أخر 12 عاما.
الأمر هذا الموسم يبدو مختلفًا تمامًا، ولا أحد يستطيع التنبؤ بما سيقدمه فينجر ليفوز بدعم الجماهير مرة أخرى، لكن الأمر المؤكد هو أن أرسنال خسر اللقب للعام الـ12 على التوالي، وأن صبر شريحة لا بأس بها من الجماهير قد نفد، سواء تجاه المدرب أو تجاه إدارة النادي، في انتظار ما في جعبة المدرب الفرنسي في الصيف المقبل كي يهدئ من غضب الجماهير ويعيد الفريق للمكانة التي كان هو أكبر الأسباب في وصول أرسنال إليها.