x

جمال الجمل وجع مصري* (مقال قارئ) جمال الجمل الأربعاء 20-04-2016 23:29


(1)

منذ شهور طويلة وأنا أتصور أن الدكتور أحمد كاتب محترف يتخفى خلف اسم عادي جدا (أحمد محمد)، ولفترات تصورت أنه اسم مستعار للصديق العزيز أنور الهواري، فالتعليقات واعية ومتعمقة، والمعرفة بالكتاب كبيرة، وأنور هو الصديق الوحيد المشترك بيننا، لكن الصداقة الافتراضية وجدت طريقها إلى الواقع بشكل ما، وتبين لي أن أحمد شاب مصري من ملايين الشباب المهدورة مواهبهم، وأحلامهم، بل إنه صار بعد كل هذا الحب، وكل ذلك العطاء.. طريد الوطن، يحمل صخرة الغربة فوق قلبه، ويصعد جبل الحياة في رحلة سيزيفية سرمدية لا يبدو لها آخر.

(2)

عندما أرسل لي احمد مقاله الأول، تريثت في نشره، وطلبت منه الكتابة عن نفسه، فقال: أهوى الكتابة منذ المرحلة الإعداية وكتبت محاولات شعرية زادت وتيرتها في المرحلة الجامعية، ونشرت في مجلات الحائط بكلية الطب البيطري شعرا وقصة قصيرة، وبمجرد التخرج تاه الشاعر، وضاع الأديب في غابة البحث عن الرزق، فاكتفيت بالقراءة في كل المجالات، رغم أن الحياة أخذتنى بعيداً بعيداً عن حياتي.. لكن حبي للمعرفة لم تسرقه الغربة في بلاد الرمل والملح، وظللت أقرأ كثيرا في الدين والعلوم كالطب والفلك، وأعشق الآثار والتاريخ.. كنت أطمح لدراسة الاقتصاد والعلوم السياسية، أو الإعلام، لكن والدي رفض، فضللت طريقى إلى عالم وجدته ممتعاً وشيقاً أيضا، وهو «صحة الحيوان»، تصالحت مع تخصصي في فترة الدراسة، ولما تخرجت اكتشفت أن ما أفكر فيه يصلح فقط للمجتمعات المتحضرة والمتقدمة، فشعرت بحنين مرة أخرة لدراسة الاقتصاد أو السياسة، لكنني حمدت الله على عدم التحاقي بكلية الإعلام، لأنني لم أكن سأتحمل، أو أستطيع التعامل مع الوضع القائم في مصر من قديم.

(3)

خدم أحمد كضابط احتياط في الجيش الثانى، وعمل في نفس تخصصه، ودرس اللغة الإنجليزية بالمعهد البريطانى لمدة عامين، وتقدم لنيل درجة الماجستير في أمراض الأسماك، وفاز بمنحة سلام لدراسة هذا التخصص في أمريكا، لكنه فجأة غير مساره وقبل عقد عمل في دولة عربية، ولم يكمل دراساته العليا، تحت ضغط الظروف المادية التي طحنته، وطحنت غيره من الشباب طوال العقود الأخيرة.

(4)

يعترف أحمد أن طاقة غضب ما، كانت تزداد بداخله تجاه الواقع المتردي، لكنه استطاع أن يروض الغضب، وينزع منه الخشونة والعنف، ويستخدمه في الصدام الفكري والنقاشات الساخنة، وليس تجاه الإنسان أو الحيوان (الذي صار قريبا من حياته بحكم تصصه)، وفي رسالته عن نفسه قال أحمد: الثورة بالنسبة لى فعل اضطرارى وليست مطلوبة لذاتها، بل أرى أنه من الخير لو استطعنا تفاديها، وكم قلت أيام مبارك: إن أسهل إصلاح هو الإصلاح الذي يقوم به مبارك ونظامه، لكن للأسف تركيبته الفكرية والإدارية كانت راكدة ومضادة للإصلاح، ويبدو أن هذا هو قدرنا مع سكان الاتحادية، فهم مجرد نسخ منقحة من مبارك.

(5)

أريد أن أعيش في بلد محترم، وهذا الأمر هو مصدر مأساتى في مصر، وتخيل أنني كنت أشعر بالغربة في زيارتي السنوية لبلدي، أكثر من إحساسى بها هنا في الغربة الفعلية، البعض قد يظن أنني اكتسبت هذا الجفاء من العيش هناك، لكنني تغربت قبل سفري.. تغربت في بلدي.. تغربت قبل غربتي، هنا القول الشائع إن الغربة تغير الناس، وهذا غير صحيح، نعم الغربة شدة، لكنها لا تفسد الإنسان، بل تكشف معدنه الأصلى.

..............................................................

* المقال والوجع للدكتور أحمد محمد متولي [email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية