«الغضب جمرة مشتعلة، تتناولها لتقذف بها شخصا آخر، فتحرقك أنت» بودا. «ابن مسكويه» مؤرخ، وعالم شامل، وأحد فلاسفة القرن العاشر الميلادى. وفى كتابه المثير «تهذيب الأخلاق» يحدثنا فى إطار الحديث عن سوء الخلق.. عن «الغضب فى غير موضعه»، فيقول: «هو مرض لأنه جورٌ وخروجٌ عن الاعتدال... وصاحب هذا الخلق تصدر عنه أفعال رديئة كثيرة.. أما الملوك فإنهم يغضبون على الهواء إذا هبّ مخالف لهواهم، وعلى القلم إذا لم يجر على رضاهم، فيسبون ذاك ويكسرون هذا».. وفى رأى «ابن مسكويه» أن هذا النوع من السلوك هو سلوك قبيح قبحا مضحكا، فهو سلوك غير رجولى، وبعيد عن شرف النفس. وهو خصلة «نجدها فى المرضى أقوى منها فى الأصحاء، وفى النساء أكثر من الرجال. كما أن الصبيان أسرع غضبا من الرجال، والشيوخ أكثر من الشبان».
■
يجب ألا ننسى أن كلام «ابن مسكويه» السابق هو عن «الغضب فى غير موضعه»، ما يعنى أن هناك غضبا آخر هو «الغضب فى موضعه». وما نمر به منذ الأسبوع الماضى هو نموذج لنوعى الغضب المشار إليهما. فأن يُفاجأ الناس بقرار بأن جزءا من أرض بلادهم (على الأقل فعليا De facto) قد انتزع بليل، دون أى شرح أو تمهيد من أى نوع. «فإن لهم أن يتساءلوا ويغضبوا أشد الغضب. وهذا هو الغضب الواجب» الغضب فى موضعه «الذى هو لا يتناقض مع العقل والحكمة. بل هو عين العقل والحكمة. وأما رد الفعل الغاضب من السلطة الحاكمة للبلاد، وأن يطلب الرئيس من الناس ألا يتكلموا فى (هذا الموضوع) فهذا هو (الغضب فى غير موضعه)».
■ كان الأولى بالرئاسة أن تعتذر للشعب، على الأقل عن سوء إخراج الموضوع كله. وتبحث عن مخرج من هذا المأزق، والرجوع للحق فضيلة.
■ أسعد بصداقات بعضٍ من نوابغ الأجيال السعودية الجديدة المشرفة، ومن الطبيعى أن نتفق فى أشياء ونختلف فى أشياء.. ولقد اتفقنا فى مسألة سوء إخراج وتوقيت ما تم. ولم نعفِ الجانب السعودى من اللوم على مساهمته فى هذا الخطأ (بل الخطيئة من وجهة نظرى). وفى رأيى أن هذا الاتفاق كان يجب أن يُنظر إليه من باب «درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة».
■ من المؤلم والطبيعى أن نشاهد الكثيرين من العقلاء، أنصار الدولة المصرية الداعمين لرئيسها، وقد أربكتهم تلك القرارات، وتوقيت وطريقة اتخاذها، فتراجعوا بحدة عن تأييد نظام يكاد يدمن الغموض والسرية، اخترع نظرية سياسية جديدة، هى «الإدارة بالكتمان»، نظام مسكون، بحجة وسواس «الأمن القومى»، عمال على بطال.
■ أكاد أجزم أن الرئيس يعمل دون مستشارين سياسيين على الإطلاق. أو أن كل من حوله هم من نوع «صح يا فندم.. تمام يا فندم.. الله ينور يا فندم». وإن كان الأمر كذلك فهذا خطأ فادح. أما إن كان هناك من يُخلص الرأى والمشورة ولكن الرئيس لا يعير ذلك انتباهاً فتلك مصيبة.
■ لا يليق بالمقام الرئاسى الإصرار على استخدام ألفاظ وعبارات تحتمل العديد من التأويلات، وتترك المستمع لتهاويم وتخيلات، مثل «الأخيار والأشرار» و«حروب الجيل الرابع». فهذا خلط لألفاظ قصص «كامل الكيلانى» و«ليدى بيرد» مع خطابات الحداثة السياسية.
■ لاحظت ولاحظ الأصدقاء أن الرئيس أثناء إلقائه الكلمة أمام مؤتمر مصر «2030»، وكذلك أثناء إلقائه كلمة الأسبوع الماضى خلال لقاء «الأسرة»، لاحظنا أنه يحاول أن يكظم غيظا وغضبا عارما، ما انعكس على ارتباك الخطابين المرتجلين، والوقوع فى تناقضات وزلات لسان وغموض ناجم عن جمل وعبارات لا تكتمل.
■ على الرئيس أن يقرأ من خطاب مكتوب. مثل كل سابقيه فى الموقع الرئاسى. فالارتجال ليس دائما أداة جيدة للتواصل، بل أحيانا يسفر عما هو عكس المقصود منه.
■ ألا يوجد فى كل من يحيط بالرئيس رجل رشيد صحيح الفكر والضمير يوضح لسيادته خطورة الاستمرار فى ارتجال خطاباته؟! هل يرون- أو يرى هو نفسه- أن المصارحة انتقاص من قدر وهيبة المقام الرئاسى؟!
إذا كان الأمر كذلك فنحن أمام فيلم مزعج والعرض مستمر.
■ قديما قالوا «العِند يورث الكفر»، والعناد فى رأى الفيلسوف «شوبنهور» ينجم عن محاولات «إحلال الإرادة مكان العقل». وكما أن مجرد «النوايا الحسنة» لا تكفى لوضع دستور جيد فهى أيضا وبالتأكيد لا تكفى وحدها لإدارة شؤون البلاد ومصالح العباد.
■ بالتأكيد ليس كل من ينتقد الرئيس معناه أنه يقف ضده، أو أنه يقف فى صف الإخوان، أو يناصر طاووس فيينا، أو يقف مع مراهقى الثورة، بلطجية المولوتوف من جميع التيارات الناصرية والإسلاموية واليسارية.
■ يقول إيليا أبوماضى: لما سألت عن الحقيقة قيل لى.. الحق ما اتفق السواد عليه.. فعجبت كيف ذبحت ثورى فى الضحى.. والهند ساجدة هناك لديه.