x

إبراهيم الجارحي دليلك إلى الإقلاع عن شم الكلَّة إبراهيم الجارحي الأحد 24-04-2016 22:36


كان النمط الثوري لثورة يناير دائما يسير على نهج ثابت وبهذا الترتيب: (1) دعوة عامة يتبعها تجمع كبير في الشوارع والميادين، (2) الاشتباك مع قوات الأمن حتى سقوط قتلى ومصابين، (3) الدعوة للاعتصام حتى تتحقق المطالب، (4) التفكير في المطالب ومحاولة الاتفاق عليها والتي تتجمع في النهاية في كلمة واحدة «ارحل!».
هذا هو النمط في كل مرة، ولو بدا ترتيب حلقاته مختلا ظاهريا، لأنه يؤخر تشكيل المطالب إلى ما بعد الحشد لا قبله، لكنه فعال من حيث إنه ينجح دائما في حشد كل أصحاب المظالم أيا كانت، ثم العمل على جمع الزخم الشعبي وراء هدف براق كالإطاحة بالرئيس.
وفي كل جولة يجتمع المتضررون من غلاء الأسعار، والمستاؤون من مستوى الحريات العامة والحقوق الشخصية، والخصوم السياسيون للنظام، والموتورون وأيتام الأنظمة السابقة، ثم المتحلقون حول أي زحام وتحت كل راية وأمام كل مائدة، والمأجورون والمأفونون وبعض الباعة الجائلين، ثم ينتظرون لحظة اختراع الأهداف.
هدف احتجاجات 25 إبريل المعلن هو الاحتجاج على ما يعتبره المحتجون تفريطا وبيعا لجزء من إقليم الوطن، لكن هذا الهدف تبلور إلى «ارحل»، وتحولت دفة الحنق نحو شخص الرئيس السيسي الذي قالوا إنه هو عواد الذي باع أرضه، ثم أحسوا أن التوصيف ليس موجعا بما فيه الكفاية فقالوا: بل هو عواد الذي باع أرضك أنت في تعديل تكتيكي ملائم للشحن ضد السيسي لا لصالح الأرض التي يجب أن نقدر غيرة المصريين عليها بغض النظر عن أي حسابات قانونية أو سياسية أو غيرها.
لكن أي زيادة في مطالب هذه الاحتجاجات عن «الاحتجاج على التفريط في الأرض والمطالبة بإعادتها للسيادة المصرية» لا تفسير له إلا الغباء السياسي الجماعي للمطالبين، وليس سوى محاولة لإعادة اللعب إلى مربع 11 فبراير 2011، وهو المستحيل بعينه.
وحتى لو وقع هذا المستحيل، فليس ثمة بدائل مطروحة إلا العودة إلى حكم الإخوان الذين جربناهم في أفضل حالاتهم وكان أداؤهم مزريا، ناهيك عن اعتلال وطنيتهم وسقم نفوسهم، لكنهم مازالوا القوة السياسية الأقرب للتماسك.
أما البديل الثاني فهو انقلاب القوات المسلحة على السيسي، ثم قطع الطريق نفسه مرة أخرى إلى حكم الإخوان، وهو بديل لا يستنكفه قادة الحركة على الرغم أن كلهم من إفرازات هتاف «يسقط يسقط حكم العسكر».
وإذا كان هناك من يظن أننا سنفعل الصواب هذه المرة، أو أننا على الأقل سنتفادى أخطاء الثورة الماضية، فهو واهم وموهم في آن واحد، لأن ذات المقدمات في المنطق تؤدي إلى ذات النتائج ما دامت الظروف ثابتة، فما بالك وقد انحدرت الظروف الاقتصادية إلى ما بعد مستوى الإنهاك بعد خمس سنوات من الارتباك السياسي، وتراجع التأييد الشعبي للنمط الثوري العقيم، وبعد أن انكشفت وجوه كثيرة كنا نظن فيها خيرا فلم يكن؟
هل هي حرب كيخوتية ضد المنطق والسلام، أم أنها البلاهة السياسية الخالصة التي لا تفقه غير عاطفة الصراخ، وحرارة الجري أمام قوات الأمن وإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة؟
أجريت مقابلة صحفية ذات يوم مع طفل من أطفال الشوارع، وكان الولد في العاشرة من عمره تقريبا، ويمسك بيده برطمانا بلاستيكيا غطاه بكيس شفاف يتنفس منه أبخرة المادة اللاصقة التي تحرق خياشيمه.
وسألت الصبي عن «دماغ الكلة»، فاستنشق نفسا عميقا من خلال الكيس الشفاف، ثم نظر إلى بعينين زائغتين، ورد بنبرة قاطعة: بتخليك تحس ان انت بطل!!
عزيزي القارئ، إذا كنت تشعر أنك تستطيع أن تقتنص السلطة من الجيش والإخوان معا دون أن تكون لديك أحزاب أو سياسيون محترمون غير الذين خبرتهم خلال السنوات الخمس الماضية، ودون حتى ذلك التأييد الشعبي الذي كنت تتمتع به في يناير، فكل ما عليك هو أن تضع برطمان الكلة جانبا، لأن هذه القناعات بالبطولة الزائفة هي وجه من وجوه شم الكلة لا من وجوه الواقع.


قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية