x

نوال مصطفى.. اللعبةُ على نحوها الصحيح

الأربعاء 03-11-2010 21:44 | كتب: فاطمة ناعوت |


ثمة مبدأ فلسفىّ شهير اسمه Mind Over Matter، يذهب إلى أن العقلَ يتحكم فى المادة. وهى النظرية التى آمن بها الداهيةُ الروسىّ راسبوتين حينما دسّوا له السُّمَّ فى كأس الفودكا، فأقنع نفسَه بأنه سيتغلب عليه. وبالفعل حشدت أعضاءُ جسده طاقاتها لإبطال مفعول السم، وهزم الموت. وهو بالضبط عكس ما حدث مع سقراط حين احتسى الشوكران فى معتقله، فمات من فوره. ما الفرق؟ راسبوتين كان راغبًا فى الحياة، فحيا، بينما سقراط كان راغبًا فى الموت، يأسًا من كهّان أثينا الرجعيين، فاستسلم للموت. وهو المبدأ ذاته الذى أورده باولو كويللو فى رواية «الخيميائى»: إن أراد الإنسانُ شيئًا وآمن به، تآمرَ الكونُ كلّه من أجل تحقيقه.


فى روايتها الجديدة «الزمنُ الأخير»، عن الدار المصرية اللبنانية، تثبتُ الروائية نوال مصطفى، بقلم شعرىّ رفيع، تلك الفكرة، التى طالما آمنتُ بها، واعتمدتُها مبدأ حاسمًا فى حياتى. أن كلَّ ما يحدث فى هذا العالم، من خيرٍ ومن شر، من جمال، ومن قبح، إن هو إلا قرار. الحياةُ قرارٌ، والموتُ قرارٌ. النجاح قرارٌ والإخفاقُ قرار. الشبابُ الدائم والفاعليةُ قرارٌ، مثلما الشيخوخةُ والمرضُ والانسحابُ عن العالم قرار. ليس من شىء اسمه الحظُّ أو القسمة والنصيب، إلا بقدر ما نسمح نحن للحظ أن يمنحنا ما نريد، أو يحرمنا منه.


لدينا «شهد» المرأة الخمسينية التى «قرّرت» أن تهزم الشيخوخةَ الزاحفة نحو عتبتها. «كم أرقتها لعبةُ الزمن الذى يعطينا فى شبابنا كلَّ مفاتيح الحياة. نفتح بها ما نشاء من أبواب السعادة والقوة. وما إن يمضى بنا القطارُ حتى يبدأ فى استعادة مفاتيحه، واحدًا تلو الآخر. لنجد أنفسنا نترنحُ بين الأبواب القليلة المتاحة. نجاهد فى فتحها بالمفاتيح المتبقية، التى عادة ما تكون قد صدئت وتآكلت بفعل الزمن». بهذه العبارة الشعرية العميقة تلخّص نوال مصطفى رحلةَ الإنسان، كلّ إنسان، خلال لعبته مع الحياة. فالحياة لعبةٌ. لعبة بينك وبين الزمن. توزع الحياةُ عليكما أوراق اللعب، فتشرعا فى المباراة بقانون لا يعرف الحظ ولا يعترف بالقَدَرية، بقدر ما ينتصر للاختيار والقرار. يقول فى هذا المفكر الأمريكى جوش بيلنجز: «فى لعبة الحياة، ليس المهم أن يكون لديك الكروت الأفضل، بل أن تعرف كيف تلعبُ ما لديك من كروت، على النحو الأفضل». هذا ما انتبهت إليه «شهد» بعد برهة من التشوّش والرعب من مرور الزمن. أدركت أن الزمن يرضخ لأسلوبنا فى التعامل معه. الفكرةُ تكمن فى إحساسنا بالزمن، وليس فى مروره بنا. هنا قررت شهد أن تلعب أوراقها على النحو الأفضل. فحصت ما لديها من كروت، أو مفاتيح. قلّبت فى الكروت، وألقت المعطوبة منها، إلى حيث يُلقى المعطوب، وانتخبت من مفاتيحها اللامع الزاهى، وأشاحت عن الصدئ المتآكل. بما فى يدها من كروت قليلة، ومفاتيح معدودة، صنعت حياتها على النحو الذى ترجو. بالحب صنعت مستقبلا مشرقًا. ليس لها وحسب، بل لكل مَن حولها. لم تستسلم لزواج «معطوب»، أورثها الوجدَ والمرض، فلملمت أشياءها ورحلت بهدوء، غير آسفة على ما لا يؤسف عليه. فتحت رئتيها نحو الهواء الطلق، فدخل الحبُّ قلبَها مع «الطارق» الذى أدرك أيضًا قانون اللعبة، فطرق بابَ قلبها على النحو الصحيح. أنشآ معًا ما أطلقا عليه «بيت العيلة»، يجمعان حولهما الشبابَ الواعدَ الباحث عن المعرفة. يتسامرون حول كتاب جديد، أو قصيدة ساحرة، أو قطعة موسيقية آسرة. بالحب، نجحت شهد، ليس فقط فى أن تهزم وحش الزمن الأعمى، بل أن تصنع عالمًا صغيرًا وجميلا كأنه المدينة الفاضلة. تلك التى تتنحى فيها كل ألوان القبح، لتفسح الطريقَ لكل ما فى الحياة من أيقونات جمال: الحب، الكتاب، الموسيقى، ثم محبة كل البشر.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية