x

ضياء رشوان أخطاء وخطايا الجدال حول الجزيرتين (٢-٢) ضياء رشوان الأربعاء 20-04-2016 21:44


وهكذا، فقد حضر الجميع فى الجدال العام حول تبعية الجزيرتين والسيادة عليهما لمصر أم السعودية، وطُرحت كل الحجج والقرائن عدا تلك التى يملكها أصحاب التخصص والخبرة، وفى مقدمتهم من المؤسسات العريقة بالبلاد: الجمعية الجغرافية المصرية التى يعود تأسيسها لعام 1875، والجمعية المصرية للقانون الدولى، والجمعية المصرية للدراسات التاريخية، المؤسستان عام 1945. كذلك فقد حضر الجميع وغاب عن الجدال كل خبرائنا الكبار فى القانون الدولى وقادتنا العسكريين ودبلوماسيينا الذين استأمنتهم مصر على إعادة طابا إليها فى التحكيم الدولى، عدا الدكتور مفيد شهاب، واللواء محسن حمدى، والسفير محمود سامى، الذين شاركوا فى صياغة الاتفاقية مع السعودية، فغاب الدكتور نبيل العربى، والمستشار أمين المهدى، والدكتور أحمد القشيرى، والدكتور جورج أبوصعب، والسفراء: عبدالحليم بدوى، وحسين حسونة، وحسن عيسى، وإبراهيم يسرى، ومهاب مقبل، وأحمد أمين فتح الله، ووجيه سعيد حنفى.

وذهب بعض المعارضين فى رفضهم إلى آماد أبعد أوقعتهم فى خطأ كبير وتناقض جوهرى مع موقفهم الرافض للاتفاقية، فقد أصروا على عرضها فى استفتاء عام على الشعب المصرى، استناداً إلى الفقرة الثانية من المادة 151 من الدستور السابق الإشارة إليها، والتى تقضى بأنه «يجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة». وكانت الحجة فى هذا هى مصرية الجزيرتين، وبالتالى فهذا فى رأيهم حق من حقوق السيادة التى لا يصح تنازل أى اتفاقية عنه إلا عبر استفتاء شعبى وليس عبر موافقة البرلمان كما هو الحال فى معاهدات الصلح والتحالف. وقد غفل هؤلاء عن أن الفقرة الأخيرة من نفس المادة تنص على أنه «وفى جميع الأحوال لا يجوز إبرام أى معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة»، وبالتالى فإن دعوتهم للاستفتاء الشعبى على مصير الجزيرتين تعنى وفق هذا قبولهما بأنهما ليستا جزءاً من إقليم الدولة، وبالتالى يجوز الاستفتاء بشأنهما. والواضح أن هذا الخلط قد أتى من عدم علم هؤلاء بأن مفهوم حقوق سيادة الدولة يتسع لأبعد من فرض سيطرتها على إقليمها، فهو يشمل أيضا تنظيم جنسية مواطنيها وعملة نقدها وتأشيرات الدخول إلى أراضيها وسياساتها الخارجية والداخلية الأمنية، وأى تنازل عن جزء أو أكثر من هذا يُعد تنازلاً عن حق من حقوق السيادة. ولعل المثال الأبرز للتنازل من بعض الدول عن كثير من هذه الحقوق بعيداً عن أراضيها هو معاهدة ماسترخت التى أسَّست الاتحاد الأوروبى عام 1991، والتى استوجب تطبيقها استفتاءات عامة فى كافة الدول التى وقعتها لكى تدخل حيز التنفيذ بعد الموافقة عليها من الشعوب فى نهاية عام 1993، وهذا بعد عامين من توقيعها من جانب الحكومات فى نهاية عام 1991.

إن الهدف من هذه السطور ليس تعداد الأخطاء والخطايا فى منهج التعامل مع قضية الجزيرتين ومعايرة أصحابها بها، بل هو السعى لإعادة الرشد إلى الجدال المحموم الذى ثار، ولا يزال، حولها، ومطالبة الجميع بتلافى ما ارتكبوه منها والعودة إلى المنهج الأصح لحسمها والوصول إلى الحقيقة التى يبحث الجميع عنها بطرق تبدو غير صائبة، واللجوء إلى أهل العلم والتخصص والخبرة، مؤسسات وجمعيات وأفراد، وكلهم وطنيون لا شك فيهم ولا غبار عليهم، وبعدها فليتخذ مَن يريد الموقف الذى يراه وفق هذه الحقيقة التى تبدو حتى اللحظة غائبة، على الأقل عمن لم يسلكوا الطريق الصحيح إليها.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية