الفارق كبير بين متظاهرين إخوان ومتظاهرين آخرين.. ولعلك لاحظت الفرق بنفسك فى «جمعة الأرض».. فى مظاهرات الشباب الوطنى الغيور على وطنه، لم يكسروا قلة ولم يقطعوا شجرة ولم يحرقوا محلاً أو سيارة، ولا حتى إطار كاوتش فى الشارع.. هذا هو الفارق.. يخافون على الوطن، ولا يحرقونه.. ولم تُسجل بيانات الشرطة أى محاولات للتخريب أو التدمير.. فقط كانوا يهتفون: تيران مصرية!
صحيح أن الشرطة قبضت على أعداد كبيرة منهم، ولكن تم الإفراج عنهم بتعليمات رئاسية.. هذه التعليمات لها قوة القرار الجمهورى.. أى أنه قرار جمهورى «غير مكتوب».. وليست كل القرارات الجمهورية مكتوبة.. هناك قرار مكتوب ننتظره بالعفو عن شباب الجامعات فى السجون.. وكم تمنيت أن يتسلمهم أولياء أمورهم ليؤدوا الامتحانات من منازلهم، ولا حاجة بنا إلى «لجان خاصة» بالسجون!
خروج المظاهرات مكسب كبير للرئيس شخصياً.. لا يعنى أنها بداية النهاية، كما يحلو للبعض أن يقول.. لكنها مؤشر معتبر على رحابة صدر النظام، وتقبّله للرأى الآخر.. ثانياً: إن المعارض يشد أزر المفاوض، كما قلنا.. وكنت قد تساءلت منذ أيام: هل الرئيس سعيد بالمعارضة أم يضيق صدره بها؟.. وخرج الرئيس وقال إنه سعيد بما سمع ورأى، ما يعنى أن مصر تتسم بالحيوية، وأن شبابها هو من يحميها!
كانت التعليمات الرئاسية واضحة بالإفراج عن الشباب المعتقلين، رغم أنهم كانوا يهتفون بكلمة «ارحل».. وأحب أن أقول إن الصورة هنا غير الصورة هناك، والمشهد هنا غير المشهد هناك.. وبالمناسبة فهؤلاء الشباب جميعاً من أنصار السيسى، وجميعهم من الذين فوَّضوه فى الحرب على الإرهاب.. هذا مؤشر جيد كنت أتصور أن يعظمه الإعلام، لأن خروج المظاهرات لا يعنى بالضرورة نهاية الأنظمة!
يكفى أن السيسى لم يكن وراء هذا المظاهرات بالمرة.. أى نعم.. هناك أنظمة تصنع التظاهرات وتغذيها، وتوفر لها الانتقالات، ووجبة غذائية وبدلات نقدية.. قولاً واحداً ما جرى بعيد عن نظام الحكم ورجاله.. لم يصنعوه ولم يوفروا له أى غطاء شرعى.. لكن بالتأكيد كان النظام هناك يراقب.. وكانت أجهزة المعلومات تحلل الدروس المستفادة.. وتعرف قدرات الآخرين على الحشد والتصعيد، وأشياء أخرى!
لم يكن للرئيس يدٌ فى المظاهرات، لكن كانت له يدٌ فى الإفراج.. تسألنى: وهل هناك رئيس جمهورية يحرك المظاهرات ضده؟.. أقول نعم، هناك مظاهرات تخرج بأمر النظام الحاكم فى أى دولة.. سواء كانت مؤيدة أو معارضة.. وهى مكسب سياسى فى كل الأحوال، ولو تم تصدير مظاهرات «جمعة الأرض» يمكن الاستفادة منها سياسياً واقتصادياً.. وأظن أن هذه أول مظاهرة حقيقية ضد الرئيس، ولكنها تُحسب له!
الدروس المستفادة كثيرة من هذه المظاهرات، على الأقل يبنى عليها النظام مواقفه فى المستقبل، وثانياً يعرف حجم الإخوان فى الشارع، وثالثاً يعرف حجم التيارات الأخرى، ورابعاً يقيس شعبية الرئيس السيسى نفسه.. لكن ستبقى أهم معالجة، فى تقديرى، صدور قرار جمهورى «غير مكتوب» بالإفراج فوراً عن الشباب!.