قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية في تقرير لها إن مسؤولي الاستخبارات الغربيين يقولون: إن تجربة السعودية مع الإرهابيين ساعدتهم لتطوير وسائل قوية للمراقبة وتكوين شبكة من المخبرين الذين يصبحون بشكل متزايد عنصرا مهما في الحرب العالمية ضد الإرهاب.
وذكرت أنه فيما تبرز حقائق جديد عن المؤامرة الإرهابية الخاصة بإرسال طرود مفخخة من اليمن إلي الولايات المتحدة، فإن هناك علامة فارقة تظهر للعيان، وهي: يحتمل أن المؤامرة ما كانت لتظهر لولا المعلومات التي أدلت بها الاستخبارات السعودية.
ولفت التقرير إلي انه بالنسبة للكثيرين في الغرب، فإن السعودية لازالت معروفة كمصدر للإرهاب، أكثر مما تعرف بكونها شريك في هزيمة هذا الخطر الذي يهدد العالم. فهي – من وجهة نظر البعض – مسقط رأس أسامة بن لان و15 من بين 19 خاطف للطائرات التي استخدمت في هجمات 11 سبتمبر 2001.
وذكرت الصحيفة أنه في هذا الشهر حذرت الاستخبارات السعودية من هجوم محتمل في فرنسا قد يشنه تنظيم القاعدة في الخليج العربي، لافتة إلي أن السعوديين قدموا تقارير استخباراتية مشابهة لتهديدات وشيكة علي الأقل لبلدين أوروبيين آخرين في السنوات القليلة الماضية، ولعبوا دورا حاسما في تحديد هوية الإرهابيين في باكستان والعراق والصومال والكويت، وفقا لمسؤولي استخبارات غربيين وسعوديين.
ونقلت الصحيفة عن توماس هيجمر، زميل مؤسسة الأبحاث الدفاع النرويجية قوله: إن الدور الأخير (الذي لعبته الرياض) هو حلقة واحدة في سلسلة من المساهمات التي قدمتها الاستخبارات السعودية، إنهم يمكن أن يكونوا مساعدين بسبب أن الكثير من الأحداث تجري في أرضهم، ولأن لديهم ميزانية غير محدودة لتطوير قدراتهم.
وأضافت «نيويورك تايمز»: السعوديون طوروا جهودهم لجمع المعلومات الاستخباراتية في اليمن منذ العام الماضي، حين اقترب تنظيم القاعدة من اغتيال مساعد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف المسؤول عن برنامج مكافحة الإرهاب بالسعودية.
يذكر أن مفجرا انتحاريا قدم نفسه علي أنه جهادي تائب أخفى عبوة ناسفة داخل ثيابه وفجر نفسه بالقرب من الأمير، وتمزق المهاجم إلي أشلاء فيما نجا الأمير مع إصابته بجروح طفيفة.
وقالت الصحيفة الأمريكية إن الهدف الرئيسي للقاعدة هو إسقاط الأسرة الحاكمة في السعودية، التي يعتبرها التنظيم غير شرعية وتابعة للغرب.
وأشارت إلي أن الأمير نايف الذي أدت معلوماته لاكتشاف المتفجرات يوم الخميس الماضي، يحظي بتقدير كبير من قبل وكالات المخابرات الغربية، ويعمل بالقرب منهم، وأنه يعمل علي بناء شبكة من المخبرين في اليمن، وبعض محللي الاستخبارات يقولون: إنهم يعتقدون أن المعلومات أتت من خلال أحد جواسيسه وربما يكون ذلك الجاسوس من داخل تنظيم القاعدة.
ويقول ثيودور كاراسيك، المحلل بمعهد الشرق الأدني والخليج للتحليلات العسكرية بدبي: السعوديون صعدوا حقا من جهودهم داخل اليمن، وأنا متأثر بأنهم استطاعوا التسلل للقاعدة، ولهذا يمكنهم تحذير الأمريكيين والفرنسيين والبريطانيين والآخرين من المؤامرات قبل أن تقع.
ولفت التقرير إلي أنه في العام الماضي، فإن الفرع الإقليمي للقاعدة قتل مسؤولا أمنيا في اليمن اسمه بسام سليمان، ونشر فيديو له وهو يتحدث عن شبكة المخبرين في مقاطعة مأرب، التي تعد ملجأ لعناصر التنظيم الإرهابي شرق صنعاء عاصمة اليمن.
ونشرت القاعدة في الآونة الأخيرة فيديو يكشف عن نجاحها في تضليل المخبرين السعوديين خلال محاولة اغتيال الأمير نايف.
ويقول التقرير إن برنامج مكافحة الإرهاب السعودي يختلف عن نظرائه في الغرب بطريقة مدهشة، فهو يتضمن عنصرا قاسيا يتمثل في فرق الكوماندوز التي تقتل «الإرهابيين»، مصحوبا بمراقبة موسعة، والطرق في المدن المملكة السعودية مراقبة باستمرار بالكاميرات، وأغلب خطوط الإنترنت تمر بنقاط مراقبة.
وعقبت الجريدة: «لكن البرنامج به جانب ناعم يسعى لإعادة تعليم الإرهابيين ليعيدهم مجددا للمجتمع السعودي. الحكومة تدير برنامج لإعادة تأهيل الإرهابيين، ويتضمن علاجا نفسيا ومجهودات للبحث عن عمل وزوجة للمدانين سابقا بأحكام قضائية».
وواجه البرنامج ارتباكا في العام الماضي حين فر اثنان من خريجيه إلي خارج البلاد وأصبحا من قيادات فى القاعدة بالخليج.
لكن المسؤولين السعوديين دافعوا عن مجمل ما حققوه، مشيرين إلي أن البرنامج خرج 349 شخصا عاد منهم للإرهاب 20 فقط.
وتقول «نيويورك تايمز»: إن الخبرة السعودية المتنامية في مجال مكافحة الإرهاب كانت ثمرة تجربة مؤلمة، فبين عام 2003 و2005 شن الإرهابيون الذين نموا محليا حملة همجية من التفجيرات على المملكة، مخلفة أعددا من القتلى السعوديين والأجانب، ودفعت هذه الحملة الهمجية الأمة للاستيقاظ لحقيقة طالما رفضت الاعتراف بها، وهي أن التفسير المتعصب للإسلام الذي رعته الدولة، الذي يسمي في بعض الأحيان بالوهابية، كان يربي المتطرفين الذين يرحبون بقتل حتي المسلمين.
وقالت الصحيفة إن المسؤولين السعوديين يعترفون أنه لا يزال لديهم مشوار طويل ليقطعوه، فالمؤسسة الدينية القوية لا زالت محافظة بشدة، والمدارس العامة تدرس باستمرار مواد تحث علي كراهية الأجانب ومعاداة السامية، ولكن الرأي العام الذي كان يؤيد أشخاصا مثل أسامة بن لادن تغير بقوة بعد أن بدأت القاعدة قتل المسلمين على الأراضي السعودية.
وقال التقرير إنه حين أعلنت وزارة الخارجية السعودية قائمة بأهم 85 إرهابيا في العام الماضي، فإن جميعهم كانوا خارج المملكة، بما في ذلك من في اليمن.
واختتم التقرير بأن: مشكلة السعودية – بكلمات أخري – أصبحت مشكلة العالم.