x

سمير فريد محمود سليمان يفوز بالجائزة الكبرى فى مهرجان ميلانو مع مرزاق علواش سمير فريد الأربعاء 20-04-2016 21:37


حقق الفيلم التسجيلى المصرى الطويل «أبداً لم نكن أطفالاً» إخراج محمود سليمان أكبر انتصار للسينما المصرية فى أوروبا هذا العام عندما فاز بالجائزة الكبرى لمهرجان ميلانو السادس والعشرين لأفلام القارات الثلاث مناصفة مع «مدام كوراج» أحدث أفلام فنان السينما الجزائرى الكبير مرزاق علواش. وكان الفيلم المصرى الذى أنتج بدعم من المركز القومى للسينما فى مصر وصندوق إنجاز دبى فى الإمارات، ومؤسسة الدوحة فى قطر، ومؤسسة الشاشة فى لبنان، الفيلم التسجيلى الوحيد بين أفلام مسابقة ميلانو العشرة للأفلام الطويلة.

وكم كانت لجنة التحكيم موفقة فى قرار الجائزة الكبرى على صعيد الجمع بين الروائى والتسجيلى من ناحية، وعلى الصعيد الفكرى من ناحية أخرى، فكلا الفيلمين عن واقع الأحياء العشوائية فى مصر والجزائر، وهى الأحياء التى تعتبر «مصنع» التطرف والإرهاب الذى يشغل عالمنا المعاصر أكثر من أى قضية أخرى.

هذه هى الجائزة الخامسة للفيلم بعد فوزه بجائزتى أحسن فيلم وأحسن مخرج فى مهرجان دبى السينمائى الدولى 2015، وفوزه عام 2016 بجائزة أحسن فيلم فى مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، وجائزة أحسن فيلم طويل أول لمخرجه فى مهرجان تطوان لأفلام دول البحر المتوسط فى المغرب. وللمركز القومى للسينما فى وزارة الثقافة أن يفخر بدعمه.

وبعد فوزه فى ميلانو، قررت إدارة متحف السينما فى تورينو، وهو أكبر متاحف السينما فى أوروبا والعالم، عرض الفيلم فى المتحف، ووجهت الدعوة إلى مخرجه وإلى منتجته نيفين عفيفى لحضور العرض، وهى فى نفس الوقت زوجة محمود سليمان وشريكته فى شركة يناير للإنتاج الفنى والثقافى التى أنتجت الفيلم الذى كتبه مخرجه واشترك فى تصويره مع محمد حمدى وشريف هلال (ديجيتال ألوان)، وقامت بمونتاج الصورة إيمان سمير وميكساج الصوت على السعيد.

أخرج محمود سليمان الذى ولد فى المنيا يوم 31 يناير 1967، وتخرج فى معهد السينما عام 1997، فيلمه التسجيلى الطويل الأول بعد 6 أفلام قصيرة روائية وتسجيلية هى «رمسيس الثانى» 1993، و«وقت مستقطع» 1997، و«ابتسامة» 2000، و«يعيشون بيننا» 2004، و«أزرق وأحمر» 2006، و«أحياناً» 2008.

كان فيلم «يعيشون بيننا» عن نادية حسن (39 سنة) التى تحمل على ظهرها آلة سن السكاكين البدائية، وتدور فى أحياء القاهرة الفقيرة طوال النهار لتربية أولادها: خليل (10 سنوات) ونور (7 سنوات) ومحمود (5 سنوات) بعد أن انفصلت عن زوجها السكير الذى أورثها «المهنة»، وتزوج فتاه صغيرة. وأثناء انفصال الزوجين قام الزوج باغتصاب زوجته السابقة، وكانت النتيجة ابنتهما أمنية الطفلة. وبعد ثورة يناير 2011، عاد محمود سليمان لتصوير نفس الأسرة بعد ثمانى سنوات واستمر التصوير حتى عام 2015 قبل شهور قليلة من العرض الأول لفيلم «أبداً لم نكن أطفالاً» (99 دقيقة) فى مهرجان دبى فى ديسمبر 2015. ويبدأ الفيلم الجديد بمشاهد من الفيلم القديم.

الفكرة بارعة ونراها لأول مرة فى السينما المصرية. ومن خلالها عبَّر محمود سليمان عن السينما التسجيلية الواقعية التى يرتبط فيها المخرج مع شخصياته بروابط إنسانية بحيث لا يصبحون مجرد «موضوع» للفيلم، وإنما جزءٌ من حياة الفنان. ويؤرخ سليمان فى فيلمه لثورة يناير وتخلِّى مبارك عام 2011، وأول انتخابات رئاسية ونجاح مرسى مرشح الإخوان عام 2012، والثورة ضده عام 2013، وانتخاب السيسى عام 2014، وانتخابات البرلمان عام 2015، ولكن التأريخ هنا من خلال نادية وأولادها وابنتها الذين شاركوا فى الثورة، ولم تتغير حياتهم، ولذلك يهدى الفيلم فى النهاية «إلى كل الذين ضاعت أحلامهم دون ذنب». وموقف الفنان واضح فى أن الثورة لم تحقق أهدافها ويؤكد ذلك بالإشارة إلى حكم البراءة فى 29 نوفمبر 2014 فى قضية قتل المتظاهرين فى مظاهرات الثورة.

نادية حسن امرأة مصرية فقيرة لم تستكمل تعليمها، ولكن تجاربها القاسية فى الحياة جعلتها واعية سياسياً، حيث تزوجت لأول مرة وهى فى الخامسة عشرة من عمرها من رجل يكبرها 45 عاماً، ثم تزوجت ذلك السكير المتوحش الذى أنجبت منه أولادها، والذى رفض الحوار مع المخرج، وتوفى عام 2012. تقول نادية وهى فى ميدان التحرير عام 2013: لقد تصورنا أننا قطعنا رأس الثعبان، ولكن يبدو أننا قطعنا ذيله فقط، ومازال هناك مليون مبارك. وفى أول انتخابات رئاسية بعد الثورة تقول إنها انتخبت حمدين صباحى. وفى الانتخابات الرئاسية بعد 30 يونيو انتخبت السيسى، وقالت إنه سوف يعيد الأمان فى يوم واحد، وليس فى شهر أو سنة. وفى انتخابات البرلمان 2015 لم تشترك، وتقول: عدنا إلى أيام مبارك، رئيس يذهب ورئيس يأتى، ولا جديد. البلد كما هى لم تتغير.

ويتوغل الفنان فى حياة أبناء نادية، فالبنت «أمنية» تتزوج فى الخامسة عشرة مثل أمها، ولكن من ابن عمها الذى يصغرها. و«محمود» أصغر الأولاد يعمل سائق «توك توك» وحلم حياته أن يقود سيارة يملكها، والأوسط «نور» عامل يومية فى مطعم لبيع «الكشرى والبيتزا»، والكبير «خليل» يعمل فى كل شىء، ولكنه يفضل العزف على «الدف» فى أفراح الفقراء فى الأزقة وعلى الكبارى وقوارب النيل، قائلاً إنها لحظات الفرح الوحيدة، حيث يفرح لفرح الآخرين.

وعلى نحو غير مسبوق فى السينما التسجيلية يعبِّر محمود سليمان على نحو إنسانى عميق عن مشكلة المثلية الجنسية فى مصر من خلال شخصية «نور» الذى يبدأ به الفيلم وهو يمارس هوايته المحببة، وهى أن يستقل «الأتوبيس النهرى» الذى يتحرك على نيل القاهرة، وينتهى بأن يختفى من حياة أسرته، وتخرج أمه المريضة التى أصبحت لا تستطيع حمل آلة سن السكاكين وتحولت إلى خادمة للبحث عنه فى الشوارع. خليل يقطع بأن أخاه «شاذ»، ونادية تقطع بأنه ليس كذلك. ولكن الأهم حديث نور عن نفسه، وعن علاقته مع متسول ضرير يجد فى بيته ملاذاً من بؤس حياته، ورفضه مجرد التفكير فى الزواج، وأنه يفضل أن يعيش وحيداً. وفى أحد المشاهد يسأله المخرج إن كان مثلياً فيرفض الإجابة بمزيج من الغضب والأسى ويمضى مبتعداً عنه.

يتحاور الفنان مع شخصياته من وراء الكاميرا طوال الفيلم، ومنها محاوراته عن ذكرياتهم مع الفيلم الأول الذى صوره عنهم عام 2003 وتم عرضه عام 2004، وعن علاقتهم بالله والدين والصلاة، وعلاقتهم بوالدهم أثناء مرضه وعقب موته. وكلها علاقات سطحية ومشوهة، ومن أين لهم بغيرها. كما يشير إلى شجاعتهم فى قبول تصوير فيلم عنهم، واعتراض أحد الجيران على ذلك بقوله إن هذا التصوير يمكن قبوله إذا كان الفيلم سوف يعرض فى مصر فقط، ولكنه سوف يعرض خارج مصر ويشوه سمعتها.

وإلى جانب الحوار من وراء الكاميرا، يستخدم المخرج لوحات الكتابة على الشاشة لتوضيح ما لم يصور ومن الضرورى معرفته، كما يستخدم لقطات أرشيفية سينمائية مثل لقطات مظاهرات يناير، وأخرى صوتية مثل خطاب عمر سليمان عن تخلى مبارك وتكليف الجيش بإدارة شؤون البلاد. أول لقطة فى الفيلم لتقاطعات حديد كوبرى إمبابة على النيل، والتى تجعل كل المدينة فى سجن كبير. وآخر ظهور للفتاة أمنية وراء نافذة ذات أعمدة حديدية مثل زنزانة السجن فى المدرسة التى تعمل فيها أمها خادمة. وتقول الأم فى آخر ظهور لها إنها السبب فى عذاب أولادها فهى التى أنجبتهم رغم الظروف الصعبة التى عاشتها وجعلتهم يعيشونها.

أما مشهد النهاية، أو ظهور خليل الأخير، ففيه يعرب عن اليأس التام من الزواج أو تحقيق أى من أحلامه فى العيش الكريم، وأنه لا يدرى ماذا يفعل، بل يتساءل فى مكالمة تليفونية مع المخرج هل يكون الحل فى انضمامه إلى داعش. وطوال الفيلم تبدو مدينة القاهرة فى الخلفية فى عزلة تامة عن القاهرة الأخرى التى تعيش فيها نادية وأبناؤها.

الصدق الفنى والتحليل السياسى من وجهة نظر صانع الفيلم، يعوضان ضعف الصورة من الناحية الفنية، وضعف المونتاج حيث الكثير من التكرار والافتقاد إلى الإحكام الدرامى. ويظل «أبداً لم نكن أطفالاً» من أهم الأفلام/ العلامات فى تاريخ السينما التسجيلية المصرية.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية