في 7 يونيو 1923 ولد الفنان القدير محمود مرسي وتخرج في كلية آداب الإسكندرية، وسافر إلى باريس ليتعلم فن الإخراج السينمائي على نفقته الخاصة، واستغرقته الحياة الباريسية، واضطر هناك للعمل بعدما نفد ما لديه من المال، واستقر به المقام مذيعًا في القسم العربى بالإذاعة الفرنسية، وقسم وقته بين العمل والدراسة إلى أن أمم جمال عبدالناصر قناة السويس فتم طرده من باريس.
وشد «مرسي» الرحال إلى لندن، وهناك التحق بالقسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية لكنه غادر لندن إلى القاهرة، فيما يشبه الاحتجاج الشخصي على العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وعاد ليعمل مخرجا ومذيعا في البرنامج الثقافي بالإذاعة، وقدم العديد من روائع الأدب العالمي، ومع بداية الإرسال التليفزيوني في مطلع الستينيات سافر إلى إيطاليا في بعثة قصيرة لدراسة الإخراج التليفزيوني، وشارك بالتدريس في معهدي الفنون المسرحية والسينما إلى أن ظهر لأول مرة على الشاشة في فيلم «أنا الهارب» لنيازي مصطفى عام 1962، ورغم قصر الدور فإنه لفت الأنظار بسبب أدائه المتميز لهذا الدور، فتهافت عليه المخرجون وتوالت أعماله الناجحة مثل «ثمن الحرية»، و«أغنية على الممر»، و«أمير الدهاء»، و«السمان والخريف»، و«أبناء الصمت»، و«الشحاذ»، و«الباب المفتوح»، و«الليلة الأخيرة»، و«زوجتي والكلب».
ويبقى دور «عتريس» الذي أداه في فيلم «شىء من الخوف» هو الأشهر في مسيرته، وكان الفيلم يحمل إسقاطا سياسيا يجسد الموقف المعارض لكاتب الرواية ثروت أباظة من الثورة وقادتها، والذي رأى في الثورة مجرد انقلاب عسكري على الشرعية وقد رمز للضباط الأحرار بأنهم العصابة التي يتزعمها «عتريس»، وأن «فؤادة» ما هي إلا رمز لمصر التي جنت عليها هذه العصابة، التي عاثت في الأرض فسادا، وأنهم مجموعة غير شرعية استولت على البلد بالإرهاب والترويع ووصل الهمس إلى عبدالناصرنفسه فطلب مشاهدة الفيلم، وعلى شاشة العرض المنزلية شاهده، وتأمله، وقال بعدها:«والله لو إحنا كده، نبقى نستاهل الحرق»، وكان موقف عبدالناصر بمثابة ضوء أخضرلعرض الفيلم.
وفي أوائل الثمانينيات أدرك محمود مرسي بحسه الفني أن السينما الجديدة لم تعد تصلح له، ولا هو يصلح لها فاتخذ قراره بالاتجاه إلى الدراما التليفزيونية فقدم «بين القصرين» و«قصر الشوق» و«العائلة»، الذي أثار زوبعة بسبب مشهد من المشاهد التي أداها، وكان يتحدث عن عذاب القبر كما قدم «أبوالعلا البشرى» و«الرجل والحصان» و«عصفور النار»، ومثلما عاش وأبدع زاهدا في أي احتفاء إعلامي رحل أيضا في هدوء شديد «زى النهارده» في 24 إبريل 2004، ورغم زهده هذا فقد حظى في الوسط الفني بلقب «الأستاذ».
ويقول الناقد السينمائي طارق الشناوي والذي كان أحد تلاميذ الفنان القدير أنه كان يدرس لهم مادة حرفية الإخراج وأن مرسي درس الإخراج في معهد إيديك في فرنساوكان مقدرا بل وطبيعيا أن يقوم بالإخراج السينمائي بعد عودته لمصر لكن تم التهافت عليه كممثل لكنه أخرج بعض الأعمال التليفزيونية واستغل خبرته ودراسته للإخراج في تدريس الإخراج لنا في المعهد.
وأذكر مثلا في سياق حب الطلاب لشخصه ومحاضراته أننا حين كنا في السنة الأولي وكان يدرس لنا كان طلبة السنة الثانية والثالثة يأتون لحضور محاضراته معنا وكان لا يأخذ حضور وغياب ولا يمانع في التدخين وأذكر أنني كنت مقيما في المنيل وهو مقيم في الزمالك وكنت أعود لمنزلي معه في سيارته وكثيرا ماتحدث معي في أشياء كثيرة خاصة وفنية وكان يشدد على أن مايقوله ليس للنشر كما لم يكن يغضب من النقد حتي أنه لم يغضب مني حين اعترضت على مشاركته في مسلسل بنات أفكاري وأيضا التعلب فات وقال إن العاملين في العملين لم يأخذوا بملاحظاته كما كان في حاجة إلى المال في المسلسل الثاني.