x

د.حسين عبد البصير فراعنة مصر في بالتيمور د.حسين عبد البصير السبت 23-04-2016 21:16


وصلت إلى مدينة بالتيمور بولاية ميريلاند الأمريكية للحصول على درجة الدكتوراه في تاريخ وآثار مصر والشرق الأدنى القديم في جامعة جونز هوبكنز العريقة في بداية عام2003. ولفت نظرى أن الجامعة تضم مجموعة أثرية تعليمية صغيرة بها بعض من الآثار المصرية القديمة. وفى أواسط عام 2002، كانت الجامعة قد استضافت اللقاء السنوى لمركز البحوث الأمريكى بمصر بعد فترة طويلة من انعقاده في نفس الجامعة. وشهدت نهايات عام 2003 وصول معرض «مصر الخالدة» من المتحف البريطانى بلندن إلى«متحف والترز للفن» الشهير بمدينة بلتيمور في إحدى محطاته الأمريكية العديدة. فما قصة مصر الفرعونية في مدينة بالتيمور الأمريكية وتحديدا في متحفها المعروف بـ«الوالترز»؟

يقع«متحف والترز للفن» في وسط مدينة بالتيمور، قريبا جدا من منطقة الميناء الداخلى (الإنر هاربر) وليس بعيدا عن جامعة جونز هوبكنز، ويعتبر من أبرز معالم المدينة الثقافية. وبناه هنرى والترز (1848-1931) عام 1909، رجل الأعمال وجامع التحف الأمريكى المعروف، ابن مدينة بالتيمور. وجمع آثاره وكنوزه الفنية الرائعة، بين عامى 1899-1931. وبوفاته أصبحت مجموعة الآثار المصرية واحدة من أجمل المجموعات الأثرية الخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. وفى ما بعد ساهمت الإهداءات والمقتنيات والإعارات الزمنية الطويلة في جعل المتحف واحدا من أهم المجموعات الأمريكية في الفن المصرى القديم. وربما جذب والترز إلى اقتناء أعمال الفن المصرى القديم قيامه برحلة بحرية في البحر المتوسط في عام 1889 زار خلالها مصر، وتحديدا القاهرة والجيزة لمدة يومين. وفى تلك الزيارة، جلب عددا من روائع مجموعته المصرية. وعلى عكس عدد كبير من هواة جمع الآثار الثمينة في زمنه، لم يقم أو يكلف والترز أحدا بإجراء حفائر له في مصر من أجل التنقيب عن الآثار المصرية لإثراء مجموعته الخاصة، وإنما اقتنى أغلبها بالشراء من التجار أو من صالات بيع الآثار في مصر وخارجها.

وبينما شغل هواة جمع الآثار المصرية أنفسهم بجلب المومياوات والبردى والآثار الكبيرة الحجم إلى متاحفهم ومجموعاتهم الخاصة، انصب اهتمام والترز على الآثار الصغيرة والثمينة مثل التماثيل الصغيرة والتمائم والجعارين والحلى والقطع المهمة. وانصرف بدأب إلى اقتناء كمية كبيرة وفريدة من التماثيل المصرية والأعمال المصنوعة من البرونز. وفى نهاية حياته، ضم عددا من التماثيل الكبيرة إلى مجموعته حتى أصبحت متميزة للغاية في زمن قصير.

وفى عام 1925، اشترى والترز واحدا من أهم القطع المصرية في مجموعته، وأعنى تمثال المدعو «نحى» من تاجر آثار فرنسى غير معروف في نيويورك، وربما جاء هذا التمثال من سقارة، وربما اشتراه جان فرانسوا شامبليون، مكتشف الكتابة الهيروغليفية، أو أحد جنود الحملة الفرنسية على مصر في نهاية القرن الثامن عشر الميلادى.

ومن بين الآثار المصرية المهمة في الوالترز، نقش من معبدمن سمنود (وسط الدلتا المصرية)، يمثل الملك نختنابو الثانى (من ملوك الأسرة 30)، وتمثال كبير لأنثى فرس النهر يجسد الربة الحامية «تاورت». ومن بين جميع المتاحف الأمريكية، اشترى والترز أكبر عدد من التماثيل المستخرجة من خبيئة الكرنك التي اكتشفها المهندس الفرنسى جورج ليجران في فناء الصرح السابع الخاص بالمعبود آمون من الصروح العشرة في معابد الكرنك. وعلى ذلك، فإن مجموعة الآثار المصرية بالوالترز ضعيفة في عدد من الموضوعات المصرية المهمة مثل المومياوات والأثاث الجنائزى وقطع الحياة اليومية والبردى. وللتغلب على ذلك النقص، قام المتحف في عام 1941 بالحصول على مومياء من متحف المتروبوليتان للفن في نيويورك. وكان قد عثر على هذه المومياء في البر الغربى لمدينة الأقصر في منطقة الدير البحرى (حيث يوجد معبدالملكة حاتشبسوت الشهير) بين عامى 1930و1931. وهذه المومياء لسيدة وذات غطاء جميل من الكارتوناج، وتعد من روائع متحف الوالترز. وبعد ذلك، جاءت مومياء أخرى من العصر الرومانى، ومومياوات حيوانية، ومومياء القمح الطقسية. وأعار متحف المتروبوليتان بعضا من آثاره الجنائزية للوالترز. وكذلك فعل المعهد الشرقى بجامعة شيكاجو حين أعار بعضا من أدواته للحياة اليومية للوالترز. وتمتد زمنيا مجموعة الآثار المصرية بالمتحف من عصور الأسرات المبكرة إلى العصر اليونانى-الرومانى. وتم إعداد وإعادة افتتاح القسم المصرى بالمتحف للجمهور في عام 2001.

ورغبة منه في أن يشرك أهل مدينته، مدينة بالتيمور، في التمتع بمجموعته الفنية الضخمة، كتب هنرى والترز في وصيته أن يؤول المبنى ومحتوياته إلى عمدة ومجلس مدينة بالتيمور وذلك «لمنفعة الجمهور». وعندما مات في عام 1931، أصبح الوالترز متحف مدينة بالتيمور.

وفى النهاية، أقول إن مجموعة الآثار المصرية في متحف والترز للفن في مدينة بالتيمور تعد خير معبر عن مصر القديمة وحضارتها على أرض أمريكية، وتعكس ماضيا مصريا بعيدا غير أنه مفعم بالحيوية، وتمثل حالة لاتنتهى من السحر والجمال.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية