«عمرى 90 سنة عشتها كلها في المقاطعة لحد ما خرجونى بسبب التفجيرات والقصف».. قالها الشيخ حسن أبودراع، أكبر معمر في منطقة الشريط الحدودى، في إشارة إلى ظروف نزوحه رغمًا عنه، بعد تدخل أبنائه وأحفاده، مع وصول الأوضاع الأمنية إلى درجة لا يمكن الحياة معها في المنطقة.
عاصر الشيخ التسعينى الذي يعود تاريخ مولده إلى عام 1925 جميع الحروب التي شهدتها سيناء، وتمسك بالأرض في كل مرة، رافضًا النزوح عنها: «لو عندنا أرض غيرها كنا رحناها.. كنا عايشين عليها وبناكل ونشرب منها»، يقول أبودراع، ويضيف بمرارة: «أول مرة نهاجر».
يتذكر الشيخ البدوى الفترة الأولى للاحتلال الإسرائيلى بسيناء «نشروا قواتهم وبعدوا عن بيوتنا. اتمسكنا بأراضنا وبيتوتنا وقلنالهم هنا وطننا وفيه باقيين، عرفوا حدودهم وكفونا شرهم لوقت رجعت سيناء لمصر». ويتابع: «كانت الأمور تمام لوقت بدأ الطخ بين الجيش والمسلحين، إحنا مالناش يد علشان النار تطولنا».
في عمر الثلاثينيات بنى أبودراع مسجد قريته (المقاطعة) وتفرغ للعمل فيه، ليقضى بين جنباته نحو 60 عاماً من عمره، حتى أصيب المسجد بقذائف صاروخية خلال اشتباكات بين قوات الأمن والمسلحين على أطراف القرية، طالت خلالها القذائف عددًا من المنازل وأسقط بعض السكان، ليقرر الجميع المغادرة بعد أن فاق الوضع قدرتهم على الاحتمال.
«ابنى الكبير طخوه وهو خارج من المسجد. صلينا الصبح جماعة، وهو خارج شيعوله رصاصة» يتذكر الشيخ المسن دون أن يشير بأصابع الاتهام لأحد. سألناه فأكد أنه لا يعرف من أين جاءت الرصاصة، كانت هناك اشتباكات قريبة، بدأت فجأة وتخللها إطلاق رصاص كثيف في جميع الاتجاهات، لتنهى إحداها حياة نجله.
يروى الشيخ حسن عن أيام ما قبل النزوح، ومحاولات كبار السن التمسك بالبقاء، قبل أن يصبح النزوح أمرًا حتمياً مع توسع نطاق الاشتباكات، وتكرار حوادث سقوط ضحايا بين الأقارب والجيران بعد تطور الموقف واستخدام قذائف صاروخية ومدافع رشاشة ثقيلة في العمليات المسلحة «لو على الطخ كنا نتحمل، لكن الحرب صعبة.. دانات.. صواريخ.. هجينا غصب عنا».
يشير الشيخ المسن إلى أحفاده المحيطين به، ويتابع: «الأولاد جابوا العربيات ونقلونا في مجموعات، خرجنا بالملابس اللى علينا وسيبنا كل حاجة ورانا من غير ترتيب»، ويروى الشيخ الذي ما يزال محتفظا بذاكرة قوية رحلة البحث عن أرض جديدة تصلح لاستقبال عائلته النازحة «دورنا على أرض فاضية مالهاش أصحاب، ما يصير نطلع من أرضنا وناخد أرض غيرنا. دورنا كتير لحد ما وصلنا هون». ورغم أنهم يتخذون من أرض فضاء ليس لها أصحاب معروفون- مقرًا مؤقتًا لإقامتهم، إلا أن أبودراع يشدد على أن هذا الوضع مؤقت «عايشين في أرض مش لينا، أرضنا هناك بس تهدى الأمور نرجع»، يقولها مشيرًا إلى اتجاه الشرق، حيث الطريق المؤدى إلى منطقة الحدود.