أكد علماء ومسؤولون فى المجلس الأعلى للآثار، أن محافظة الإسكندرية الحالية، تم إنشاؤها بالكامل على مدينة الإسكندرية الأثرية القديمة، وأجمعوا على أن الآثار الموجودة فى باطن الأرض والغارقة تحت مياه البحر، تمثل نحو 20% من حجم الآثار المصرية فى المواقع الأثرية بمختلف المحافظات.
وأضافوا: إن ما تم اكتشافه من الآثار لا يمثل سوى 10% فقط من حجم الآثار «المدفونة» سواء فى باطن الأرض أو تحت مياه البحر، ما دعا الأثريين إلى تقديم اقتراح للمجلس الأعلى للآثار، برئاسة الدكتور زاهى حواس، لدراسة إمكانية تعميم استخدام أجهزة «الاستشعار من بُعد» باعتبارها تكنولوجيا حديثة، للكشف عن الآثار الموجودة على أعماق كبيرة فى باطن الأرض أو البحار، لتوفير الجهد والوقت على البعثات المصرية والأجنبية العاملة فى الإسكندرية من ناحية، والتمكن من الوصول إلى مجموعات كبيرة من الآثار والمنشآت والمقابر فى المحافظة، من ناحية أخرى، حتى ترى النور.
وأوضح مسؤولو المجلس أن استخدام هذه التكنولوجيا يساعد فى تحديد مواقع الآثار، باعتبارها وسيلة مساعدة للكشف قبل إجراء الحفائر والتنقيبات للعثور على أى «خبيئة» أو دفائن أثرية فى المواقع أو الجدران، فيما توقع خبراء العثور على مجموعات كبيرة جدا من الآثار القديمة فى باطن الأرض، تقود إليها هذه الأجهزة.
قال الدكتور سيد عبده، أستاذ الهندسة الكهربائية بجامعة عين شمس سابقاً: «إن الاستشعار من بعد أو (الاستشعار البُعادى) يستخدم لمعرفة ماهية الأجسام دون تماس فيزيائى أو كيميائى مباشر مع هذه الأجسام ومن أهم وأكثر تطبيقاته فى الوقت الحالى، الصور الفضائية التى يتم التقاطها عن طريق (الأقمار الاصطناعية) أو الصور الجوية باستخدام الطائرات».
وأضاف «عبده»، فى تصريحات لـ«إسكندرية اليوم»: «أشكال الأجهزة تتعدد فى 6 أنواع هى: GARRETT 150 وCenturion-21 New Teknetics T2 وJeoscan 2010 2D
وKing 2010 وSonar 2010 3D». وأشار إلى أن الاستشعار من بعد هو أجهزة كهربائية متطورة تقوم بإرسال أشعة أو موجات إلى باطن الأرض أو يتم تسليطها على الأثر المراد الكشف عنه، لمعرفة ما بداخله ثم تستقبل هذه الأشعة وتقوم بتحليلها ذاتياً على أن تصدرها فى صورة تقارير مصغرة يستعين بها علماء الآثار.
وأكد «عبده» أن هذه الأجهزة يمكن الاستفادة منها فى معرفة «الخبيئة» أو «الدفينة» الأثرية الموجودة فى الحوائط والجدران والتى يتعدى عمرها عشرات أو مئات السنين، من خلال تسليط الأشعة الحمراء أو البنفسيجية على الحوائط المدهونة، لمعرفة ما إذا كانت هناك رسومات ونقوش أثرية على الطبقة الأثرية للأثر أو المسجد دون إزالة طبقات الدهان أم لا.
وقال الدكتور محمد عبدالمقصود، رئيس الإدارة المركزية لآثار الوجه البحرى وسيناء،: إن المجلس الأعلى للآثار، يستخدم حالياً أجهزة مثل «السونار» و«الرادار» لتحديد الاكتشافات قبل إجراء أى حفائر أو تنقيبات، لكن فى حدود المطلوب. وأشار إلى أنه يتم استخدام أجهزة الاستشعار من بعد فى أضيق الحدود– بحسب قوله- خاصة فى المساحات الشاسعة، التى يصعب معها عمل حفائر دون تحديد مواقعها أو تحت أعماق البحار.
أضاف «عبدالمقصود» لـ«إسكندرية اليوم»: «من الممكن استخدام الاستشعار من بعد لكن يبقى التنقيب والحفائر هما (الفيصل) فى الموضوع، خاصة أن هذه التكنولوجيا تحدد معالم الآثار فقط، ثم تأتى الحفائر لتؤكد ماهية هذه الآثار، وهل هى مبان قديمة أو مقابر من عدمه».
وأوضح: «إن الإسكندرية مظلومة بسبب الزحف العمرانى المتكالب عليها– بحسب وصفه– وأن مدينة الإسكندرية القديمة (مدفونة) بالكامل تحت العمارات والمنشآت الموجودة» مشيرا إلى أن معظم آثار الإسكندرية موجودة فى حى (كانوب)– وسط حالياً– حيث لا تزال توجد مقبرة الملك الإسكندر الأكبر، أحد الملوك البطالمة الـ13، فضلاً عن العديد من الآثار التى تعود إلى العصور اليونانية والرومانية والإسلامية والقبطية ثم العصور الحديثة، وهى عصور أسرة محمد على باشا».
وعن دور المجلس الأعلى للآثار فى حماية الإسكندرية القديمة، من الزحف العمرانى وإمكانية انتشال الآثار الموجودة أسفل العمارات، قال رئيس الإدارة المركزية لآثار الإسكندرية والوجه البحرى وسيناء: «إن دورنا هو التعامل مع الوضع الموجود حالياً وفق قدراتنا وتفعيل قانون حماية الآثار الجديد فيما يتعلق بتراخيص المبانى، واصفاً الوضع الحالى للمبانى فى الإسكندرية بـ(الصعب)، مشيرا إلى أن الآثار الموجودة تحت المبانى تضم عدداً كبيراً من العصور التاريخية القديمة».
وقال «عبد المقصود»: «إن خطة المجلس الأعلى للآثار خلال الفترة المقبلة، فيما يتعلق بالكشف عن المزيد من الآثار القديمة فى المحافظة، إنه هى تدعيم وتشجيع ومساندة البعثات العلمية الأثرية، خاصة الأجنبية وأن المجلس يتحمل تكالبف بسيطة منها»، مشيرا إلى وجود نحو17 بعثة أثرية علمية أجنبية تعمل فى مختلف المواقع الأثرية فى أطراف المحافظة، منها 7 بعثات أجنبية، تعمل فى مجال الآثار الغارقة فى مواقع عديدة على ساحل البحر، بدءا من خليج أبوقير شرقا، حتى خليج العجمى غربا، بإشراف المجلس الأعلى للآثار ودعم مباشر منه، فضلا عن 10 بعثات أثرية أخرى تعمل فى مجال الحفائر والتنقيبات البرية، أبرزها فى كوم الدكة ومارينا العلمين.
وتابع: توجد بعثات مصرية تابعة للمجلس الأعلى للآثار، تعمل بصفة منتظمة فى مواقع كثيرة مثل منطقة أبوصير والتى يكثف فيها الدكتور زاهى حواس، الأمين العام للمجلس، جهوده إيماناً منه بوجود مقبرة الملكة كليوباترا السابعة، آخر ملوك الدولة البطلمية و«مارينا– العلمين» غرب المحافظة والتى «تعج» بالبعثات، ومناطق كوم الدكة والمسرح الرومانى وحى وسط، وسط المحافظة، مشيرا إلى أن المجلس يتعاون مع العديد من البعثات من جنسيات أمريكية وفرنسية وبولندية ويونانية.
وعن أهمية الإسكندرية أثرياً، مقارنة بالمواقع الأثرية الأخرى فى المحافظات، قال «عبدالمقصود»: «إن الأهمية الأثرية للإسكندرية لا تقدر بقيمة محددة، خاصة أن المدينة تعد مهد الحضارات. وأشار إلى أن الاستشعار من بعد، يعد تكنولوجيا جيدة للغاية لكنها مكلفة أيضاً فى نفس الوقت، غير أن المجلس الأعلى للآثار يتعاون مع الهيئة العامة للاستشعار من بعد فى إجراء بعض المسوح الأثرية، خاصة فى المواقع شاسعة المساحة، مثل منطقتى الأقصر والأهرامات فى محافظة الجيزة أو تحت أعماق كبيرة فى البحار».
وقال الأثرى محمد عبدالعزيز نجم، مدير عام التوثيق الأثرى لآثار الإسكندرية والوجه البحرى وسيناء: «إن استخدام هذة الأجهزة بلا شك يفيد كثيرا فيما يسمى(المسح الأثرى)، وليس الكشف الأثرى لأن الأخير يتطلب إجراء مزيد من الحفائر والتنقيبات اللازمة للمواقع، التى تم تسليط أجهزة الاستشعار من بعد عليها».
وأوضح «نجم»- فى تصريحات لـ«إسكندرية اليوم»- أن استخدام هذه التكنولوجيا يساعد المجلس فى معرفة ما بباطن الأرض، خاصة فى الأعماق الكبيرة، سواء كانت قطعاً أو مبانى قديمة أو منشآت ما يوفر الجهد والوقت لذلك، ثم يعطى ما يسمى ـ«الدلالات» الهندسية والفنية ويقوم بتحليلها حتى يتسنى للأثريين معرفة ما إذا كان فى هذا الموقع أثر أو مقبرة أو مبنى ليتم اتخاذ القرار بالتنقيب أو الحفر من عدمه، وفقاً لتقديرات سلمية ودقيقة.
وأضاف: «إن حجم الآثار بالإسكندرية القديمة، يشكل تقريباً ما لا يقل عن 20% من حجم الآثار فى مختلف المواقع الأثرية فى المحافظات، لان الإسكندرية الحديثة مبنية على ما يعرف بـ(الإسكندرية القديمة) مشيرا إلى أنها تضم كنوزاً أثرية ترجع إلى مختلف العصور القديمة بدءاً من العصور الفرعونية، مروراً بالعصور اليونانية الرومانية والبطلمية والقبطية والإسلامية، انتهاء بالعصور الحديثة وهى عصور أسرة محمد على باشا، مؤكدا أن ما تم اكتشافه فى الإسكندرية لا يمثل سوى 10% فقط من حجم آثار المحافظة».
وقدم الأثرى أحمد عبدالفتاح، المشرف العام على آثار ومتاحف الإسكندرية، مستشار المجلس الثقافى، اقتراحاً مفاده أن يقوم مسؤولو المجلس الأعلى بدراسة إمكانية تعميم استخدام هذه التكنولوجيا على جميع المواقع، وإن كانت لا تؤتى نتائج دقيقة بنسبة 100%، خاصة أنه من الممكن أن يظهر الجهاز نتائج «خادعة»، بأن تخرج مؤثرات عن وجود أشياء من عدمه، لكنها لا شك توفر من الوقت والجهد الكثير قبل إجراء الحفائر والتنقيبات الأثرية.
وأضاف عبدالفتاح– لـ«إسكندرية اليوم»-: «للأسف الشديد فإنه رغم أن المعلوم من الآثار المصرية (أكاديمياً) لدى المجلس الأعلى للآثار كثير، لكنه لم يتمكن حتى الآن من استخراجها من باطن الأرض، بسبب ضعف الإمكانيات المادية، التى تتعلق بالبعثات وتوفير الأجهزة والمعدات، التى تستخدم فى الحفائر، مثلما حدث فى منطقة سقارة الأثرية حيث إنها كانت مدينة موتى وتضم مجموعات كبيرة جداً من القطع الأثرية والمومياوات، لكن لم يكتشف منها سوى 10% فقط».
ولفت إلى أن ما تم اكتشافه من آثار الإسكندرية على مدار السنوات الماضية لا يتعدى سوى 10 إلى 15% فقط من مدينة الإسكندرية القديمة والقصور والمقابر الخاصة بملوك البطالمة واليونان ما يتطلب تعميم استخدام أجهزة الاستشعار من بعد للكشف عنها وتوفير الوقت والجهد لإجراء حفائر دقيقة ومحددة.
وأكد الراهب القمص مكسيموس الأنطونى، استشارى ترميم وتوثيق التراث القبطى، عضو اللجنة العالمية للمتاحف، أهمية استفادة المجلس الأعلى للآثار من تكنولوجيا الاستشعار من بعد، خاصة أنه يفيد ولا يضر المواقع الأثرية، وأن أشعته الحمراء أو البنفسيجية التى يتم إرسالها إلى باطن الأرض أو الجدران توضح المعالم الرئيسية التى على أساسها يتم التحرك وفقا للأيدى البشرية من خلال الحفائر أو التنقيبات.